خبر في مقولة الخطر الشيعي الإيراني.. أين يكمنُ الخطر؟! .. عدنان زغلول

الساعة 11:11 ص|07 ديسمبر 2009

بقلم: عدنان زغلول

لا يزالُ صدى المقولةِ الدارجةِ عن خطرِ المدِّ الشيعيِّ الإيرانيِّ وتقدُّمِهِ في المرتبة على خَطَرِ المشروعِ الصهيونيِّ يتردَّدُ في أجواء الفكرِ والسياسةِ ويؤثـِّرُ في صنع الأحداثِ بل والقراراتِ الحاسمةِ التي ترسمُ معالِمَ مستقبلِ هذه المِنطقة. ولا ينبغي في هذه المرحلةِ الفاصلةِ من تاريخ الأمةِ أن تغيبَ حقائقُ الأمور عن وَعْيِ جمهورِ مُثقفيها وضميرِ أصحابِ القرارِ فيها. ففي هذه المقولةِ، كما يُرَوَّجُ لها، تَجاوزٌ لمبادئ ومفاهيمَ أساسيةٍ تتعلقُ بوجودِ هذه الأمَّة.

وفيها تغييبٌ لفكرةِ الأمّةِ الواحدةِ يَتجلّى في اعتبارِ بَعْضِ شعوبِها ومذاهبِها خارجَ إطارِ الأمةِ وتصنيفِهم أعداءً واعتبارِهم الخطَرَ الرئيسيّ. وفي المَقولةِ تفريطٌ في ثوابتِ الأمنِ القوْميِّ عندما نتَصَوَّرُ إمكانيةَ تقاطُعِ مصالحِ الأمةِ معَ مصالحِ أعدائِها الحقيقيين على حسابِ مصالحِ فريقٍ من شعوبِ الأمةِ ودُوَلِها.

وفي المقولةِ يبدو غيابُ فَهْمِ سياسةِ الأولوياتِ في التعاملِ مع القضايا عندما تتقدمُ الجزئياتُ والخِلافياتُ من المسائلِ المُستهلَكةِ تاريخياً على الكُلّيّاتِ في النظر إلى المصالحِ الكُبرى وتترَكُ كي تؤثِّرَ في تأسيسِ منهج التعامُلِ مع التحدياتِ الخطيرةِ المشتَرَكة.

وفي المَقولةِ يتَجلّى غيابُ الرؤيةِ الواضحةِ للأمورِ والنظرةِ المُعَمَّقةِ لمواقِعِ مَصالحِ الأمّةِ والتعريفِ بأصدقائِها وأعدائِها، ويبدو فيها ضيقُ الأفُقِ في فَهمِ الأحداثِ وتفسيرِها ليس على صعيدِ النظامِ الرسميِّ فحسبُ بل يمتدُّ ذلك ليَشملَ زُمرةً من الحركاتِ والتنظيماتِ ونُخَباً من المثقفين.

وفي المقولةِ بعدَ ذلك كُلِّه تنبعثُ رائحةُ الفتنةِ بين طوائفِ الأمّةِ وشعوبِها حتى يصلَ الأمرُ إلى استعداء أعداءِ الأمّةِ على صِلَةِ أرحامِها وأهلِ الجِوارِ والمِلَّةِ ممن ينتمون إليها.

بل إنَّ الاستغراقَ في تردادِ هذه المقولةِ والتنظيرِ لها يعني الوقوعَ في مصيدةِ توظيفِ الوَعْيِ العربيِّ المُسلِم لِخدمةِ أغراض المشروعِ الصهيونيِّ وأهدافِه.

إذا استعرضنا الخارطةَ المذهبيةَ والعِرقيةَ والسياسيةَ لهذه المِنطقةِ نجدُ ثمّةَ محاورَ عدةً تتشابكُ وتتقاطَعُ لتُشَكِّلَ المشهدَ العامَّ لهذا الموضوع، ففي المحورِ المذهبيِّ والطائفيِّ يجري الحديثُ عن السُنّة والشيعة، وفي المِحورِ القوميِّ يجري الحديثُ عن العربِ وإيران، وفي المحورِ السياسيِّ يجري الحديثُ عن مشروعين: المشروعِ الغربيِّ الصهيونيِّ، والمشروعِ الرافضِ والمقاوِم.

وتتزاحمُ هذه المحاوِرُ في كثيرٍ من المواقفِ بحيثُ تختلطُ الأمورُ أحياناً ويُشكِلُ على البعضِ فَهمُها.

وبرأينا أن التقسيمَ الذي تطرحُهُ المقولةُ تقسيمٌ باطلٌ أساساً ولا يستندُ إلى حقيقةٍ، وذلك عندما تضعُ المقولةُ "الشيعةَ وإيرانَ" مقابلَ "السُنّةِ والعرب" كَطَرَفَيْ صِراعٍ تقسيماً افتراضياً للخروج منه بنتيجةٍ مُقرَّرةٍ سلفاً لِخدمةِ أغراضِ هذه المقولة.

فهذا التقسيمُ يتجاهلُ أن هناك شيعةً عَرَباً يمتدون في طولِ بلاد العربِ وعرضِها، ولهؤلاء انتماؤُهُم وحُضورُهم العربيُّ في الماضي والحاضر. وفي إيرانَ فسيفساء من الأعراقِ والقومياتِ من فُرسٍ وعَربٍ وتُركٍ وأكرادٍ وبلوشٍ وأذَر وغيرِهم تناهزُ نصفَ سكان هذه الدولةِ الإسلاميّة، وفيهم الشيعةُ والسُنّة من هذه الأصول كافَّة.

هذا التداخلُ في التصنيفِ بين المذاهبِ والشعوبِ في دُوَلِ المِنطقةِ يُفرِّغُ التقسيمَ المُفتَرَضَ الذي يُقررُه أصحابُ المقولةِ من مُحتواه.

لكنَّ هناك تقسيماً هو في الحقيقةِ ما يَتَحاشى الاعتِرافَ به أصحابُ مقولةِ "الخطرِ الشيعيِّ الإيرانيّ"، وهو أنَّ من كُلِّ هذه المذاهبِ والقومياتِ قوىً حليفةً وتابعةً للمشروع الغربي الصهيونيِّ عرباً وعجماً وسُنّةً وشيعةً، وأنَّ من كلِّها كذلك قوىً رافضةً ومقاومةً لهذا المشروع.

وتتعدَّدُ مواقفُ الناسِ وتختلفُ آراؤهم في تعقيدات المشهدِ لتصنيفِ كلِّ فئةٍ من هذه الفئاتِ وتحديدِ موقعِها على خارطةِ الصراعِ في المِنطقةِ وتوصيفِ موقفِها وفَهمِه في إطار الرؤيةِ السياسيةِ والدينيةِ والقوميةِ لكل فريق.

