خبر صفقة « شاليط » وآثارها القيمية والإستراتيجية في الصراع .. حلمي موسى

الساعة 11:13 ص|07 ديسمبر 2009

بقلم: حلمي موسى

أعلن عضو الكنيست القادم جديداً من عالم الصحافة, دانييل بن سيمون أن الجمهور الإسرائيلي لا يعلم كل شيء عن صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس. وأضاف: «ولكن صفقة شاليت كانت عالقة ثلاث سنوات لأن إيهود أولمرت لم يرغب في دفع الثمن». وقد تغير هذا الحال بعد أن «تولى نتنياهو الحكم والصفقة سوف تبرم إما في الأسبوع المقبل أو بعد أسبوعين. وهذا قرار بالغ الأهمية». وحسب بن سيمون, اليساري من حزب العمل فإنه «لا يوجد زعيم فعل ما فعله نتنياهو. فهو فعل وسيفعل ما لم يجرؤ أحد من حزب العمل على فعله. وأنا لست من حزبه ولا من رفاقه ولكني ملزم بمنحه الفضل. فقط في اليمين مؤهلون لتنفيذ القرارات التي يقترحها اليسار».

وتحدث بن سيمون حتى عن أن مروان البرغوثي مدرج على قائمة من سيتم الإفراج عنهم منوهاً إلى أنه يكن أن يكون مفاوضاً لإسرائيل بعد عامين. غير أن ما لا يقلّ أهمية عن ذلك أن بن سيمون قال إن «السجال يدور حول سبل سد الطريق أمام حماس وتشجيع زعيم في المناطق وثمة سجال حول مدى تحويله إلى زعيم أم لا».

صحيح أن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أصدر نفياً قاطعاً لأقوال بن سيمون الذي أوحى بأنه اطلع عليها من بنيامين نتنياهو. وصحيح أن بن سيمون نفسه أصدر توضيحاً شدّد فيه على أن ما قاله ليس أكثر من تقديرات ولكن ذلك لا يغير من حقيقة الأمر. إسرائيل تغدو, وبشكل متزايد, لاعباً فعلياً في السياسة الداخلية الفلسطينية. وربما لهذا السبب كان هناك من قالوا إن صفقة شاليت تتسم بأبعاد استراتيجية هامة لم يسبق لصفقات التبادل مع إسرائيل أن اتسمت بها.

والواقع أن معلومات بن سيمون ليست مجرد تقديرات. فالرجل بات في موضع سياسي حساس منذ دافع عن نتنياهو في المغرب أمام حملات استهدفته وهو ما دفع الأخير للإشادة به ومقارنته بعدد من أعضاء الكنيست من حزبه ممن يحملون عليه. كما أن بن سيمون, ورغم خلافه مع إيهود باراك لا يزال يشكل عنصراً يحول دون انشقاق حزب العمل وهو انشقاق قد يقوض أسس استقرار حكومة نتنياهو. فبن سيمون صار في موقع حساس تتقاطع عنده جملة من المعطيات إضافة إلى أن أحداً لا يمكن أن يتهمه بالخفة وسوء التقدير.

وقد سبق لعدد من كبار المعلقين والمراسلين الإسرائيليين أن أشاروا إلى أن نتنياهو اتخذ قراراً استراتيجياً بإنجاز صفقة شاليت. وليس من المستبعد أن يكون بين اعتبارات نتنياهو في هذا الشأن دوافع سياسية تتعلق بالوضع الفلسطيني. ولكن حتى لو لم تكن هناك اعتبارات كهذه فإن أحداً لا ينفي حقيقة أن الصفقة تترك أثراً سياسياً هاماً على الصعيد الفلسطيني.

إن الصفقة تسجل لمصلحة حماس التي تكون بذلك سجلت سابقة تاريخية بأن تكون أول تنظيم فلسطيني يجبر إسرائيل على مبادلة أسرى جراء عملية جرت بكاملها على الأرض الفلسطينية. فشاليت لم يأسر في فلسطين ويحتجز في مكان آخر بل أسر في فلسطين وبقي فيها. ورغم أن أنباء تحدثت عن نقله إلى مصر جاءت في نطاق الحديث عن الصفقة فإن مسارعة حماس لنفي ذلك يدخل, ربما, في باب نفي هذا الاحتمال من أساسه.

والصفقة, بصرف النظر عن معطياتها, تشكل صفعة قوية لإسرائيل التي تشهد سجالاً لا يتوقف حول القيمة الأخلاقية للصفقة. إن إقدام إسرائيل على تحرير أي عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن شاليت هو ثمن يمكن لإسرائيل أن تدعي أنه كان باهظاً. غير أن هذا الثمن ليس أبداً أعلى من ذاك الذي كان الفلسطيني في غزة, وقبله الجنوبي في لبنان على استعداد لدفعه من أجل تحرير أسراه.

ففي لبنان دمّرت إسرائيل البنى التحتية والبيوت والمؤسسات في مناطق بعينها, وفي غزة دمرت تقريباً كل ما يمكن الاعتداد به من مؤسسات ومنشآت, والأهم أنها قتلت في لبنان وغزة من دون حساب لترسيخ منطق «إعادة المخطوفين فوراً ومن دون شروط». وإذا كان ثمن افتداء الأسرى لدى الإسرائيليين يُقاس بعدد من يفرج عنهم من أجل تحرير أسيرهم فإن هذا الثمن لدى العربي المقاوم يقاس بعدد الشهداء وحجم التضحيات.

كتب تسفي بارئيل في «هآرتس» قبل أيام أن المثرثرين «يطالبون بـ«سجال جماهيري» في الحديقة العامة. علانية البحث. شفافية المعلومات. من سيتحرر يريدون ان يعرفوا، كم دم يوجد لكل واحد على اليدين، وكأن ثمة صلة مباشرة بين كمية الدم التي سفكها المخرب وبين كمية الدم التي سيسفكها في المستقبل. وأين كانوا على مدى الثلاث سنوات والنصف التي انقضت؟ أولم يعرفوا ان ليسوا اولياء اولئك الذين سيتحررون؟ أم أنهم فجأة يسعون الى التمييز بين من قتل يهودياً واحداً وبين من قتل عشرة؟ بين قليل من الدم وكثير من الدم؟».  ومع ذلك فإن السجال الدائر في إسرائيل حول ثمن افتداء الأسرى يمكن أن يشكل دافعاً لسجال آخر في الساحة السياسية العربية والفلسطينية لإظهار هذه القيمة. وتكفي هنا الإشارة في هذا السياق إلى أن الأسرى العرب والفلسطينيين, في الغالب, يحظون باحترام متميز لما ينظر إليه على أن قيامهم بدورهم في مقاومة إسرائيل. وهذا, في الغالب, ليس حال الإسرائيليين ممن كانوا أسرى لدى منظمات أو جيوش عربية. ويمكن لهذه النقطة أن تشكل منطلقاً لترسيخ القيمة الأخلاقية لافتداء الأسرى في ثقافتنا وقد تشكل أرضية لإعادة بناء قيمة الإنسان في أوطاننا.