خبر الساحة الفلسطينية.. الانقسام المستمر والحلول البديلة ..هيثم أبو الغزلان

الساعة 09:28 ص|11 ديسمبر 2009

الساحة الفلسطينية.. الانقسام المستمر والحلول البديلة ..هيثم أبو الغزلان

توجد نكتة فلسطينية تقول «إذا اجتمع فلسطينيان فسينتجان ثلاث تنظيمات»، وهذا تعبير عن كثرة التنظيمات الموجودة والتي تحوي عدداً من الأعضاء لا يتجاوزون في كثير من الأحيان عدد أصابع اليد أو أكثر قليلاً. والبعض من هذه التنظيمات تريد أن تتحكم بالقرار الفلسطيني وبمستقبل الشعب وتطلعاته المستقبلية. فللأسف باتت تعاني الساحة الفلسطينية من تخمة وجود التنظيمات المتباينة الأهداف والتطلعات والتوجهات والرؤية الحاضرة والمستقبلية، وهذا يعني بوضوح أن الساحة الفلسطينية مهددة، سيما مع وجود الخلاف الحاصل بين فتح وحماس وتعمّق هذا الخلاف في وقت تستمر فيه «إسرائيل» بفرض الوقائع على الأرض، فيما البعض منشغل بتفسير الكلام الأمريكي حول ضرورة «تجميد» الاستيطان أم تقييده، أم كونه ليس شرطاً لاستئناف المفاوضات؟! وهل يتم تلبية الدعوة الأمريكية لاستئناف المفاوضات دون شروط، وبالمناسبة هذه الدعوة الملتبسة التي أيّدها بعض العرب الرسميون ومن ثم أصدروا توضيحات حولها ملتبسة أيضاً!

 

 إذن الساحة الفلسطينية تتجاذبها رياح تساهم بتعميق الانقسام عبر خطوات تكرس ذلك، وما إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن عدم خوضه الانتخابات الرئاسية القادمة سوى فتح باب جديد من التوتر على الساحة الفلسطينية... ولعل ما يعزز هذه الافتراضات ـ التي يسميها البعض وقائع ـ، ما كشفته صحيفة "هآرتس" (10-11-2009)، أن "الرئيس الفلسطيني قال إنه يعتزم الاستقالة خلال اجتماعه مع وفد دبلوماسي مصري برئاسة السفير المصري الجديد لدى السلطة ياسر عثمان الذي حضر إلى رام الله لثنيه عن إعلان رغبته عدم الترشح.

 

لكن مصادر فلسطينية أخرى قالت إن الاستقالة ستؤدي إلى بقائه في منصب رئيس مؤقت فترة طويلة خاصة على ضوء رفض حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إجراء انتخابات رئاسية كان عباس قد أعلن عنها".

 

كما كشف قيادي في حركة "فتح" النقاب (الشرق القطرية 9/11/2009)، عن الخيار الذي سيستخدمه محمود عباس بعد إعلان عدم رغبته الترشح للانتخابات الرئاسية، التي أعلن عن إجرائها في الرابع والعشرين من كانون ثاني (يناير) المقبل، وذلك من خلال تسليم كافة الأمور المتعلقة بالسلطة لمنظمة التحرير الفلسطينية. ما يعني عملياً إخراج الأطراف الأخرى التي ليس لها علاقة بالمنظمة خارج اللعبة السياسية، بحسب ما يرى محللون.

 

ورفض المجلس الوطني الفلسطيني، قرار عباس عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، مقترحاً على اللجنة المركزية تأجيل الانتخابات إلى حين تحقيق المصالحة، بما يضمن بقاء عباس في السلطة.

 

ودعا المجلس، في ختام اجتماع عقده في عمّان، عباس إلى العدول عن قراره بعدم الترشح، معتبراً أنّ هذا القرار جاء بعد ضغوط إسرائيلية وتراجع في موقف الإدارة الأميركية من الاستيطان. وطالب المجلس عباس بالاستمرار في موقفه الرافض لبدء عملية التفاوض في ظـل استمرار الاستيطان.