ونخلُص من ذلك كلِّه إلى أنَّ التقسيمَ الفاعلَ والمؤثِّرَ ينبني على المواقفِ السياسيةِ من قضايا الأمّةِ بعيداً عن الانتماءات المذهبيةِ أو العِرقية.

المذهبُ الشيعيُّ مذهبٌ قديمٌ نشأ في مُعتَرك الأحداث السياسيةِ التي تزامنتْ مع عهدِ الخلافةِ الراشدةِ، ثم تَبَلْورَ وامتدَّ كأكبرِ مذهبٍ إسلاميٍّ بعدَ مذهبِ السُنّة.

لا مفرَّ من الاعترافِ بأن هناك اختلافاتٍ بين المذهبينِ متعددةً بعضُها فِقهيٌّ وبعضُها فِكريٌّ وسلوكيٌّ انتهتْ بخلافاتٍ بينَ أتباع المذهبين لا نُهَوِّنُ من شأنها وآثارها السلبية في العلاقة بين الطائفتين في ماضي الأمةِ امتدتْ حتى حاضرِها، لكنَّ هذه الخلافاتِ لا تُبَرِّرُ لأتباعِ أحدِ هذين المذهبينِ ادِّعاءَ خروجِ الآخَرِ من المِلَّةِ، إذْ العقائِدُ الأساسيَّةُ التي تتعلقُ بالوَحدانيةِ والنُبُوَّةِ والكتابِ واحدةٌ، وهي التي بها يَثـْبُتُ انتماءُ المذهبين إلى مِلَّةِ الإسلام، كما إلى الأُمّةِ الإسلاميةِ الواحدة، وإنَّ دعوةَ التكفيرِ المتبادَلَةَ التي يُرَوِّجُ لها البعضُ من شأنها تقسيمُ الأمّةِ التي وحَّدَها الإسلامُ ومِن شأنها تفريقُ أهلِها.

برأينا أنّه لا مَطْمعَ ولا خطةَ لدى أتباعِ أيٍّ من المذهبين لِغَزْوِ ساحةِ المذهبِ الآخَرِ. فأهلُ المذهبين كلٌّ مؤمنٌ بمذهبهِ بل متعصبٌ لهُ بما لا يُخشى منه التحوُّلُ عنه. وما يُقالُ عن حالاتٍ جرى فيها نشاطٌ للدعوةِ المذهبيَّةِ أسفر عن حالاتٍ للتشَيُّعِ في أوساطِ السُنّةِ إنما هي حالاتٌ محدودةٌ لا يترتبُ عليها شأنٌ ذو بالٍ يُذكَرُ على الصعيد العامِّ، فضلاً عن أنَّ لها أسبابَها ودوافِعَها التي قد تُلقي هذه الدراسةُ الضوءَ عليها.

وإذا كان ثَمَّةَ مَن يدعو إلى التشَيُّعِ أو التَسَنُّنِ في أوساط المذهبين فأحرى بهؤلاءِ وأولئكَ أن يلتفتوا في دعوتهم إلى فضاء العالَمِ الواسعِ الذي تفتقرُ شعوبُهُ إلى قواعدِ التوحيدِ الأساسيةِ وباتتْ مجتمعاتُهُ أحْوَجَ إلى فهمِ ِرسالةِ الإسلامِ الذي ما زالَ خِطابُ دُعاتِه في مَنأىً عن وُلوجِ ثقافاتهم والتفاعلِ معَها، فذلك أجدرُ من أن نَحرثَ في بحرِ التنافُسِ العَبَثيِّ فيما بَيْنَنا يَطْمَعُ بعضُنا في بَعض.

فأين يكمنُ إذن خَطَرُ هذا المدِّ الذي كَثُرَ الحديثُ عنه إن كان ثمَّةَ خَطَرٌ، وما هي طبيعَته؟

إنَّ الخطرَ في واقعِ الحالِ لا يكمُنُ في مَدٍّ شيعيٍّ أو إيرانيٍّ أو ما قد يُتَوَهَّمُ من هذا القبيل، ولكنَّه يكمُنُ في عدَمِ إدراكِ الخطرِ الحقيقيِّ الواقعِ على الأمّة، ويكمنُ في كُلِّ تَصوُّرٍ ودعوةٍ تحاوِلُ أن تَغُضَّ الطرْفَ عنه أو تُقَلِّلَ من شأنِه، وما مقولةُ الخطرِ الشيعيِّ والإيرانيِّ إلا محاوَلةُ لتبرِئَةِ نِتاجِ المشروعِ الصهيونيِّ المُتَمثِّـلِ في "الكيانِ الإسرائيليِّ" مِن وَصْفِ "الخطر" وصولاً إلى ترسيخ فَهم "هذا الكيان" كواقعٍ مشروعٍ يملكُ حقَّ الوجودِ الآمِنِ في المِنطَقةِ فضلاً عن شريكٍ في سلامِها وأمنِها وتنميتِها كـ"شرقٍ أوسطَ"، بعد أن سُمِّيتْ بغيرِ اسمِها العربيِّ الإسلاميِّ لِيتبوأَ فيها هذا الكيانُ موقعَ الريادةِ في معايير "التقدم والديمقراطية" ومركزَ السيادَةِ في صُنعِ القرار!.

ولا يَتأتّى ذلك إلا بالترويجِ لِخطَرِ مشروعٍ بديلٍ يُلبَسُ ثوبَ تهمةِ المُجرمِ الحقيقيِّ لصرفِ الأنظارِ عنه وتحويلِها إلى وِجهةٍ أخرى.

من الناحيةِ الموضوعيةِ فإننا نعترفُ بأن ثمّةَ خطراً قد باتَ يُهددُ أطرافَ الترويج لهذه المقولةِ، لكنه ليس خطراً مذهبياً يُهدِّدُ أهلَ السُنّة ولا خطراً على مصالحِ الأمّةِ، بل هو خطرٌ على المشروعِ الإسرائيليِّ وعلى النظام الرسميِّ العربيِّ اللَذَيْنِ باتا يُشكِّلانِ شراكةً إستراتيجية لتعاونٍ إقليميٍّ ينفردُ فيه الكيان الإسرائيليُّ بإدارةِ شؤونِ هذا الإقليمِ الجديد.

وهذا الخطرُ الواقعُ عليهم ناجمٌ عن التأثيرِ العامِّ للموقفِ السياسيِّ المُعلَن الذي تتبناهُ دولةُ المركز في إيرانَ، وهي المُمَثِـّلةُ بواقع الحال لِجُلِّ طائفةِ الشيعةِ في المِنطَقة. هذا الموقفُ هو المُتَمَثِّلُ في مُعْلَناتِها السياسيةِ الصريحةِ في قضايا الأمّةِ، وعلى وجهِ الخصوصِ في قضيةِ الصراعِ معَ المشروع الصهيونيِّ الغربيّ، وفي موقفها من شرعيةِ وجود كيان الاغتصاب على وجهٍ أخصّ.

