خبر فخامة « كبير المفاوضين » ..كتب : عريب الرنتاوي

الساعة 12:50 م|09 ديسمبر 2009

فخامة "كبير المفاوضين" ..كتب : عريب الرنتاوي

 

إذا كان النظام الرسمي العربي قد دار ويدور في مثلث التوريث والتجديد والتمديد طوال عشريات ثلاث من السنين، فإنه يسجل للنظام الرسمي الفلسطيني أنه اختار طريقا رابعا لنقل السلطة وتداولها: التخليف...ففي الأنباء أن الرئيس محمود عباس المستمسك بقراره "عدم الترشح" في انتخابات الرئاسة المقبلة، في حال إجرائها، أوصى خيرا في دوائره الضيقة بكبير المفاوضين وصاحب "المفاوضات حياة"، ليكون مرشح فتح وفصائل المنظمة في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي خلّف صدمة قوية في مختلف الدوائر الفلسطينية، وبالأخص في أوساط "مركزية" فتح، وفقا لتقارير الزميل المجتهد وليد عوض في القدس العربي.

 

حجة عباس، وفقا للتقارير ذاتها، أنه يتعين على خليفته الجمع بين الحسنيين: عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وهو الشرط الذي لا ينطبق إلا على كبير المفاوضين، فلا القدومي حضر مؤتمر فتح السادس أو انتخب أو عيّن في "مركزيتها"، ولا أحمد قريع (أبو العلاء) يتوفر على الشرط المذكور، فقصة الإطاحة به في مؤتمر فتح، ومن ثم صعوده بالانتخاب إلى "تنفيذية" المنظمة معروفة تماما، وهي تدل على انعدام الثقة بينه وبين الرئيس.

 

"وصية" عباس هذه، ستُوَاجه بمقاومة ضارية على الأرجح، وتحديدا داخل أوساط حركة فتح، وبالأخص في أوساط لجنتها المركزية حيث يحتشد الطامعون والطامحون والراغبون في الرئاسة، من ناصر القدوة إلى جبريل الرجوب مرورا بالدحلان والبرغوثي، فضلا عن رموز فتحاوية تاريخية خارجها الآن، من قريع وأبو ماهر غنيم وربما القدومي، لكن التقديرات تميل لترجيح كفة الرئيس ومرشحه في مواجهة هذه المقاومات والضغوطات، خصوصا بعد أن برهن الرئيس في الأشهر الأخيرة، بأنه الرقم الصعب (الأصعب) داخل فتح والمنظمة.

 

أما في أوساط المنظمة، فالأرجح أن أي مرشح ستتقدم به فتح، ستقبل به الفصائل من دون اعتراض، عملا بمبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للفصائل التي لا تتدخل في شؤوننا"، أو ربما إنفاذا لتقليد يقضي بتقديم "تعظيم سلام" لكل من تختاره فتح لرئاسة أية هيئة أو منظمة أو لجنة أو حكومة أو مؤسسة، ومن موقع الإقرار بدور الحركة القيادي والتاريخي.

 

مشكلة فتح مع مرشحها الجديد، إن استقرت على هذا الترشيح، ستتفاقم عند مواجهة الفصائل الأخرى، خارج منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مواجهة مع الرأي العام الفلسطيني، فـ"كبير المفاوضين" لن يكون له حظ في اجتياز امتحان الانتخابات إلا إن كان "مرشح تزكية"، أو بمنافسة شبيهة بتلك التي قادتها السيدة سميحة خليل ضد ياسر عرفات في انتخابات 1996، أو مصطفى البرغوثي في مواجهة محمود عباس في انتخابات 2005، في مثل هذه الظروف، وفي مثلها فقط، يمكن لصائب عريقات أن يحظى بلقب: فخامة كبير المفاوضين.

 

أما إن جرت انتخابات حرة ونزيهة، وعلى خلفية مصالحة وطنية حقيقية، وشملت الضفة جميعها والقدس وقطاع غزة، فلا أحسب أن حظوظ عريقات ستتخطى حظوظ أيمن نور في مصر.

 

ويخيّل لنا، نحن الذين انتقدنا الرئيس الراحل ياسر عرفات وعدنا للترحم عليه وإبداء الحنين لأيامه ومواقفه وممارساته، بأننا سنواجه – أو ربما يراد لنا أن نواجه - وضعا مشابها في حال أتت رياح عملية "التخليف" بما تشتهي سفن الرئاسة، إذ قد نجد أنفسنا مجبرين على العودة إلى أراشيفنا لالتقاط ما يخدم منها غرض إجراء المقارنات والمقاربات والمقايسات، وهذا أمر لم نعد نستهجنه بعد أن اتضح لنا، بأن لا قعر لحالة التردي والانهيار التي نعيشها منذ سنوات.

 

الرئيس عباس الذي قرر عدم الترشح للانتخابات المقبلة تفاديا للإقرار بفشل سياساته ورهاناته المعتمدة طوال سنوات خمس، لا يرغب بقيادتنا إلى ضفاف مقاربة جديدة ونهج جديد، ويبدو أنه مصر على أن لا يودّعنا إلا بعد أن يودِعَنا في أيدٍ أمنية على نهجه وسياساته حتى بعد أن بلغت بنا وبه، طريقا مسدودا، لكأنه باختياره "تخليف" صاحب براءة الاختراع المسجلة تحت عنوان: "المفاوضات حياة"، يريد أن يعقابنا لسنوات أربع أو خمس قادمة، بعد أن شهدت سنوات حكمه الأربع أو الخمس الفائتة أكثر التطورات خطورة في تاريخ قضية شعب فلسطين وكفاحه من أجل الحرية والاستقلال، من الانقسام الأسوأ في السياسة والجغرافيا والمؤسسات الفلسطينية، إلى المفاوضات الأردأ في تاريخ عملية السلام، والتي نكتشف اليوم بأنها جرت بلا مرجعية وعلى وقع صرير الأنياب الحديدية لجرافات الاستيطان الزاحف، لكأنه يريد لنا أن نترحم على أيامه ومواقفه وممارساته مثلما فعلنا مع سلفه، وبعد أن نكون قد ضقنا ذرعا بمواقف وسياسات خلفه.