 

رئيس مؤقت؟!

 

وعلى هذا الأساس وبناء على ما سبق لن "يتمكن معارضو عباس من الادعاء بأن ولايته غير شرعية بعدما يستقيل من منصب الرئيس، ويستمر في توليه بشكل مؤقت حتى إقرار موعد انتخابات الرئاسة".

 

وبحسب صحيفة الأيام الفلسطينية الصادرة من رام الله - التي يرأس مجلس إدارتها أكرم هنية وهو من مستشاري الرئاسة الفلسطينية- أن لجوء عباس لهذا الخيار سيجعله رئيس تسيير أعمال للسلطة لحين إجراء انتخابات جديدة، ليقطع بذلك الطريق على رئيس المجلس التشريعي القيادي بحماس عزيز الدويك أن يحتل منصبه بشكل مؤقت، بسبب أن المجلس سيكون قد انتهت فترته وبالتالي لا يوجد من يحل محل الرئيس.

 

أما لماذا أعلن عباس ـ الذي يحتل منصب الرجل الأول في قمة أربع مؤسسات فلسطينية هي السلطة الفلسطينية، رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئاسة اللجنة المركزية لحركة 'فتح'، ورئاسة دولة فلسطين ـ، قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية عزوفه عن خوض معركة الانتخابات؟ الجواب حتى الآن جوابان: الأول أن رئيس السلطة الفلسطينية يناور من اجل الضغط على الحكومة الأميركية كما على إسرائيل، والثاني انه بات على يقين من أن ما يسميه مشروعه السلمي (مفاوضات بلا مقاومة) قد سقط بصورة نهائية ولا أمل هناك في أي حل سلمي قريب.

 

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن مضمون الرسالة التي حاول عباس نقلها إلى نظيره الأميركي هو "لقد مللت". وبحسب الصحيفة، قال أبو مازن، خلال مكالمتين هاتفيتين أجراهما مع البيت الأبيض بداية شهر تشرين أول (أكتوبر)، "أنا لا أدري ماذا تريدون مني؟ فأنتم لا تريدون أن أتوجه إلى الانتخابات، ولا تريدون أن أؤلف حكومة وحدة فلسطينية، وتضغطون عليّ كي لا أوقّع اتفاق المصالحة مع حماس، وفي الوقت نفسه تتيحون لـرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مواصلة سياسته الاستيطانية". ثم أضاف "عمّ أبحث في المفاوضات؟ عن كون القدس العاصمة الأبدية لليهود؟". وختم شكواه لأوباما بالقول "سيدي الرئيس، لم أعد أستطيع أكثر. أنت وإسرائيل وكذلك "حماس" حشرتمونني في الزاوية، ولم تتركوا أمامي أي مساحة. نحن يائسون من الوضع".

 

أما صحيفة "هآرتس" فقد كشفت، أن التقرير الذي أعدته وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بشأن الجهود المبذولة لدفع عملية السلام في المنطقة، يدعو إلى تركيز الجهود في المرحلة الحالية على تعزيز مكانة أبو مازن نظرًا إلى ضعفه الشديد على مستوى الساحة الفلسطينية الداخلية.

 

وأوصت كلينتون أوباما باتخاذ خطوات مختلفة لتعويم عباس، بينها مطالبة إسرائيل بالقيام ببادرات حسن نية وإبداء المزيد من المرونة تجاه الموقف الفلسطيني، بحيث يتاح استئناف المفاوضات في ظل إبراز إنجازات فلسطينية.

 

وكان مسؤولون فلسطينيون توقعوا أن يعود عباس عن قراره اعتزال السياسة في حال التزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنا بتجميد الاستيطان. وكبديل عن هذا الالتزام يريد عباس من إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما ضمانات بان تذكر إدارته علنا تجميد الاستيطان في القدس الشرقية.

