خبر مصالحة إيران ... الاختبار الحقيقي لأوباما .. باتريك سيل

الساعة 10:06 ص|09 ديسمبر 2009

بقلم: باتريك سيل

في الأسابيع الأخيرة، تم إقناع أوباما -أو دفعه في الحقيقة- لتبني نهج يقوم على المواجهة مع إيران. ومرة أخرى، يتجدد الحديث حول فرض عقوبات أكثر قسوة على تلك الدولة، كما تتصاعد الدعوات مجددا لتوجيه ضربة عسكرية ضد منشآتها النووية في أوساط الصقور الأميركيين.

ويأتي هذا كله، عقب رفض طهران للاقتراح الخاص بتسليم الجزء الأكبر من كميات اليورانيوم المنخفض التخصيب الموجود بحوزتها إلى روسيا وفرنسا للمزيد من المعالجة... وهي آلية شفافة لإنهاء برنامج إيران للتخصيب النووي تماما، ولاستبعاد أي إمكانية لقيامها بتصنيع سلاح نووي.

وردت إيران بنوع من التحدي الغاضب على النقد الموجه لبرنامجها النووي، من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبدلا من التراجع عن موقفها أمام هذا النقد، تعهدت بتوسيع نشاطها في مجال تخصيب اليورانيوم، وإنشاء ما لا يقل عن عشرة مواقع جديدة، وتخفيض مستوى التعاون مع الوكالة.

وهذا التدهور في العلاقة مع إيران أمر مؤسف وخطير؛ وهو ما يدركه أوباما تماما، خاصة أنه ليس هناك حل عسكري للمشكلة، وأن مثل هذا الحل لو وجد، يتناقض مع قناعات أوباما، وهي أن مصالح أميركا القومية تتطلب التوصل إلى تسوية مع العالم الإسلامي.

فمنذ بداية ولايته، سعى أوباما لمد الجسور مع العالم الإسلامي، مدركا أن حرب بوش على الإرهاب، ولدت عداءً لكل ما هو أميركي، وسرّعت عملية تجنيد الإرهابيين عوضا عن تجفيف منابعها. وآمن أوباما أن خير طريقة لحماية الولايات المتحدة هي وضع نهاية للحروب، أو التهديدات بشن الحروب على بلدان العالم الإسلامي، وكسب ود السكان المحليين. وفيما يتعلق بإيران تحديداً، مد أوباما يد الصداقة لها آملا أن ينهي عداءً عقيماً استمر مع هذه الدولة قرابة ثلاثين عاما. وقد فشلت هذه المبادرة بسبب عوامل عدة، ليس أقلها شكوك إيران العميقة في الدوافع الأميركية، والتي تعود جذورها إلى الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات الأميركية في الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق. فضلا عن ذلك وضعت الانتخابات الإيرانية التي أجريت في يونيو الماضي، والمظاهرات المناهضة التي أعقبتها، نجاد في مأزق حرج جعل من الصعب عليه الرد بشكل إيجابي على مبادرة أوباما. غير أن السبب الرئيسي لفشل المبادرة تجاه إيران هو تركيزها الضيق على الموضوع النووي على وجه التحديد، وفشلها في إدراك أن القدرة الفنية التي حققتها في مجال تخصيب اليورانيوم، قد أصبحت وسام شرف على صدرها وبالتالي، فإنه من الصعب على أي حكومة إيرانية أن تتخلى عن هذا الوسام قبل أن تحصل على مكافأة سياسية ضخمة في المقابل... ومبادرة أوباما لم تتضمن أي وعد بتقديم مثل هذه المكافأة.

لقد اعتقد الغرب أن حزمة الحوافز الاقتصادية التي عرضها على إيران، بما فيها رفع العقوبات وتوفير قطع الغيار لأسطولها الجوي المتهالك، كانت مغرية بما فيها الكفاية، لكنها ليست كذلك في نظر إيران التي وصفتها بأنها مجرد قطع من الشوكولاته.

والحقيقة أن ما تسعى إليه إيران هو أن تُعامل بالاحترام الذي تستحقه كدولة كبيرة في الإقليم، وذات حضارة عريقة. وهذه أيضاً كانت مطالب الشاه في عهده، حيث كان يرغب في أن يعامل كقوة أقليمية رئيسية، وهو وضع لا يمكن إنكاره بشكل جدي، خصوصا وأن الولايات المتحدة بتدميرها للعراق قد قلبت ميزان القوى في المنطقة لصالح إيران.

ولا شك أنها مهمومة بأمنها، بعد أن مرت بثلاثة عقود من العقوبات، وتعرضت للعديد من محاولات التخريب من جانب الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ما مرت به من معاناة مروعة خلال حرب الثمانية أعوام مع عراق صدام حسين الذي كان مدعوما من الغرب والعالم العربي. وفي فترات أحدث، واجهت إيران تهديدات جدية بشن هجوم عسكري عليها من قبل إسرائيل والغرب.

في ظروف مثل هذه، لن يكون هناك ما يدعو للدهشة إذا ما قامت إيران بالسعي جاهدة للحصول على قدرة رادعة في صورة أسلحة نووية. هل يمكن إيقاف مثل هذه العملية؟ ربما يكون الوقت قد تأخر كثيرا على ذلك. فالأمر المرجح هو أن العقوبات، حتى إذا ما كانت أكثر صرامة وقسوة من تلك المطبقة حاليا، لن تكون فعالة، وأن شن هجوم عسكري على إيران قد يؤدي إلى تداعيات كارثية تصيب تجارة النفط الدولية وأمن إسرائيل في آن.

البديل لذلك هو نهج سياسي يخلو من التهديد، يتعين من خلاله الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وفقا للشروط والمعايير المحددة من قبل هيئة الطاقة الذرية. ومن الواجب في هذا الإطار إقناع الدول النووية الأخرى في المنطقة، باكستان والهند وإسرائيل، بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. بعد ذلك، يجب الاعتراف بوضع إيران كقوة إقليمية، من خلال إشراكها رسميا في بنية الأمن الإقليمي عبر عدد من الوسائل.

هذا هو الاختبار الحقيقي للدبلوماسية الأميركية، كما أنه التحدي الذي يواجه الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والذي يتوقع أن يكسب أكثر من غيره إذا ما تصالح الغرب مع إيران، وأن يخسر أكثر من غيره أيضا، إذا ما تمكن الصقور في الجانبين من تحقيق ما يرمون إليه!.