خبر لنتجاوز الفلسطينيين .. هآرتس

الساعة 11:31 ص|13 ديسمبر 2009

بقلم: يحزقيل درور

الوزير بيني بيغن محق عندما يقرر (لماذا لا يوجد اتفاق، "هآرتس"، 4/12)، بانه لا أمل في الاتفاق مع الفلسطينيين في المستقبل المنظور. في مقاله عديم ينقص الاستنتاج الناشيء عن هذا التقدير. 

بالفعل، القيادات الفلسطينية، بما فيها م.ت.ف، فتح وحماس، غير قادرة على ان تظهر موقفا سياسيا حقيقيا، يمكنه ان يؤدي الى اتفاق. وهذا لعدة اسباب: عدم فهم الواقع؛ جمود عاطفي متمسك بـ "رؤيا" عديمة الاساس من جهة وثقافة "كفاحية"، من الصعب عليهم الانقطاع عنها من جهة اخرى؛ غياب الشجاعة لقول الحقيقة للجمهور الفلسطيني، ومصالح شخصية تنبع من التعلق بين مكانتهم الرفيعة واستمرار النزاع. ليس لديهم احتمال في أن يحصلوا على اكثر مما عرض عليهم ايهود باراك وايهود اولمرت. رفضهم قبول هذه العروض هو خطأ تاريخي. لفرضية أن اسرائيل ستختفي عن مسرح التاريخ لا يوجد أساس.

النتيجة: الفلسطينيون يوجدون في الفخ التاريخي الذي اعدوه، وبسببه لا توجد امكانية لادارة مفاوضات جدية معهم. والى ذلك ينبغي أن تضاف حقيقة انه لا يوجد في الاتفاق مع الفلسطينيين بحد ذاته (وهو الحكم بالنسبة للاتفاق مع سوريا) ما يلبي احتياجات اسرائيل، التي تفترض مقابلا في مكانتها العامة في الشرق الاوسط. وعليه، فمن غير المجدي لاسرائيل أن تتنازل عن اوراق المساومة المحدودة لديها مقابل اتفاق مع الفلسطينيين، حتى لو كان مثل هذا الاتفاق واقعيا.

الوزير بيغن محق ايضا بقوله ان مستقبلنا في بلادنا ليس منوطا بالفلسطينيين. ولكن مستقبلنا نعم منوط بمسألة اذا كنا سنتصرف بحكمة. وعليه فينبغي التفكير الجيد في الاستنتاج النابع من انعدام الجدوى من المفاوضات مع الفلسطينيين.

المفتاح للحل يكمن في ثلاث حقائق جغرافية – استراتيجية:

أولا، الفلسطينيون بحد ذاتهم لا يشكلون خطرا جديا على دولة اسرائيل. فليس بوسعهم ان يمسوا حقا بامننا شريطة أن نتمكن من تطوير نظرية المواجهة، التي تتناسب وسيناريوهات الصدام على انواعها. التهديد بـ "دولة واحدة للشعبين" ليس سوى هذيان او محاولة لفرض الرعب على اسرائيل. واضح لكل جهة سياسية جدية ان اسرائيل ليست "دولة انتحارية" وانها ستحبط مثل هذه الفكرة السامة.

ثانيا، الوضع القائم اليوم ليس قابلا للعيش. الاشتعالات على انواعها – والتي هي محتمة في ظل غياب مقابل بعيد الاثر في السياقات التاريخية الحالية – تشدد التطرف في الشرق الاوسط، تعزز المحور الايراني، تعرض للخطر استقرار الدول العربية المعتدلة وتمس بمصالح حيوية للقوى العظمى، بما فيها الولايات المتحدة. كل هذه تزيد التخوف من أن اسرائيل ستقف امام ضغط سيتزايد لتقديم تنازلات زائدة دون مقابل حقيقي. سياسة "ادارة النزاع"، بالتالي، ليست واقعية ومن شأنها أن تكلف اسرائيل ثمنا باهظا.

الحقيقة الثالثة، الاهم في النظرة بعيدة المدى، هي أن القوة المتعاظمة للاسلام في العالم ستتغلب على الوزن الجغرافي السياسي لدولة اسرائيل والشعب اليهودي. كبيرة احتمالية أن تعمل هذه القوة ضد اسرائيل، اذا ما استمر الوضع الحالي الذي تخضع فيه الاماكن المقدسة الاسلامية في القدس لسيطرة يهودية حصرية، وتندلع بين الحين والاخر احداث عنف تثير الجمهور في الدول الاسلامية. يمكننا أن نصمد في ذلك ولكن لا ينبغي الاستبعاد لاحتمال المس الخطير باسرائيل.

من هنا لا يوجد بالفعل احتمال للمفاوضات مع الفلسطينيين في المستقبل المنظور، على حد قول بيغن، ولكن لا يجب قبول الاستنتاج الكامن في ذلك (حتى لو لم يقصده بيغن) – بانه يجب مواصلة المراوحة الحالية في المكان. المعالجات الانتقالية الرمزية مثل التجميد المؤلم للبناء في مستوطنات واضح انها ستكون جزءا من دولة اسرائيل، الاقتراحات باقامة دولة فلسطينية مؤقتة في قسم من يهودا والسامرة، "السلام الاقتصادي"، الترنح غير العاقل بين المفاوضات مع سوريا والمفاوضات مع الفلسطينيين – في كل هذه لا يوجد ما يتصدى للمشكلة الاساس: الحاجة لاستقرار مكانة اسرائيل في الشرق الاوسط في عهد التحولات السريعة التي لا تعمل بالذات في صالحنا.

الحل المناسب هو مبادرة اسرائيلية، تتجاوز الفلسطينيين وتسعى مباشرة الى تسوية شرق اوسطية شاملة، في ظل الاعتماد الجزئي على مبادرة السلام العربية. هذه التسوية ستتضمن اتفاقات سلام مع دول عربية واسلامية اساسية، في اطارها تقام دولة فلسطينية دون، تحت انتداب من دول عربية معتدلة، لها اسبابها للتخوف من قيام دولة فلسطينية "منفلتة العقال". اتفاق شرق اوسطي شامل يستوجب تنازلات عديدة من جانب اسرائيل، ولكن المقابل سيكون مناسبا: تطبيع مكانتها في المنطقة ومن خلال تعزيز امننا الوطني على مدى الزمن.