 

خيارات

 

وبحسب عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" اللندنية (7-11)، هناك عدة نقاط يجب التوقف عندها لتفسير خيارات الرئيس عباس في المستقبل القريب، وعدة سيناريوهات أخرى للخروج من مأزقه ومأزق حركة 'فتح' الذي أوجده بخطوته تلك:

 

أولا: بات تأجيل انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي التي دعا إليها عباس أمراً مؤكدا، لعدم التأكد من جدية انسحاب عباس، ونهائية قراره هذا، وعدم وجود أي من شخصيات 'فتح' النافذة التي يمكن أن تتقدم لملء الفراغ، وخوض انتخابات الرئاسة وتولي مسؤولية السلطة.

 

ثانيا: من الواضح أن إسرائيل والولايات المتحدة، وبعض الدول العربية لم تعد تؤيد عباس وسلطته، بل لم تعد ترى في القضية الفلسطينية وتسويتها أولوية في الوقت الراهن، حيث بات الملف النووي الإيراني وكيفية التعاطي معه هما الأهم.

 

ثالثاً: تصاعد احتمالات الحرب في المنطقة، وتزايد التحرشات الإسرائيلية بسورية وإيران وحزب الله، من خلال اعتراض سفن تحمل أسلحة في عرض البحر، أو الحديث عن صواريخ في حوزة 'حماس' يصل مداها إلى تل أبيب، أو تخزين 'حزب الله' أسلحة وصواريخ متقدمة مضادة للطائرات في جنوب لبنان.

 

أما عن السيناريوهات أو الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها عباس في الأيام أو الأشهر المقبلة فيمكن حصرها في النقاط التالية:

 

أولاً: الاستمرار في رئاسة السلطة والمواقع الأخرى بعد تأجيل الانتخابات وقياس ردود الفعل على انسحابه، الأمريكية منها على وجه الخصوص، على صعيد وقف المحاباة لإسرائيل، وتقديم بعض التنازلات للسلطة على صعيد الاستيطان، وهذا أمر غير ممكن، لأن السيدة كلينتون عندما تراجعت عن شرط تجميد الاستيطان كانت تنفذ قرار مؤسسة الرئاسة الأمريكية، أي أن قرارها هذا لم يكن مزاجياً أو شخصياً مثل قرارات معظم القادة العرب.

 

ثانياً: أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام سلاح المال ضد عباس، بحيث يعجز عن الإيفاء بالتزاماته المالية ودفع الرواتب، وهناك عجز مقداره 400 مليون دولار في ميزانية السلطة، الأمر الذي يضعف موقف عباس ومكانته أمام مؤيديه وأعضاء حزبه الحاكم، أي حركة 'فتح'، مما يدفعه للتراجع والخضوع للإملاءات الأمريكية بالعودة إلى مائدة المفاوضات، مسقطاً شرط تجميد الاستيطان، والبحث عن مخارج 'مشرفة' للتراجع مثل تنظيم مظاهرات ومسيرات شعبية تطالبه بذلك، وتؤكد مساندتها له.

 

ثالثاً: أن تكون واشنطن استفزته بموقفها الأخير لدفعه إلى خطوة الانسحاب هذه، لأنها تأكدت من انتهاء دوره لبدء دور قيادة أخرى أكثر تناغماً معها، وهي قيادة سلام فياض، رئيس الوزراء، الذي بات يملك أهم سلاحين في يده وهما المال (المساعدات الأمريكية) والأمن (قوات الجنرال الأمريكي دايتون).

 

رابعاً: عباس شخص 'عنيد' ومعروف بحرصه على كرامته الشخصية، وهناك احتمال بأن يؤدي استمرار الخذلان الأمريكي له إلى دفعه للمضي قدماً في قراره بعدم الترشح، وربما الذهاب إلى حل السلطة، ولكن هذا الاحتمال يظل ضعيفاً بالنظر إلى تراجعاته السابقة، وضغوط المحيطين به بالاستمرار في سياسته الحالية، والعودة إلى الحظيرة الأمريكية مجدداً وخلق المخارج اللازمة لهذا التراجع.