هذا الموقفُ الذي تتبناهُ إيرانُ هو ما افتقَرَ إليه الخطابُ السياسيُّ الذي تُعلنهُ وتتبنّاهُ حكوماتُ الدولِ التي يُفترَضُ أنها تُمثِّـلُ طائفةَ السُنّة، فكان خطابُ إيرانَ هو الأقرَبَ بعمومِه إلى وجدانِ وتطلعاتِ الجمهورِ العربيِّ السُنّي بغَضِّ النظرِ عن خلفية المرجعيةِ الدينيةِ لتلك الدولة.

ويكمُنُ الخطرُ كذلك على النظامِ العربيِّ وعلى المشروع الإسرائيلي في المواقفِ السياسيةِ والإنجازاتِ العسكريةِ التي حققتْها تنظيماتٌ شيعيةٌ على مدى عقودٍ في ميدانِ الصراعِ معَ العَدُوِّ الصهيونيِّ وعلى رأسِها الهزائمُ المتتاليةُ التي ألحقَها حزبُ الله، الشيعيُّ، بجيش دولةِ الاغتصابِ مُتَوَّجاً بالنصرِ المشهودِ في حربِ يوليو/تمّوز عام 2006.

هذه المواقفُ للدولةِ المركزيةِ للمذهبِ الشيعيِّ والتنظيماتِ المحسوبةِ عليها قدمتْ لجمهور الأمّةِ ما لمْ تُقدمْهُ دولٌ وأحزابٌ وحركاتٌ محسوبةٌ على أهل السُنّة، بل إنَّ حركةَ المقاومةِ الفلسطينيةِ في الداخلِ، والتي تُشكِّلُ خطَّ الدفاعِ المُتَقَدِّمَ عن وجودِ الأمّة، مُتَّهَمَةٌ على الصعيدِ الرسميِّ والدوليِّ بأنها تتغذّى من شريانِ الدعمِ الإيرانيِّ لها، وهو الاتهامُ الذي يُعطي مزيداً من التأييدِ الجماهيريِّ لإيرانَ ويُسَجِّلُ قيمةً مُضافةً لأسهُمِ المشروعِ الإيرانيِّ على حسابِ المشروعِ العربيِّ الرسميِّ مُنِحَتْ بواسطة هذا الأخير.

ومقابلَ هذه المواقفِ والإنجازاتِ نرى أمثلةً مُحبِطَةً لمواقِفَ سُنّيةٍ حزبيةٍ وتنظيميةٍ فضلاً عن الرسمية، مع تأكيدنا أنها لا تُمثلُ جمهورَ السُنّة تماماً، كما أن واقعَ فصائلَ شيعيةٍ لا يُمثِّلُ جمهورَ طائفةِ الشيعةِ كُلَّهُ، فإنَّ لكل فريقٍ نقيضاً له من أهلِهِ كما يُقرأُ في سطور الخارطة السياسية.. مقابلَ ذلك شاهدنا مواقفَ أحزابٍ سُنّيةٍ في العراق ساهمتْ في تكريسِ الاحتلالِ الأميركيِّ وتنفيذ برامجهِ تحتَِ تسمية "المشاركةِ في العمليةِ السياسيةِ" مُمَثلةً لطائفةِ السُنّة، كما شاهدنا مواقفَ أُخرى سُنّيةً في سوريا تحالفت مع المشروع الأميركي بحُجّةِ مقاومةِ النظامِ الديكتاتوري القمعيِّ، ذلك قبلَ أن تُعيدَ حساباتِها وقبلَ أن تَهُبَّ رياحُ التغييرِ في الدبلوماسيةِِ الأميركية معَ دُوَل المِنطقةِ مُؤخَّراً!.

أما حُلُمُ تقسيم العراقِ، الهدفِ الكبيرِ للمخططِ الصهيونيِّ، فمَن ذا الذي تَوَلّى كِبْرَهُ منهم إلا أهلُ الشمال العراقيِّ ممن يَنتسبون إلى السُنَّة؟ أمّا عن المواقفِ الرسميةِ العربيّة، وهي السُنّيةُ بالطبع، فطبيعةُ العلاقةِ محسومةٌ سَلفاً مع الجماهيرِ عبرَ العُقود المُنصَرِمة.

أمامَ هذا المشهدِ لا يتوقعُ أحدٌ إلا أن ينحازَ جمهورُ الأمّة إلى جانب الفريقِ الذي يُعلنُ مجابهتَه لأعداء الأمّة، وإلا أنْ ينحازَ إلى جانبِ الذين قاوموا دولةَ الاغتصابِ والاحتلالِ وألحقوا بها الهزائمَ التي غيّرتْ موازينَ القوى في المنطقة بِغَضِّ النظرِ عن الانتماءِ المذهَبيِّ أو العِرقيِّ لِهؤلاء. وهذا الانحيازُ على كلِّ حالٍ هو الموقفُ الصحيحُ الذي لا يُقبلُ سواه تحت أي ذَريعة.

أما الفريقُ المتحالِفُ مع العدوِّ فلم تُعجبْه هذه النتائجُ التي جاءت داعمةً لمشروع المقاومةِ رافعةً لأسهم أصحابِها خافضةً لأسهم رافضيها، وأخذوا يفسرونها بأنها الآثارُ الخطيرةُ للمدِّ الشيعيِّ الإيرانيِّ من البُعد المذهبيِّ أحياناً ومن بُعدِ سياسةِ التوسُّعِ الإقليميِّ أحياناً أخرى، وأخذوا يروِّجون لمقولةِ "خطرِ المدِّ الشيعيِّ" على مناطقِ أهلِ السُنّةِ ومذهبِِهم مُحَفِّزين بهذه التسميةِ الحساسياتِ الدينيةَ الطائفيةَ لاستنفارِ أهلِ السُنّة "للدفاع" عن مذهبهم من "الخطر" الماثلِ، معَ علمِهم بأنَّ هذه النتائجَ إنما جاءت تأييداً للمواقفِ والإنجازاتِ التي افتقرتْ إليها سياساتُهم، ولم تأتِ إعجاباً أو تأثُّراً بتعاليمِ مذهبٍ شيعيٍّ أو غيرِه، ولكنهم استثمروا هذه الظاهرةَ الجماهيريةَ لِيخلِطوا الأوراقَ ولِيُحوِّلوا الأنظارَ عن خطرِ المشروع الصهيونيِّ إلى خطرٍ آخَرَ يدَّعونهُ، فكان الترويجُ لمقولةِ "الخطرِ الشيعيِّ الإيرانيِّ" ولأولويَّة الاستنفارِ للتصدي له.

