خبر أيمن خالد يكتب : استعدادات .. لتحويل غزة إلى غوانتنامو

الساعة 09:12 ص|15 ديسمبر 2009

أيمن خالد يكتب : استعدادات .. لتحويل غزة إلى غوانتنامو

يملك العرب القدرة على تامين القماش اللازم لـ مليون ونصف إنسان، وبالطبع قماش من اللون البرتقالي، فالاستعدادات العربية مستمرة، لتحويل غزة إلى غوانتنامو، ولا تملك هذه الأنظمة غير هذا السبيل، فنموذج التحرر من الكيان الصهيوني لا يجب أن يصبح واقعا، وفكرة تحرر أي قسم من فلسطين، واستغنائه عن الارتباط بالكيان الصهيوني أيضاً مسالة غير مقبولة عربياً، فلا بد أن تبقى فلسطين التاريخية، تحت النفوذ والهيمنة الصهيونية، وبالتالي فمن فكرة بقاء غزة مرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي، وصولاً إلى جعل مفتاح غزة إسرائيلياً، كلها عناوين أساسية في النظام الرسمي العربي، الذي حتى هو، لن يقبل بدولة فلسطينية، فالمساحة العربية تتسع لاستيعاب إسرائيل، ولا تتسع لاستيعاب دولة فلسطينية، ولو نظرية، ولو من الورق وعلى الورق.

 

الأيام القادمة ستكون غزة مجرد صورة كبيرة عن غوانتنامو، وهي الحالة التي سيعيشها المواطن الفلسطيني على الأرض، وهي الحقيقة المرة التي يعيشها الناس، بخلاف الحلم والأماني، التي تريد غير ذلك، فالوقائع الجغرافية، والحراك السياسي العربي، لا يخرج عن هذا الطريق، ولا يعني إقامة المزيد من الأسوار حول غزة غير الوصول إلى هذه النتيجة، فبدلاً من إسعاف غزة بالمساعدات، والمساهمة في فصلها عن سطوة الكيان الصهيوني المتحكم بقدراتها، وبلقمة الخبز الداخلة والخارجة إليها، فالنظام العربي، لا يغادر بوابة حراسة غزة، وضمان تجويعها، ومنع كل لقمة خبز من الوصول إليها، والأهم من ذلك، الضغط الكبير لانتزاع فكرة التحرر من الكيان الصهيوني من عقول هذا الشعب المكلوم.

 

الصراع الفلسطيني - الفلسطيني هو مصلحة عربية، لأنه يصب في خدمة جملة من الأهداف العربية، ونحن لا نظن، أن مصالح النظام الرسمي العربي بعيدة عن مصالح الكيان الصهيوني، فما يجمع النظام الرسمي العربي، والكيان الصهيوني، هو الولادة المشتركة، من رحم الاستعمار المعاصر، التي أنهت الخلافة، وأتت بهذا الهباء المنثور، وبالتالي، فالمصالحة الفلسطينية، التي تضر بإسرائيل، هي مجرد صورة غير حقيقية، ولا يمكن أن يسمح النظام العربي، باستمرارها، وما يجب أن تدركه غزة، أن المصالحة بعيدة المنال، وان فتح المعابر بشكل طبيعي مجرد حلم غير قابل للتطبيق في واقع كهذا، وأن إنهاء الانقسام هو أمر يصلح للحديث عنه في وسائل الإعلام، لكنه لا يصلح وفق التقويم السياسي العربي المتاح.

 

 فلا مزيد من الأوهام، بأن القادم سيكون قريباً، وأن ولادة الحلول المنقذة للعقدة الفلسطينية باتت قريبة، فلا حلول في الأفق،  ولا حالة من إنهاء الانقسام، وليس هناك فتح قريب طبيعي للمعابر، والحصار في غزة، لا يزال لم يبدأ بعد، لأن الذي يقرأ الحالة السياسية العربية جيداً، يدرك أن العرب والحمد لله، لا يستسلمون، وأن مطالبهم من الفلسطينيين، وموقفهم من هذه القضية، لن، ولن يتغير، فهم خلال العقود الماضية، لم يساهموا بأكثر من محاولة طمس هذه القضية، وإخفاء معالمها، فهم لم يقبلوا بالهزيمة أمام الكيان الصهيوني فقط، ولكنهم الشريك الطبيعي لكل ما يمارسه هذا الكيان في سبيل إنهاء هذه القضية، وابرز سمات هذه المعادلة المعاصرة، أنهم تخلوا حتى عن قوتهم النظرية في مواجهة هذا الكيان، إلى أمة تمد يدها للسلام، لكنها لا تريد أن توصل رغيف خبز للجياع في غزة، ولا أقول لا تستطيع فعل ذلك، لأن اصطلاح العجز العربي غير صحيح، فالعجز ينذر بالموت، ولكن والحمد لله الأمة بخير، ولا تزال تصنع الزعماء  وتقيم الانتخابات، ودورها رائد من سباق الهجن حتى كرة القدم، ولا ينقصها سوى أن يطيل الله أعمار الزعماء.

 

وأما الساحة الفلسطينية الداخلية، فلا فرق فيها بين السياسي والمواطن، فالسياسي ينتظر كما المواطن، ينتظر حراكاً سياسياً يغير صورة المشهد، ولكن هذا التغيير لن يأتي، والحراك السياسي العربي لا يتجه سوى إلى دعم بذور الشقاق، وبالتالي فما يجري ليس أكثر من إعادة تكريس للماضي بصورته المؤلمة، فالزعماء العرب لن يصبحوا ملائكة، وهم الآن إنما يعيدون إنتاج دورهم التاريخي داخل الساحة الفلسطينية التي أصلا، لم تغادر بعيدا ساحة الاستجابة وظلت رهينة هذا البؤس العربي الطويل.

 

مطلوب من الساسة الفلسطينيين على اختلافهم أن يدركوا أن فكرة الدولة، هي ليست مصلحة إسرائيلية ولا أمريكية ولا حتى عربية، وأن هذا السم، وتكرار تعاطيه من مختلف الأطراف الفلسطينية، بمختلف توجهاتها السياسية، هو سم فقط، وفكرة الاحتيال على شرب هذا السم وتعاطيه، هي مجرد خيال في أذهان السياسيين، بينما الواقع الفلسطيني ينزف بفعل ذلك دماً ويستمر ألماً.

 

في انتظار إعلان غزة غوانتنامو، ما يلزم غزة هو أن تتضامن مع غزة، وأن تضمد جرحها بمعزل عن الساسة، وما يلزم الفلسطينيين على  اختلاف مواقعهم أن يتعلموا لغة صحيحة، أن الكلام باسم الفصائل، يجعل هذا الوطن صغيراً، اصغر من حبة الأسبرين، فلنتعلم الكلام من خلال نبض هذا الجرح وهذا الألم، الذي يجمع أجساد كل الفلسطينيين، فمن هو الفلسطيني الذي لا ينزف بفعل هذا الاحتلال.