 

خامساً: يظل احتمال الاستماع إلى الجناح الوطني في حركة 'فتح' الذي أصر على تبني خيار المقاومة المسلحة، في البيان الختامي للمؤتمر وارداً، وفي هذه الحالة قد يتم البدء في تصعيد المقاومة السلمية مثل العصيان المدني والمظاهرات، وربما العودة إلى الحجارة.

 

سادساً: في حالة انسداد كل احتمالات التجاوب الأمريكي مع 'حرد' عباس، فان فرص المصالحة مع فصائل المقاومة الأخرى، وحركة 'حماس' على وجه التحديد، تظل أمراً وارداً، ولكن هذا يتطلب تغييراً جذرياً في بنية السلطة ونهجها، وإبعاد العديد من الرموز المحيطة برئيسها، وحدوث تغيير أيضاً في خطاب حركة حماس ومواقفها تجاه عباس في هذه الحالة.

 

وعدم ترشيح أبو مازن لرئاسة السلطة يجب أن لا يأخذ تلك الأهمية، فالسلطة الفلسطينية ليست الهدف الأقصى، فهي لا تتعدى أكثر من سلطة حكم ذاتي، فمشكلة المؤسسة الفلسطينية والكيانية التمثيلية للشعب الفلسطيني تكمن بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر الجامعة والموحدة للشعب والتي تضم فلسطينيي الـ 48 قبل قطاع غزة والضفة، وتؤكد على حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه ودياره، قبل جمع الشمل لسكان الضفة وغزة، وأن الأرض الفلسطينية أرضاً موحدة غير قابلة للتجزئة والتفرقة، وأن المعضلة أيضاً بالبرنامج الجهادي والنضالي والسياسي للشعب الفلسطيني، وكيفية التعاطي مع هذا الكيان الاستيطاني والاقلاعي الذي لا يهدد فقط الشعب الفلسطيني ويمنع عليه حقوقه، وإنما كيانا يهدد المنطقة العربية وشعوبها وكل منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، باعتباره كيان تربطه علاقة عضوية مع الغرب والنظام الاستعماري والامبريالي.

 

الضجة التي يحاول أن يخلقها البعض بإضاعة فرصة السلام بعدم ترشيح أبو مازن من جديد لرئاسة السلطة الفلسطينية، ما هي إلا محاولة للقفز عن الحقائق التي تشكل عقبة أساسية أمام إعادة اللحمة الفلسطينية والتمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية، فأبو مازن هو صاحب نهج سياسي متعارض أصلاً مع الثوابت والحقوق الفلسطينية، فهو من جرد القضية الفلسطينية من أوراق قوتها، وهو من لاحق المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية وعمل على تصفيتها، وهو من سلم الأجهزة الأمنية إلى دايتون ليدربها ويبنيها على شروط غربية تضمن الأمن للكيان الصهيوني، وهو من اخذ الساحة الفلسطينية بسياسته العبثية إلى حالة الانقسام، وكان سببا بحصار قطاع غزة، لأنه التزم باتفاقيات أتت على شعبنا بالدمار والخراب والويلات.

 

وذكرت نتائج استطلاع للرأي أجري في الضفة الغربية وقطاع غزة مؤخراً (وكالة معا 8-11)، أن 62% يعارضون قرار عباس بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، مقابل 38% يؤيدون هذا القرار.

 

وبينت نتائج الاستطلاع الذي أجراه طاقم شركة الشرق الأدنى للاستشارات "نير ايست كونسلتنغ" في رام الله، أن 79% من مؤيدي حركة حماس مع قرار الرئيس بعدم الترشح، مقارنة مع 77% من مؤيدي حركة فتح يطالبون الرئيس بالعدول عن قراره.