وفي هذا السياقِ ومن أجلِ قراءةٍ أشدَّ دِقةً وأكثرَ إنصافاً للمشهد الذي باتَ مُعقَّداً، لا بدَّ لنا من رَصْدِ مواقفَ وأدوارٍ لطائفةٍ من نفس هذا الفريقِ الشيعيِّ كانت هي الأبلغَ آثاراً وصَمَتْ أصحابَها ممن ساهموا في تكريسِ الاحتلالِ وديمومةِ وجودِهِ ومَهَّدوا لتقسيمِ الدولةِ العراقيةِ واستنفروا لمقاومةِ المقاوَمة، فضلاً عن إسهامِهم في إذكاءِ نارِ الفتنةِ وممارسةِ القتلِ الطائفيِّ المُنَظَّم.

جاءَ ذلك انسجاماً معَ أغراضِ المشروع الصهيونيِّ الذي استنفرَ هذه العصاباتِ مُستثمِراً الحساسياتِ الطائفيَّةَ حتى تَولّى سُفَهاءُ هذا الفريقِ زِمامَ القِيادِ من عُقَلائِهِ ليَصِلَ الأمرُ في هذا البلدِ إلى ما وصلَ إليهِ، في مَشهدٍ بَرَزَ على الضدِّ والنقيضِ تماماً من مواقفِ طائفةٍ أخرى من نفسِ هذا الفريقِ الشيعيِّ وَطَّدَتْ مشروعَها لِمقاوَمةِ المشروعِ الصُهيونيِّ خياراً مُعْلَنا.

هذا التشاكُلُ الّذي توحي به قراءَةُ المشهدِ يُبَيِّن أنَّ الوقائِعَ على الأرضِ تقول إنَّ "السُنَّةَ" ليسوا واحداً كما "الشيعة" ليسوا سواءً في الموقفِ السياسيِّ والتعامُلِ معَ قضايا الأمّة، ويَنْبَني على ذلك أنَّ الدعوةَ المقبولةَ هي التي ترفضُ التقسيمَ الطائِفيَّ وكذلك العِرْقِيَّ مِعياراً ووَصْفاً، بل تَتَبنّى الموقفَ من قضايا الصراعِ بين المشروع الحضاريِّ للأمةِ ومشاريعِ أعدائِها ميزاناً وحَكَماً فَصْلا.

ومن أشدِّ الخطرِ في المشهدِ الراهنِ اعتقادُ البعضِ أن الخطرَ الحقيقيَّ الذي يجبُ أن يُقاوَمَ يقعُ في اتجاهٍ آخرَ غيرِ اتجاهِ المشروع الصهيونيّ أو أنَّ خطراً ما يتقدمُ على خطرِ ذلك المشروعِ، وأشدُّ منه خطراً أن يتوهَّمَ البعضُ أن مصالحَنا، أهلَ السُنّة، قد تقاطعتْ مع مَصالح الغربِ و"إسرائيل" في مقاومةِ "الخطر الشيعيّ والإيرانيّ" كَي نَصْطَفَّ معهم لمقاومتِهِ وننتهيَ بذلك إلى خدمةِ مصالحِ أعداءِ الأمّةِ من خلال عمليةِ توظيفٍ ذكيةٍ دونَ وعيٍ منّا أو إدراك.

بالنسبة للمشروع الصهيونيِّ وكيانِه المُتمثلِ في "إسرائيل" فإن الخطرَ الذي يجري الحديثُ عنه إنما يَتَمَثلُ في الحساباتِ الإسرائيلية التي توجِسُ خيفةً من قيامِ مشروعِ دولةٍ قويةٍ مستقلةٍ يمكنُ لها أن تنافِسَ الوجودَ الإسرائيليَّ في المِنطَقة.

ومِن ذلك مشروعُ بناءِ هذه الدولةِ في إيرانَ بما يَرى الإسرائيليون أنه يُشكِّلُ خطراً على كِيانِهم، فباتوا يُقنِعون الحكوماتِ العربيةَ بخطرِ المشروعِ الإيرانيِّ على نظامِهم من البُعدِ القوميِّ والسياسيِّ بل والعسكريِّ، ويُروّجون في أوساط السُنّةِ لخطرِه على مذهبِهم من البُعدِ الدينيِّ الطائفِيِّ.

لكنَّ السؤالَ المنطقيَّ: متى كانت دولُ الغربِ وحكوماتُ النظامِ العربيِّ غيورةً على السُنّة وأهل السُنّة، ومتى كانت تخشى على مذهبِ السُنَّةِ وهي التي لم تكن أبداً معنيةً بمَدٍّ شيعيٍّ ولا إسماعيليٍّ ولا بهائيٍّ أو قاديانيٍّ ولا غيرِ ذلك ما دام هذا المذهبُ أو ذاك ينسجمُ مع مخططاتها ولا يُهدِّدُ مصالحَها.

ولكي يتعززَ مفهومُ الخطرِ الشيعيِّ والإيرانيِّ فقد أخذ المُرَوِّجون لهذه المقولةِ بالتشكيك في حقيقةِ المواقف الإيرانيةِ المُعْلَنةِ تجاهَ العِداءِ مع الكيانِ الإسرائيليِّ وفي موضوعِ علاقةِ إيرانَ معَ الغربِ والولايات المتحدةِ على وجه الخصوص، وأخذوا يفسرون هذا المشهدَ على أنه ضربٌ من المناوَراتِ السياسيةِ الخادعةِ للجماهير، إذ حقيقةُ الأمر، كما يقولون، أن إيرانَ والولاياتِ المتحدةَ و"إسرائيل" متفقون على سياسةِ تقاسمِ النفوذِ والمصالحِ على حسابِ شعوب المِنطقةِ، ولا خطرَ من أيٍّ من هذه الأطرافِ على الآخر، كلُّ ذلك في إطار نظريةِ المؤامرةِ التي باتَ البعضُ يُـردِّدُها.

لن نذهبَ بعيداً في محاولةِ فهمِ أو تفسيرِ حالةِ العِداء بين إيرانَ والكيانِ الإسرائيلي التي يتوهمُ البعضُ كَذِبَها ويشككُ في حقيقتها، إذ يكفي أن نعلمَ أنَّ مجالَ الأمنِ القوميِّ لـ"إسرائيل" يمتدُّ آلافَ الأميالِ لِيصلَ إلى حدود دولتي الهندِ والصينِ، بمعنى أن إيرانَ تقعُ ضمنَ هذا الإطار الأمنيِّ الذي ينبغي أن تكونَ مناطِقُهُ بالضرورة مناطِقَ نفوذٍ للمشروع الصهيونيِّ الكبير، تكونُ فيها لـ"إسرائيلَ" الهيمنةُ والتفوُّقُ باعتبارها الدولةَ العُظمى الوحيدةَ في هذه الرقعةِ الواسعةِ الممتدةِ إلى الشرق والجنوبِ الآسيوي فضلاً عن ساحةِ نفوذِها في القارّةِ الأفريقية.

