خبر بعض تجليات مشروع الدولة اليهودية .. محمد السعيد ادريس

الساعة 03:43 م|11 ديسمبر 2009

بقلم: محمد السعيد ادريس

منذ نكبة فلسطين عام 1948 وتأسيس الكيان الصهيوني سيطرت فكرتان محوريتان على العقل السياسي العربي، الأولى ترى الكيان امتداداً للمشروع الامبريالي الاستعماري، وترى تطابقاً بين المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين والمشروع الاستعماري الغربي، وأن الهدف واحد بين مقررات المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي عقد في بازل عام 1897 ميلادية والمؤتمر الاستعماري الغربي الذي عقد في لندن خلال الفترة من 1905  1907 تحت رعاية وزير المستعمرات البريطاني كامبل بترمان.

فالهدف كان السيطرة على الوطن العربي والحيلولة دون توحده والعمل على تقسيمه وتمزيقه من خلال غرس الكيان الصهيوني في قلب هذا الوطن والسعي إلى فرض التخلف والحيلولة دون وصول العلوم إلى البلاد العربية كي تبقى دائماً تحت السيطرة. هذه الفكرة أو الرؤية ظلت تؤكد أن الصراع مع الكيان هو صراع سياسي بالدرجة الأولى وليس صراعاً دينياً ضد اليهود.

أما الرؤية الثانية فقد اهتمت بالشعارات التوراتية للمشروع الصهيوني، ورأت في قيام الدولة الصهيونية التزاماً بتلك الشعارات، وخاصة شعار العودة إلى "أرض الميعاد"، وتسمية اليهود ب "شعب الله المختار" وغيرها، ومن ثم اعتبرت أن الصراع مع الكيان صراع ديني وليس مجرد صراع سياسي.

هاتان الرؤيتان عبرتا بدرجة ما عن التفاعلات السياسية العربية على مدى العقود الماضية خاصة بين التيارين القومي والإسلامي، حيث كان التيار القومي ومعه كل التيارات العلمانية تتعامل مع الصراع العربي  الصهيوني على أنه صراع سياسي، في حين كانت التيارات الإسلامية تراه صراعاً دينياً، لكن يبدو أن التطورات الجديدة والمتلاحقة على الجانبين العربي و"الإسرائيلي" بتراجع الوزن السياسي للتيارات العلمانية والقومية حتى على الصعيد الفلسطيني وبالأخص في صفوف حركة المقاومة لصالح التيار الإسلامي وبخفوت وانحسار الوزن السياسي لليسار "الإسرائيلي" لصالح اليمين المتشدد واليمين الديني على وجه الخصوص.

هذه التطورات أخذت تدفع بالصراع نحو جعله صرعاً دينياً أو أخذت تدفع به نحو الصراع الديني، لكن حدث تمايز مهم على الجانب العربي بحدوث تقارب ملحوظ بين التيارين القومي والإسلامي خصوصاً مع تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي بمبادرة من رموز التيارين وخاصة من رموز في المؤتمر القومي العربي، حيث أخذت تنضج رؤية جديدة تمزج بين الرؤيتين السياسية والدينية للكيان الصهيوني، إذ تراه مشروعاً استعمارياً استيطانياً بأهداف وتطلعات دينية توراتية، لكن ما حدث في الكيان الصهيوني من تراجع وخفوت وانحسار لليسار كان لصالح التيارات الدينية اليمينية المتشددة التي أخذت بالكيان نحو الانخراط في المشروع الديني والاندفاع نحو جعل الدولة الصهيونية "دولة يهودية"، واشتراط الاعتراف العربي، والفلسطيني خاصة، بيهودية هذه الدولة للبدء في التفاعل مجدداً مع عملية التسوية والقبول المشروط بدولة فلسطينية تلبي كل المتطلبات الأمنية ل "إسرائيل"، بما فيها أن تكون منزوعة السلاح معدومة السيادة على الأجواء وعلى باطن الأرض وممنوعة من امتلاك جيش أو عقد اتفاقيات عسكرية مع أي دولة أجنبية.

فالتوسع الاستيطاني يحدث جنباً إلى جنب مع عملية التهويد، والاندفاع نحو التعجيل بتهجير عرب 1948 عبر العديد من السياسات إلى خارج الخط الأخضر إما إلى الضفة وغزة أو إلى خارج فلسطين كلية يجري جنباً إلى جنب مع الرفض المطلق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين ومع التهويد الكامل للقدس الشرقية ورفض أي تلميح أو تصريح بأن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة والتأكيد على أن القدس الموحدة هي عاصمة أبدية للدولة "الإسرائيلية".

مشروع الدولة اليهودية يتطور بسرعة توازي سرعة تبدل القيم والأفكار والمعتقدات داخل الدولة الصهيونية لصالح القيم والأفكار والشعارات الدينية اليهودية على حساب الشعارات السياسية.