 

وبيّنت النتائج أن غالبية 76% يعتقدون أن عباس سيعدل عن قراره بعدم الترشح للانتخابات، مقابل 24% يعتقدون أنه حسم موقفه في عدم الترشح.

 

وفي سؤال للمستطلعين حول الشخصية التي سيمنحونها أصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أظهرت النتائج أن 31% سينتخبون عباس حتى بعد إعلانه عن عدم ترشحه للانتخابات مع العلم أن هذا الخيار لم يذكر للمستطلعين، و12% مروان البرغوثي، و8% محمد دحلان، و7% سلام فياض، و4% إسماعيل هنية، و3%د.مصطفى البرغوثي، و6% شخصيات أخرى، و16% سيمتنعون عن المشاركة أو التصويت في الانتخابات، و13% رفضوا الإجابة.

 

وأبرزت النتائج أن غالبية 64% يؤيدون تعليق مفاوضات "السلام" مع إسرائيل مقابل 36% يعارضون ذلك.

 

وعلى صعيد حل السلطة الفلسطينية، عبر غالبية 75% عن رفضهم ذلك، مقابل 25% يؤيدون حل السلطة.

 

وفي حال تم حل السلطة، يفضل 61% تولي منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية الأراضي الفلسطينية، مقابل 27% يفضلون إعادة الوضع إلى ما قبل اتفاق أوسلو، و7% مع وجود قوات دولية و5% إلحاق الضفة الغربية بالأردن وضم قطاع غزة إلى مصر.

 

فرصة عدم الترشح

 

دارت نقاشات مكثفة في الدوائر الأمريكية ذات العلاقة بأزمة الشرق الأوسط، والجمود الخطير الذي يلف ما يسمى المسار الفلسطيني الإسرائيلي، للخروج بصيغة تعيد إلى هذا المسار حركته، وكشفت مصادر مطلعة نقلا عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية أن هناك دوائر أمريكية ترى أن المدخل الوحيد لكسر الجمود ووقف تداعيات التطورات الأخيرة هو من خلال الإعلان عن دولة فلسطينية مما سيوفر الأجواء المناسبة والايجابية التي ستنشأ بعد الإعلان وتساهم في "تليين" الموقف الفلسطيني من المسائل المعقدة. في حين ترى بعض الدوائر أن إعلان الدولة يجب أن يتخذ في نهاية المفاوضات، وليس قبل البدء بمناقشة المسائل الجوهرية. وبالتالي، من الأفضل البحث عن صيغة لاستئناف المفاوضات لا تحرج الجانبين، كتجميد للاستيطان خلال فترة التفاوض المحددة بسقف زمني.

 

وقالت المصادر أن هناك توافقا بين مستشاري كلينتون ومستشاري اوباما على أن التوصل إلى اتفاقيات دائمة في هذه المرحلة برعاية أمريكية أمر غير واقعي ولا يمكن تحقيقه، لأن إبرام معاهدة سلام والتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن يشمل كافة المناطق الفلسطينية، وفي ظل هذه المرحلة الوضع الفلسطيني غير مستقر، ولا يمكن تطبيق أية اتفاقيات يتم التوصل إليها بالنسبة لقطاع غزة.

 

ويعتبر كلوفيس مقصود (مدير مركز عالم الجنوب بالجامعة الأميركية في واشنطن)، في مقال نشرته صحيفتا السفير اللبنانية والشروق المصرية (9-11)، "إن عزوف عباس عن الترشيح لرئاسة السلطة، يشكل فرصة تتيح للقيادات الفلسطينية إعادة النظر بشكل جذري في مكامن الضعف عن «مسيرة السلام» التي كانت قد انطلقت منذ اتفاقيات أوسلو ولغاية اليوم. إلا أن أية مراجعة نقدية يجب أن تنفذ إلى جذور الأسباب التي آلت إلى الحالة الراهنة للشعب الفلسطيني ولحقوقه التي رسختها القرارات والشرعية الدولية، والتي ساهمت اتفاقيات أوسلو، وما استتبعها من تداعيات جمة ومساومات مقيدة ووعود كاذبة ومراهنات تحوّلت إلى ارتهانات بذريعة انتهاج سياسات «واقعية».. والقيادة الفلسطينية مطالبة بمراجعة تؤول إلى تراجعها عمّا ارتضته من مكبّلات أدت إلى إفقادها بوصلة المقاومة من جهة، ولكونها مرجعية موثوقة للنضال من أجل التحرير.