وفقَ هذا المُخططِ هناك دولةٌ قويةٌ واحدةٌ في مناطقِ النفوذِ هذه التي تُشكّلُ مجالَ الأمنِ القوميِّ "الإسرائيلي"، وبحسبِ هذا المخططِ، الذي تتبناهُ وتدعمُهُ دولُ الغرب، لا يُسمَحُ لأي دولةٍ بأي شكلٍ من أشكال التفوُّق على "إسرائيل" لا عسكرياً وسياسياً ولا اقتصادياً وتجارياً.

ويبدو ذلك واضحاً في التطوراتِ السياسيةِ والعسكريةِ في هذهِ المِنطقةِ من العالم في العقود الأخيرة، إذ يمكنُ ملاحظةُ سرعةِ وقوةِ الاستيعابِ الإسرائيلي السياسيِّ والتجاريِّ بل والعسكريِّ لمجموعةِ دول آسيا الوسطى المُسماةِ بالمستقلةِ في فترة ما بعدَ انهيار الاتحاد السوفياتي.

كما بدا هذا واضحاً في عدم السماحِ من قِبل الدولِ الغربيةِ بقيام دولةٍ قويةٍ في العراق قد تكون مؤهَّلةً لتهديدِ كيانِ "إسرائيل"، فكان تفكيكُ دولةِ العراق يقعُ في إطارِ مفهومِ "الأمنِ القوميِّ الإسرائيلي".

وكذلك، وفي إطارِ مفهومِ هذا الأمنِ والتفرُّدِ بالنفوذِ الإسرائيلي بادرتْ الدولُ الداعمةُ للمشروعِ الصهيونيِّ بالعملِ على تحييدِ الدولةِ العربيةِ الكبرى التي كانت تُشكلُ عمادَ الأمنِ القوميِّ العربيّ، فعمدوا إلى تفريغِ الدولةِ المصريّةِ من محتواها المؤهلِ للتفوُّقِ على الكيانِ الإسرائيلي وإمكانيةِ تهديدِه وتشكيلِ خطرٍ عليه، وذلك بتقييدِها بقيودِ معاهدة "كامب ديفد" التي تُعتَبَرُ الضربةَ الأولى والأقوى للأمنِ العربيِّ بعدَ قيامِ كيانِ "إسرائيل" على أرضِ فلسطين.

وما نراه اليومَ من الحضورِ الصهيونيِّ في شمالِ العراق، وما رأيناه سابقاً من طولِ اليد العسكريةِ الإسرائيليةِ في شمالِ شرقِ سوريا، كما في شرقِ السودانِ وغرْبِهِ بل وفي أقصى جنوب الوطنِ العربيِّ بباب المندبِ وخليجِ عَدَن، ليس إلا صورة من صُوَرِ إحكامِ السيطرةِ والتفَوُّقِ المُطلَقِ لـ"إسرائيل" في مناطقِ النفوذِ التي رسَمَها المخططُ الصهيونيّ.

وإيرانُ اليومَ تقعُ في دائرةِ النفوذِ هذه، لكنها مشروعُ دولةٍ ذاتِ سيادةٍ، وهي دولةٌ مركزيةٌ واحدةٌ تُُمَثلُ أُمّةً لها جذورٌ وتاريخٌ، وهي الدولةُ التي ترعى وجودَ ومصالحَ هذه الأمّة، كما أنها دولةٌ مركزيةٌ تُمثلُ طائفةً دينيةً واسعةً في داخل حدودِها وخارجَها، وليس من دولةٍ سواها ترعى مصالحَ هذه الطائفةِ، فهي إذن الدولة الواحدةُ التي تتحملُ المسؤوليةَ التاريخيةَ والحضاريةَ لرعاياها وأتباعِها المنتمين إليها، وهذه الحقائقُ ميَّزتْ إيرانَ عن الواقعِ العربيِّ المُشَرْذَمِ الذي أوْصلَ الأمَّةَ عرباً وسنةً إلى حالةٍ من "اليُتْم" تفتقدُ جهةَ الرعايةِ والمسؤوليةِ تجاهَها، ونظن أنّ إيرانَ بذلك تعرفُ أهدافَها وتحدِّدُها، كما تعرفُ أين تقعُ مصالِحُها، وتُعيِّنُ مصادرَ الأخطارِ المهددةِ لها.

وإيرانُ بهذه الرؤى تُدركُ أن المخططَ الصهيوني قد وضعَ حدودَها ضمنَ مناطقِ نفوذِ دولةِ الكيانِ "الإسرائيلي" وحدودِ أمنِه القوميِّ، بمعنى أنَّ "إسرائيل" في إستراتيجيتها تعتبرُ أنَّ "إيران" قويةً ذاتَ شَوْكةٍ أمرٌ غيرُ مسموحٍ به، فهل تقبلُ إيرانُ "الدولةُ" بهذا الاعتبار؟

لكنَّ إيران ليست وحدَها واقعةً تحتَ هذا الاعتبار من الدولِ النائيةِ عن جِوار الكيان الإسرائيلي، فهناك جارتُها باكستان التي تملكُ وفقَ الدوائر الصهيونيةِ والغربيةِ "القنبلةَ الإسلاميةَ" مَلَكتْها في غفلةٍ من زمن الضباب في الأوضاع الدوليةِ، وها هم يتعاملون معَ هذه الدولة الإسلامية بحسابات دقيقةٍ كي ينتهيَ المشهدُ بتقليمِ أظافرِها النوويةِ "حمايةً للأمنِ والسلامِ الدوليّين" من احتمال وقوعِ هذا السلاحِ بأيدي الجماعاتِ الإرهابيةِ.. وللمهتمين أن يتابِعوا التفاصيلَ في المشهدِ الباكستانيِّ المباشر!

مِن هنا وبإدراكِ إيرانَ للخطرِ الواقعِ عليها مِن قِبل الكيانِ الإسرائيلي يتأكدُ العِداءُ الحقيقيُّ كما تُعلِنُهُ المواقِفُ السياسيةُ لإيرانَ إزاءَ مشروعِ الكيانِ الإسرائيلي.

وبإضافةِ البُعدِ الدينيِّ للموقف الإيراني، وهو ما لا يمكنُ تبريرُ إنكارِهِ عليهم، يتعَزَّرُ موقفُ العِداءِ والصراعِ ما بين المشروع الإيرانيِّ والمشروعِ الصهيونيِّ والقوى الداعِمةِ له.

