خبر يرفضون الدولة المؤقتة ويكرسونها في آن .. ياسر الزعاترة

الساعة 09:26 ص|08 ديسمبر 2009

يرفضون الدولة المؤقتة ويكرسونها في آن .. ياسر الزعاترة

 

ياسر الزعاترة ـ الجزيرة نت 7/12/2009

لا يمضي أسبوع أو أكثر إلا ويشير الرئيس الفلسطيني شخصيا بهذه الطريقة أو تلك إلى موافقة حماس على الدولة ذات الحدود المؤقتة. وبينما يرى البعض أن ذلك يأتي في سياق استخدام كافة الأسلحة في مواجهة حركة منافسة، لا يبدو ذلك تفسيرا كافيا، لا سيما إذا تذكرنا أن هذا الاتهام لا يكاد يتردد إلا لماما على لسان آخرين في السلطة وفتح (يستخدمون اتهامات كثيرة أخرى).

تفسير ذلك أن قصة حماس والدولة المؤقتة كانت صداعا بالنسبة لمحمود عباس، أقله قبل ثلاث سنوات عندما خرجت إلى العلن، لا سيما أنه يدرك أكثر من أي أحد آخر حقيقة المعروض عليه من قبل الإسرائيليين، ولعله رأى في القصة المذكورة متكأ للضغط عليه، وهو الذي يأمل التوصل إلى اتفاق نهائي وليس مجرد اتفاق مؤقت.

قصة أحمد يوسف لا تستحق الذكر، وهو رجل يمارس المغامرة على طريقته، والعرض الذي تلقاه من جهات أوروبية عقب حوارات له معها وفيه ما يقترب من طرح الدولة المؤقتة، لا يعدو أن يكون مغامرة بائسة رفضتها الحركة بكل مؤسساتها (قبل سنوات كان يطرح برنامج الدولة الواحدة)، مع العلم أن استمرار عمل الرجل في دوائر الحكومة في قطاع غزة ما زال يسيء إليها بهذا القدر أو ذاك، ويسمح لكارهيها بالتصيّد في الماء العكر.

يعلم الجميع أن جماعة رجال السلطة لا يخافون من شيء قدر خوفهم من منافسة حماس لهم في ذات المربع مربع التفاوض والتنازلات، لكنهم يجهلون أن الحركة لن تفعل ذلك إلا في إذا قررت أن تكون شيئا آخر، وفي العموم فلعبة التشويه لن تتوقف بأي حال.

هذه مقدمة للدخول إلى قضية الدولة المؤقتة التي لم يتوقف الحديث عنها منذ سنوات، ربما سبع سنوات أو أكثر، وإن بمسميات مختلفة لا تغير في حقيقة المضمون. ولا شك أن الأسابيع الأخيرة قد شهدت تصاعدا استثنائيا في طرحها، ربما كمقدمة لتمريرها بهذا الشكل أو ذاك.

بدأ حديث الدولة المؤقتة عمليا منذ كان شارون في المعارضة، أعني في العام 2000، عندما طرح برنامج "الحل الانتقالي بعيد المدى" الذي يقوم على أساس دولة فلسطينية على ما يقرب من نصف الضفة الغربية لمدة 10 إلى 15 عاما وربما أكثر، يُمتحن خلالها الإصرار الفلسطيني على السلام، وبعد ذلك يصار إلى الحديث في قضايا الوضع النهائي (نوايا شارون كما يعكسها خطابه كانت تشير إلى تحويل المؤقت إلى دائم مع بعض التغييرات الطفيفة).

على أساس هذا البرنامج خاض شارون الانتخابات، وعندما بدأت رحلته في السلطة ومواجهته مع انتفاضة الأقصى ومن ثم بناء الجدار، وصولا إلى الانسحاب من قطاع غزة، كان ذلك كله ضمن ذات البرنامج. وحين بدأ نتنياهو رحلة المشاغبة عليه من داخل الحزب (الليكود في تلك الآونة) لم يلبث أن أسّس حزب كاديما من أجل تطبيق ذات البرنامج الذي آمن به وكرسه على الأرض.

من هنا، يمكن القول إن الانسحاب من قطاع غزة وإن جاء في سياق تنفيس الضغوط الدولية على الدولة العبرية بعد عملية السور الواقي في الضفة الغربية، فإنه كان جزءا لا يتجزأ من المشروع المشار إليه والذي من أجله بادر شارون إلى اغتيال القادة الكبار في حماس (الشيخ ياسين، الرنتيسي، صلاح شحادة وإبراهيم المقادمة)، ومن بعدهم ياسر عرفات.

ليس ذلك فحسب، إذ من أجله عمل شارون بمساعدة أميركية واضحة على ترتيب الخلافة لمحمود عباس في لحظة ضعف عربية تجلت مع ملامح احتلال العراق واستغلال واشنطن جورج بوش لضغوط الإصلاح على مصر والأنظمة الأخرى الفاعلة في المنطقة، وإلا فهل يعقل أن يكون وريث ياسر عرفات هو الرجل الذي حاربه في حياته، وهو الرجل الذي تبناه الأميركان والإسرائيليون على مرأى ومسمع من الشعب الفلسطيني برمته، ومعه صاحبه الآخر الذي حاول الانقلاب عسكريا على "الزعيم الرمز" بحسب تعبيرات أنصار فتح وعناصرها؟!

مع غياب شارون عن المشهد لم يتوقف المشروع، لكن فريق أولمرت- ليفني وإن واصل تحريك المشروع على الأرض فإنه أمّل -كما يبدو- التوصل إلى اتفاق نهائي مع محمود عباس بوصفه الزعيم الفلسطيني الأكثر "مرونة" كما يقولون.