 

نشير إلى هذه الحقائق التي بقيت مغيبة لأن إحدى ركائز استئناف المقاومة بشتى تجلياتها ـ العصيان المدني، التفاوض، المظاهرات، اللجوء إلى الأمم المتحدة ـ وفي حالة استنفاد هذه الخيارات تكون المقاومة المسلحة الخيار الذي شرعنه القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة"...

 

حماس والجهاد والموقف العام

 

وحركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان لهما موقف واضح، وإن بمستويات مختلفة، حاضرتان بالمقاومة وبالموقف الوطني العام الذي ما زال يكرس المقاومة نهجاً واقعياً. وتطرَّق الدكتور محمود الزهار القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى إعلان رئيس السلطة المنتهية ولايته إذا ما كان الإعلان من قبيل المناورة السياسية، أشار إلى أن المناورة السياسية لا تصلح مع شخصية أبو مازن؛ لأن المناورة السياسية قد تصلح من شخصية محبوبة لها شعبية كبيرة يمكن أن تخرج الجماهير لتطالبها بالعودة.

 

أما عضو المكتب السياسي لحـركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور محمد الهندي فقد أعلن عن استـعداد حـركته للمشاركة في انتخابات مجلس وطني فلسطيني إذا تم التوافق على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية وسياسية، مستبعدا في ذات الوقت مشاركة الحركة فـي الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة.

 

موضحاً أنه بالنسبة للانتخابات فحركة الجهاد لها موقف سياسي وعندما قررت عدم المشاركة في الانتخابات الماضية عام 2006 لم تبحث المسألة على مستوى فقهي: حلال أم حرام، وإنما بحثتها من منظور سياسي: هل هناك مصلحة للشعب الفلسطيني أم لا.

 

ومن وجهة نظرنا أن الانتخابات وبناء المؤسسات المدنية وبناء مؤسسات الدولة تأتي لاحقا بعد تحرير الأرض، وحتى الآن واضح أن غزة لم تتحرر، وإنما تحولت إلى سجن كبير، أما الضفة فتحولت لمعازل حقيقية، ومرجعية الانتخابات هي مرجعية أوسلو التي أسست للسلطة الفلسطينية، وهذا الوضع لم يتغير، ولذلك نحن في الجهاد نعتقد أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية تأتي في ظل الاحتلال والعدوان.

 

فالانتخابات ليست مهمة، ولكن الأهم عندما نختلف كفصائل أن يكون لنا مرجعية وبرنامج سياسي يمثل الحد الأدنى من التوافق الفلسطيني، البعض يقول إن المرجعية هي منظمة التحرير، لكن حماس والجهاد خارج المنظمة ولا نعتبرها مرجعية لنا، ولكن إذا تم إعادة بناء المنظمة على أسس ديمقراطية وسياسية بحيث تعكس برامج الفصائل المنطوية تحتها، فساعتها ستصبح المنظمة مرجعية للجميع.

 

"موفاز على طريق شارون"

 

ويبدو أن هذه التطورات على الساحة الفلسطينية قد أغرت 'شاؤول موفاز' الوزير السابق، وعضو حزب كاديما حاليا، لتقديم مقترح للتسوية يدعو من خلاله لإبرام اتفاق ينص على إقامة دولة فلسطينية...