ومرةً أخرى، وفْقَ هذه الرؤى، هل نتوقعُ أن تُقابِلَ دولةُ إيرانَ هذا الخطرَ الإسرائيليَّ بـ"خيارِ سلامِ إستراتيجيٍّ" من طرفٍ واحد؟

ليس يعنينا أن نتتبعَ أين تقعُ مصالحُ إيرانَ أو مِن أينَ تهددُها الأخطار، فإيرانُ أدرى بمصالِحِها، لكنْ يعنينا فَهمُ أسبابِ عِداءِ إيرانَ للمشروع الصهيوني، أو نقول عداء المشروعِ الصهيونيِّ لإيرانَ، فهي نفسُ أسبابنا، وإن كنّا تَقَدَّمْنا عليهم تاريخياً وجغرافياً في معركةِ المواجَهة، ثمَّ يعنينا من منظورِ أمنِنا القوميِّ أنْ نَعِيَ كيف نتعاملُ مع واقعِ الأخطار المُحدِقةِ بنا وفقَ رُؤيةٍ واحدةٍ وهيَ أين تقعُ مصالِحُنا.

وإيرانُ كما نشاهِدُ تـُقَدِّمُ أنموذجاً في بناءِ القدراتِ الذاتيةِ للدولةِ المستقلةِ في مجالاتِ البُنْيةِ السياسيةِ وفي الاقتصادِ والصناعةِ الحربيةِ والتسلُّحِ وذلك بالاعتمادِ على الذاتِ والتعاونِ المتكافئ مع الأصدقاء، وعلى استثمار العلاقاتِ والأوضاعِ الدوليةِ لصالِحها، وتُديرُ هذه الملفاتِ بحنكةٍ ودِرايةٍ وبإصرارٍ وثباتٍ ودونَما خضوعٍ لإملاءات، وبالرغمِ من أنهم يدفعون ثمناً لذلكَ من المواقفِ الدوليةِ المعاديةِ والعقوباتِ الاقتصاديةِ ومحاولاتِ الاختراقِ الداخليةِ ثم التهديداتِ العسكريةِ، فإنَّ ذلك كلَّهُ لم يثْنِهِمْ عن المُضِيِّ في برامجِهم وفقَ رؤيتِهم المُستقلة.

نستعرضُ هذا المشهدَ لا لِنُسَوِّقَ مشروعَهم، لكننا نرى أنَّ إيرانَ تَصلُحُ وفقَ هذه الرؤية لأن تكونَ أُسوةً لدُوَلِ النظامِ العربيِّ، بل نذهبُ إلى أبعدَ من ذلك، إلى مطالبةِ العربِ بتوظيفِ الموقف الإيرانيِّ لصالِحِ التصدي للمشروعِ الإسرائيليِّ المدعومِ أميركياً في المِنطقةِ مستفيدين من نقاطِ التشارُكِ في مصالحِنا وأهدافِنا إزاءَ قضايانا المشتركةِ بدلاً من الوقوعِ في مصيدةِ معاداةِ إيرانَ بحُجةِ خطرِ المدِّ الشيعي، وهو الأمرُ الذي ينتهي إلى خدمةِ أغراضِ المشروعِ الصهيونيّ.

وفي سياقِ خدمةِ أهدافِ المشروعِ الصهيونيِّ ينبغي ألا يغيبَ عن النظرِ أنَّ من أخطرِ النتائجِ التي يؤدّي إليها التمادي في ترويجِ مقولةِ الخطر الشيعي وأولويَّةِ الاستنفارِ للتصدي لهُ تأجيجَ نارِ الفتنةِ الطائفيةِ وتَحَوُّلَ أبناءِ الأمّةِ الواحدةِ إلى دُعاةِ فُرقَةٍ وموقدي حَربٍ، وانصرافَهم عن المعركةِ الحقيقيةِ للأمّةِ أمامَ أعدائها الحقيقيين إلى معركةٍ داخليةٍ قد حَسَمَتْ تجارِبُ التاريخِ نتائِجَها بالخسارةِ المشتركةِ لجميعِ أطرافِها.

فهناك مُغْرِضونَ مِن كِلا الطائفتينِ لهمْ أهدافُهم وأغراضُهم، يَتَبَنوْنَ الدعوةَ التكفيريَّةَ بدعوى كشفِ حقيقةِ المذهبِ الآخَرِ وبيانِ بُطلانِهِ لإذكاءِ نارِ الحقدِ والكراهيةِ وصولاً إلى غايتِهم بجَرِّ الأمّةِ إلى الفتنةِ والاقتتالِ، وقد برزتْ وسائلُ إعلامٍ ومراكزُ دراساتٍ تتبنّى هذه المخططاتِ وتُروِّجُ لها، ولو أننا أحْسَنّا الظنَّ بصدقِ نوايا هؤلاءِ و"اتهمناهم" بموضوعيةِ البحثِ والدراسةِ لتَساءَلْنا عن غيابِ الكلامِ في أحاديثِهم وحَصادِ أقلامِهم عن الأخطارِ التي تهددُ الأمّةَ من قِبَلِ المشروع الإسرائيليِّ التوسُّعِيِّ الذي يَطالُهم ويَطالُنا جميعاً، ولتساءَلْنا أين تقعُ الخلافاتُ المذهبيةُ في سُلَّمِ أولويّاتِ قضايا الأمةِ الكبرى، ثُمَّ تساءَلْنا عن هذا التوافُقِِ وهذا التناغُمِ العجيبينِ بين دعوةِ هؤلاءِ وما تُرَوِّجُ لهُ دوائرُ العَدُوِّ وتتبنّاهُ دوائِرُ النظامِ الرسميِّ العربيّ.

وجديرٌ بأهل الرأي وأصحاب القرار من الفريقين أن يَعُوا الدرس ويقطعوا الطريق على المتربصين من خارجِ هذه الأمةِ ومن داخلِها ممن لا يرقُبون فيها إلّاً ولا ذِمَّةً.

وعجباً إن كنا نغضُّ الطرفَ عن كلِّ ما هو حَسَنٌ وإيجابيٌّ في تاريخنا لِنطويَ صفحاتِه الناصعةَ ونأبى إلا أن نستذكرَ الألمَ ونستثمرَ العِلَلَ ونؤسسَ لها في حاضرنا ومستقبل أجيالنا.. كالتي نقضتْ غزلَها!

لكنَّ في الأمّةِ ومِن كِلتا الطائفتينِ عُقَلاءَ وغيورين على مصالِحِها ومُدركينَ للأخطارِ التي تتعرضُ لها، وعليهم ألا يَدَعُوا القِيادَ للسفهاءِ كي يتحكموا في مصائِرِها.