على هذا الأساس كانت سنوات الثنائي المذكور الثلاث في السلطة هي الأكثر ازدحاما بعدد اللقاءات وساعات التفاوض. ومؤخرا بعد مسلسل إنكار طويل، أكد عباس شخصيا أنه توصل مع أولمرت إلى تفاهمات شفوية بشأن أكثر الملفات الشائكة، وما لم يقله هو أن الاتفاق كان في انتظار حل معضلة القدس الشرقية، حيث طالب بحصة فيها تمكنه من تسويق الاتفاق على الفلسطينيين، الأمر الذي لم يوافق عليه أولمرت رغم تقديم عباس لتنازلات كبيرة في ما يتعلق بملف حق عودة اللاجئين وببقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت مسمى تبادل الأراضي، فضلا عن السيادة المنقوصة.

خلال الأسابيع الأخيرة حصل مشروع الدولة المؤقتة على زخم استثنائي، حيث عرضه نائب رئيس حزب كاديما "الصقر" شاؤول موفاز، ثم كرره رئيس الدولة العبرية شمعون بيريز ووزير الدفاع إيهود باراك في عرض مشترك، ودائما بذات التفاصيل تقريبا، وهي دولة على نصف مساحة الضفة الغربية، أي مناطق (أ) و(ب) بحسب تصنيفات أوسلو، مع بعض الإضافات من مناطق (ج)، مع عرض بإنهاء مفاوضات الوضع النهائي في غضون عام ونصف، مقابل ضمانات أميركية باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة العبرية.

ثمة تفاصيل هنا أو هناك لا تغير في طبيعة العرض الذي قُدم من الجميع (شارون، موفاز، بيريز، باراك) والذي لا يختلف كثيرا -أقله في المرحلة الأولى- عن رؤية "السلام الاقتصادي" التي يتبناها نتنياهو، مع العلم بأن إدارة جورج بوش وافقت في السابق على المشروع (مشروع الدولة المؤقتة) الذي يُعد المرحلة الثانية من مراحل خريطة الطريق بعد المرحلة الأولى الممثلة في مكافحة "الإرهاب" والتحريض، وذلك قبل دخولها (أعني إدارة بوش) في نوبة أمل بالتوصل إلى اتفاق نهائي في ظل المفاوضات المتواصلة بين أولمرت وعباس.

المثير في هذا الاتجاه هو استمرار رفض محمود عباس لمشروع الدولة المؤقتة، بينما يعرف الجميع أنه وافق على مشروع سلام فياض لما يسمى "دولة الأمر الواقع" خلال عامين، والتي لا تختلف بحال عن مشروع الدولة المؤقتة، حتى لو وقع تسويق ذلك تحت لافتة الذهاب إلى مجلس الأمن للحصول على اعتراف دولي، وهو اعتراف لا يغير في طبيعة الدولة، مع العلم أن الفيتو الأميركي سيبقى قائما إذا ما رأى الإسرائيليون ذلك.

ما ينكره محمود عباس وتؤكده الوقائع على الأرض أن الدولة المؤقتة تبدو شبه قائمة، وستكتمل فصولها خلال العامين القادمين برعاية الجنرال دايتون وتوني بلير، حيث يرعى الأخير تطور الوضع الاقتصادي بينما يرعى الأول عملية نقل السلطات الأمنية في المدن الفلسطينية إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعد إكماله تدريب خمس من أصل عشر كتائب ينبغي أن تتسلم مهمات الأمن في سائر المدن، كما كان عليه الحال تقريبا قبل اندلاع انتفاضة الأقصى قبل نهاية سبتمبر/أيلول 2000.

هذه هي الدولة المؤقتة التي تبدو ماثلة أمام أعين هذا الفريق الفلسطيني الذي يرفضها في العلن ويكرسها في الواقع عبر إصراره على برنامج خريطة الطريق، مع رفض حاسم للمقاومة بشكل أيدولوجي كما يظهر من خطابه.

أما الخيار الآخر فلا يقل بؤسا في واقع الحال، أعني التوصل إلى صفقه نهائية كتلك التي كانوا على وشك التوصل إليها مع أولمرت، ذلك أن الاعتقاد بأن في وسع عباس الحصول على أكثر مما عرض على ياسر عرفات في كامب ديفد هو محض تحليق في عالم الخيال، اللهم إلا إذا قايضهم الإسرائيليون حصة ما في القدس الشرقية ومعها مناطق ضمت إلى القدس بعد احتلال 1967 بتنازلات كبيرة في مسائل اللاجئين والسيادة والأرض، والأهم في قضية الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، ومن ثم عقد صفقة بخصوص فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، وإن بالصيغة التي سبق أن تحدثت عنها تسيبي ليفني، أي عبر تبادل مناطق تضم أكبر تجمعاتهم للدولة العتيدة.

هكذا نكون أمام خيارين يزايد أحدهما في البؤس على الآخر، مع العلم بأن علينا وضع أيدينا على قلوبنا على الدوام، فهؤلاء المهووسون بالمفاوضات السرية لن يترددوا في الخروج علينا باتفاق بائس يحاكي وثيقة جنيف وملحقها الأمني ليفرضوه على الشعب الفلسطيني (هكذا فعلوا في أوسلو)، مستندين إلى دعم عربي ودولي غير محدود، وهو ما ينبغي أن تحذر منه قوى المقاومة كل الحذر، إذ من الخطأ الركون إلى مقولة فشل المفاوضات التي يرددها قادة السلطة من دون أن يجيبوا على سؤال "ماذا بعد؟" المترتب على ذلك الفشل، وبالطبع لأنهم يدركون أن الجواب الوحيد المتوفر هو "خيار المقاومة".