 

وأوضح موفاز بأنه سيعمل على تقديم اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين على فترتين، مشيرا إلى أن الفترة الأولى ستُعطي الفلسطينيين سيطرة على 60% من المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967م.

 

وأشار موفاز إلى أن نتنياهو يعطل عملية السلام ويضيع الوقت، مضيفا 'نحن في كاديما لسنا معنيين بذلك'، وتمنى أن يحقق خطته عندما يكون رئيساً للحكومة، وقال: 'إن الهدوء الحالي هو بمثابة خداع، ولا ينم على مسؤولية والوقت ليس في صالحنا'.

 

ووضعوا في حزب كاديما كلام موفاز في إطار مساعيه الرامية للوصول إلى رئاسة الحزب، مؤكدين على أنه لن ينجح ببرنامج مماثل لما طرحه.

 

وقال مسئول رفيع في الحزب: 'إن البرنامج هو جزء من محاولات موفاز للفوز برئاسة الحزب، والبرنامج يقدّم تغييراً واضحاً في مواقفه السابقة'.

 

ولكن آري شافيت ("هآرتس" 5/11/2009) كتب: "موفاز على طريق شارون"، "..لم يكن أرييل شارون أيديولوجياً، ولكنه ترك خلفه إرثاً: تقسيم البلاد. لم يؤمن شارون بالسلام. فقد أدرك عمق النزاع، اشتبه بالعرب وتذكر 1948. ولكن في أواخر أيامه لم يؤمن شارون بالاحتلال أيضاً. وهو أدرك بتأخير كبير بأن الوضع الراهن يعرض للخطر أصل وجود دولة اليهود.

 

الهدف الاستراتيجي لشارون كان اتفاقاً انتقالياً بعيد المدى. واعتقد شارون بأن على إسرائيل أن تعمل بسرعة وبتصميم. عليها أن ترسم حدوداً يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يتعايشوا فيها جنباً إلى جنب من دون سلام ولكن من دون احتلال أيضاً.

.. سيحاول شاؤول موفاز إحياء طريق كديما. في الفترة التي يتلكأ فيها بنيامين نتنياهو، والتي يقوم فيها ايهود باراك باللف والدوران، وتسيبي ليفني بالتضليل، نجد أن موفاز يعمل بفكرة تنظيمية جديدة، تحرك العملية السياسية، تكون واعية وغير منقطعة عن الواقع.

 

الفرضيات الأساس لموفاز هي الفرضيات الأساس لشارون. من جهة، ثمة احتمالات طفيفة للتوصل إلى اتفاق دائم في هذه النقطة الزمنية. من جهة أخرى، إسرائيل ملزمة بأن تحدث على عجل عملية تغيير تؤدي إلى حل يقوم على أساس الدولتين. الطريق لفعل ذلك هو اتفاق انتقالي. اتفاق يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في غضون نحو سنتين، بحيث تمتد على نحو 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية.

 

"هآرتس": تفاهم سري للاعتراف بدولة

 

وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (8-11) أن مخاوف لدى الحكومة الإسرائيلية تتزايد من إمكانية اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد داخل حدود عام 1967، تعترف بها الولايات المتحدة وفقا لاتفاق سري عقد مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وهي الخطوة التي من المحتمل أن تلاقي اعترافا من قبل مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوروبي وحتى الإدارة الأميركية.

 

وأضافت الصحيفة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كان قد طلب مؤخرا من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما باستخدام حق النقض ضد أي اقتراح من هذا القبيل، بعد ورود تقارير إلى إسرائيل بأنه تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق على الإعلان من الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، وأيضا على ما يبدو من بعض المسؤولين الأميركيين.

 

وأشارت التقارير إلى أن رئيس الوزراء الفلسطيني توصل إلى تفاهم سري مع إدارة أوباما بان تدعم الولايات المتحدة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وهذا الاعتراف من شأنه أن يحول أي وجود إسرائيلي خارج الخط الأخضر، وحتى في القدس، إلى وجود غير مشروع ويسمح للفلسطينيين بالحق في اتخاذ تدابير للدفاع عن النفس.