وعلى أصحابِ الفكرِ الإسلاميِّ الواعي أن يُدركوا أنه لا وقتَ للخلافاتِ المذهبيةِ بوجودِ الخطرِ الجاثِمِ من العدوانِ الإسرائيليِّ الشامل والذي يُهدِّدُ الأمّةَ بكافةِ طوائِفِها دون تمييزٍ بين مذهبٍ وآخَرَ، وعليهم أن يُدركوا أنَّ الفتنةَ الطائفية التي تُرادُ هي مطلبٌ للأعداءِ علينا تفويتُ فرصتِه، وأنَّ لِكِلا الفريقين من الخصوم والأعداء ما يشغلهم عن بعضِهم.

وإزاءَ ذلك فإن الموقفَ المسؤولَ يُلزِمُنا بألا تكونَ أفعالُنا ردّاً على أفعالٍ، ورؤيتُنا انعكاساً لِرُؤى الآخَرين، بل تتأسَّسُ مقاصِدُ أفعالِنا ومُكَوِّناتُ خِطابِنا لِتُغطيَ مواقِعَ مَصالِحِ الأمّة، ذلك أدنى ألا نهيئ للفِتنةِ أجواءَها وألا نُؤَسِّسَ لِواقعِ التَحزيبِ الطائِفِيِّ في الأُمَّةِ الواحِدة.

وثَمَّةَ مسألةٌ ينبغي التنبُّهُ لها في سياقِ تحليلِ المشاهدِ والأحداثِ وهي ألا يُؤخَذَ الكُلُّ بجريرةِ البعضِ، فهناك من الطرفينِ مَنْ سُـئِلوا الفِتنةَ فَآتَوْها وما تَلَبثوا، لكنَّ هناك مَنْ أَباها وانصرَفَ بمشروعِهِ إلى هُمومِ الأمَّةِ ونُصْرَةِ قضاياها، فالكلمةُ الفَصلُ هي للمواقفِ من قضايا الأمّةِ، ففيها الانتِماءُ الحقيقيُّ، وأيُّ انتماءٍ يخرُجُ عن إطار مشروعِِ الأمةِ الواحدةِ مذهبياً كان أم عِرقياً أم قُطرياً فإنما هو ادعاءٌ زائفٌ باطل.

وماذا يُرادُ بَعْدُ من ترويجِ هذه المَقولةِ؟

قبلَ زُهاءِ ثلاثةِ عقودٍ في القرن الماضي وفي إثرِ غزوِ الاتحادِ السوفياتيِّ لأراضي أفغانستانَ، وبعدَ فترةٍ من التريُّثِ والتشاورِ بينَ أنظمةِ بعضِ الدولِ الإسلاميةِ ودوائرِ الاستخباراتِ الغربيةِ انطلقت بشكلٍ مفاجئ وبضوءٍ أخضرَ حملةٌ واسعةٌ في جميعِ أنحاءِ العالمِ الإسلاميِّ لتأديةِ فريضةِ "الجهاد" لقتال "العدوِّ الشيوعي" الذي احتلَّ "أرضَ المسلمين".

وقد تميّزتْ هذه الحملةُ بشكلٍ لافتٍ بدعمٍ قويٍ عالميٍّ وعربيٍّ إسلاميٍّ تَواصَلَ فيه تقديمُ المالِ والسلاحِ والتدريبِ والتسهيلاتِ المتعددةِ لفِرَقِ ومجموعاتِ المجاهدين الذين توافدوا من كلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ ومن كلِّ قُطْرٍ إسلاميٍّ وأجنبيٍّ إلى أرضِ "الجهاد"ِ في أفغانستان، واللافِتُ أنَّ مِنْ قادةَ العملِ الإسلاميِّ يومَئذٍ أحزاباً وتنظيماتٍ مَنْ كانوا يُنَظِّّرون بأنَّ مصالحَ العملِ الإسلاميِّ قد تقاطَعتْ في هذا الشأنِ معَ مصالحِ الغربِ مُمَثَّـلاً بالدولةِ الأميركية، بمعنى أنَّ الإسلامَ والغربَ قد التقيا على هدفٍ واحدٍ مشترَكٍ هو تحريرُ الدولةِ الإسلاميةِ أفغانستانَ وهزيمةُ دولةِ السوفيات وإنهاءُ دَورِها في المِنطقة.

وانتهت المهمةُ بعدَ أن أبلينا فيها بلاءً حسناً، وبغضِّ النظرِ عن النتائجِ الميدانيةِ المأساويةِ التي شاهدناها على الأرضِ بعدَ انتهاءِ الحرب، فقد آتت الحربُ ثمارَها وتحقَّقَ "الهدفُ الإستراتيجيُّ" للحركات الإسلاميةِ وهو انهيارُ المعسكر الاشتراكيِِّ بقيادةِ الاتحاد السوفياتي "العدُو الشيوعي"، وتحقَّقَ الهدفُ المشتَرك!

وبعدَ عِقدينِ آخرينِ من الزمانِ ما زالَ السؤالُ الأبرزُ في محاولةِ فَهمِ الأحداث: هل كان زوالُ القوةِ المتمثلةِ في المعسكرِ الشرقيِّ والمقابلةِ لقوى المعسكرِ الغربيِّ مصلحةً إستراتيجية إسلاميةً أو عربية؟، فضلاً عن السؤالِ الأكثرِ إلحاحاً: هل كانت جبهةُ أفغانستانَ هي الجبهةَ الأَوْلى لهذا الاستنفارِ والحشدِ من أجلِ إتمامِ فريضةِ الجهاد؟

فالواقعُ الذي تمثَّل في صورة العالَمِ المحكومِ بقوةِ القُطبِ الواحدِ، وما جَرَّه هذا التحوّلُ علينا نحن العربَ والمسلمين خاصّةً، يُجيبُ بوضوحٍ على هذه الأسئلة.

أما أولئك المجاهدون الذين أخلصوا للهدفِ المشترَكِ والذين سُمّوا بـ"العرب الأفغان" ممن لم ينـالوا شرفَ الاستشهادِ فـهُم الذين أصبحوا فيما بعدُ نُزلاءَ "غوانتانامو" بعد أن اكتَشَفَ حلفاؤُهم في العمليةِ أنَّ هؤلاءِ إنما هم "إرهابيون" بل هم خطرٌ على الأمنِ والسلامِ الدوليّيْن وعلى الاستقرار بينَ دُوَلِ وشعوبِ العالَم..!

لقد كانت عمليةَ توظيفٍ بارعةً للقوى الإسلاميةِ من قِبَلِ أجهزة الاستخباراتِ الأميركيةِ تحتَ شعار "تقاطُع المصالح" جرى خلالَها تنفيذُ مخططاتٍ لم نكنْ بمستوى إدراكِها سواء من جهةِ توظيفِنا لأداءِ مهمةٍ تتعلقُ بالصراعِ بين المعسكرين، أو من جهةِ استقطابِ القوى الإسلاميةِ الفاعلةِ وكشفِ أوراقِها بِإغراء الدعم المقدَّم، أو من جهةِ تحويلِ جبهةِ المعركةِ الأساسيةِ وجرِّها آلافَ الأميالِ بعيداً عن الجبهةِ الحقيقيةِ للجهادِ الواجبِ في أرضِ فلسطين.