 

وكان فياض قد اعد خطة مفصلة قدمها للمجتمع الدولي لبناء مؤسسات السلطة الفلسطينية ووضع جدول زمني لمدة عامين لتنفيذه.

 

وقال مسؤولون إسرائيليون كبار أن خطة فياض لاقت رد فعل إيجابياً من أجل التأكيد على بناء المؤسسات، ولكن بعض المسؤولين الإسرائيليين قالوا لصحيفة "هآرتس" إن هذه الخطة مماثلة لتوجه نتانياهو بالدعوة إلى "السلام الاقتصادي" بين إسرائيل والفلسطينيين إلى جانب أن خطة فياض تحوي أيضاً جزءاً ينص على إعلان الاستقلال من جانب واحد.

 

والخطة المذكورة، تنص على أنه في نهاية الفترة المخصصة لدعم المؤسسات الوطنية للسلطة الفلسطينية، بالتعاون مع جامعة الدول العربية، من شأنه أن يقود إلى دولة ذات سيادة على حدود 4 حزيران 1967.

 

ويسعى فياض إلى أن يحل قرار مجلس الأمن الجديد القاضي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية محل القرارين 242 و338 على أمل كسب تأييد المجتمع الدولي والاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية وممارسة ضغط على إسرائيل للانسحاب من الضفة الغربية، علماً أن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة في إطار خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارييل شارون المسماة "خطة الانطواء" أو الانسحاب من جانب واحد.

 

وابلغ العديد من المسؤولين الإسرائيليين صحيفة هآرتس أن فياض كان قد تحدث لهم عن ردود الفعل الايجابية التي تلقاها على خطته ومن أبرز المؤيدين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا واسبانيا والسويد. كما أن فياض قدم هذا الاقتراح إلى الإدارة الأميركية، ولم يتلق أي معارضة عليه.

 

ومن الواضح أن المكسب الحقيقي الذي سيعود على إسرائيل من هذا الحل هو وضع نهاية تاريخية لهذا الصراع مما سيحولها إلى دولة كاملة وعادية في محيطها العربي. وهذا الثمن لا يوازيه تمسكها ببعض الأرض.. هذا في الوقت الذي سعت فيه إلى تسوية أو حسم للصراع، أعفت نفسها من استحقاقات التسوية النهائية...

 

وفي الختام، من المؤكد أن الوضع الحالي بالنسبة لبنيامين نتنياهو مريح له ولإسرائيل. وسيبقى نتنياهو مستمراً في إطلاق التصريحات التي تطالب عباس والسلطة بالجلوس على طاولة المفاوضات على الرغم من أنه يدرك، أن هذا الأمر لن يكون ممكنا في ظل عدم استجابة الولايات المتحدة لمطالب عباس، وأن تتراجع واشنطن عن تفاهماتها مع إسرائيل حول المستوطنات، وأن يكون هناك إعلان صريح من جانب الإدارة الأمريكية يطالب إسرائيل بتجميد البناء اليهودي في القدس الشرقية، لذلك، فان نتنياهو معني بإطالة الوقت، ويتمنى أن يتمسك عباس بمواقفه ليحمله مسؤولية تعطيل المفاوضات المعطلة أصلاً، والمرفوض من الفلسطينيين.

 

وأيضاً، على أبو مازن أن يعترف بفشله في قيادة نهج التفاوض، وانحياز أميركا إلى إسرائيل واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني بفعل فاشية النظام الصهيوني، فهذا تأكيد لسقوط نهج المفاوضات الذي لم ولن يؤدي إلى نتيجة مرجوة منذ مؤتمر مدريد إلى أوسلو إلى اليوم، وان نهج المقاومة هو السبيل الوحيد للتعاطي مع إسرائيل. ولم يعد من مبرر لتجاهله وعدم اعتماده فعلاً لا قولاً..