وما أشبهَ الليلة بالبارحة!!

اليومَ مرةً أخرى، الجبهةُ ليستْ هنا مع المشروع الإسرائيلي!، إنها هناك قريباً من الجبهة الأولى حيث "تتقاطعُ مصالحُنا" مرةً أخرى مع المشروع الصهيوني في وقفِ زحفِ "العدُوِّ" المتمثلِ في"أطماعِ الدولةِ الإيرانية" في المِنطقة و"المدِّ الشيعيِّ" المسانِدِ لها!  هذا الصوتُ يُرَوَّجُ له في الإعلامِ الإسرائيليِّ والعربيِّ معاً، لكنَّ المؤسِفَ أنهُ تسرَّبَ إلى عقولِ وأذهان طائفةٍ من النُخَبِ والمثقفينَ ومِن أصحابِ الرأيِ، بل ومن نُشطاءِ الدعوةِ والعملِ الإسلامي.

عمليةُ التوظيفِ الجديدةُ هذه تستثمرُ البُعدَ المذهبيَّ المُتمثلَ في الحساسيات الدينيةِ والطائفيةِ بين السُنّةِ والشيعة، وهو استثمارٌ ذكيٌّ غالباً ما يُحققُ نتائجَ باهرة، فالعامِلُ الدينيُّ المُتمثلُ في اختلافِ العقائدِ وفي التناقضاتِ المذهبيةِ التاريخيةِ أشبَهُ بفتيلٍ قابلٍ للاشتعال، وهذا هو المطلوب!

فالسُنّةُ في خطر، وأهلُ السُنّةِ مستَهدَفون! والحكوماتُ والأنظمةُ و"إسرائيل" كذلك غيورون على السُنّة وأهلِها!. فلْيتكلَّمِ الدُعاةُ والوعّاظُ، ولْيَعتلوا المنابرَ لِكشفِ الحقيقةِ وفضحِِ "الرافضة" ولْيُعِدَّ المجاهدون العُدةَ لصَدِّ خطرِ أعداءِ السُنَّة، ولهم كلُّ الدعمِ والتأييدِ والتسهيل، ولكن... في هذا الاتجاه فقط!. أما في الاتجاهِ الآخَرِ فليس من قضيةٍ، والسلامُ القادِمُ كفيلٌ بحمايةِ حقوقِ الأمّةِ وتحقيقِ مصالِحِها.

مرةً أخرى تغيبُ الرؤيةُ، ونفقدُ الاتجاهَ في تحديدِ مصالِحِنا وتعيينِ جهةِ الأخطارِ الواقعةِ علينا وإدراكِ سُلَّمِ الأولويّاتِ في التعاملِ مع القضايا.

وبعدَ أنْ نَفْرَغَ من هذه الحملةِ المباركةِ التي تضافرتْ فيها الشعوبُ والأنظمةُ في صَدِّ "الزحفِ الشيعي الإيرانيِّ" ودحرِه، وقد أبْـلَتْ فيه الحركاتُ الإسلاميَّةُ أحسنَ البلاءِ، بعدَ أنْ تَتِمَّ العمليةُ بنجاحٍ يجري توزيعُ الأوسمةِ والجوائزِ وشهاداتِ التقديرِ على المجاهدينَ، تماماًَ كما جرى في عمليةِ التوظيفِ الأولى!.

وماذا بعد؟

فإنه مهما بلغَ الخلافُ المذهبيُّ بين السُنّةِ والشيعةِ وهما الطائفتانِ الرئيستانِ في الإسلامِ فمِن تَجاوُزِ الحقيقةِ وصفُ هذا الخلافِ بـ"العِداء التاريخي" كما يسوغُ للبعض، وكذلك الحالُ في اختلافِ المصالحِ السياسيةِ بين أقطارِ الإسلام كما الحالُ بين العربِ وجيرانِهم في إيران.

إنَّ تكريسَ الأوصافِ التاريخيةِ بين هذه الأطرافِ وإسقاطَها على الظرفِ الراهنِ واستنساخَها وإحياءَ أسبابِ الخلافِ لِتُسْهِمَ في صناعةِ الحاضرِ والمستقبَلِ، أمرٌ لا يخدمُ الوجودَ المشترَكَ لهذه الأطرافِ من منظورِ انتمائِها إلى الأمةِ الواحدة، هذا الانتماءُ الواحدُ يفرِضُ بالضرورةِ استحقاقاتٍ لا يمكنُ تجاهُـلُها، في مقدمتِها إدراكُ الأخطارِ المشتركةِ التي تهددُ الجميعَ، فضلاً عن المصالحِ التي لا يمكن تحقيقُها إلا في إطار وحدةِ الأمَّة.

إنَّ رفعَ درجةِ الخلافِ المذهبيِّ والتنافسِ السياسيِّ إلى درجةِ العِداءِ يترتبُ عليه في المقابلِ استحقاقاتٌ خطيرةٌ تقودُ إلى حالةِ الاقتتالِ بين دُوَلِ هذه الأطرافِ وإلى الفتنةِ بين طوائِفِها. وفي جميعِ هذه الأحوالِ فإن النتائجَ المؤكَّدةَ هي خسارةُ جميع الأطراف، ولا نظنُّ عاقلاً ينتمي إلى هذه الأمةِ يُصَوِّبُ ما جرى في حربِ السنواتِ الثماني التي خاضَها العراقُ مُمَثِّلاً عن العربِ مع جارتِهِ المسلِمةِ إيرانَ، أو يرغبُ في إعادةِ التجربةِ بِغَضِّ النظرِ عن أسبابِها ودوافِعِها إذا ما وضعْنا نتائِجَها في ميزانِ الأرباحِ والخسائر.

وما يجري اليومَ على الساحةِ اليمنيةِ في قلبِ جزيرةِ العربِ من أحداثٍ خطيرةٍ متسارعةِ لم تتوفرْ لها المبرِّراتُ المنطقيةُ لا يمكنُ تفسيرُه إلأ بأن يكونَ استجابةً من بعضِ الأطرافِ أو من جميعِها إلى نداءِ دعواتٍ من خارجِ الصفِّ المُسلِمِ أو من مُغرضين في داخلِه تنتهي نتائجُها لِصالحِ المشروعِ الاسْتِعْدائِيَّ القُطْرِيِّ على حساب المشروع التصالُحِيِّ لِدولِ الجِوارِ الإسلاميِّ في هذه المِنطقة، هذه الأحداثُ التي قد تتحوَّلُ شرارتُها، إذا ما تمادتْ أطرافُ النزاعِ فيها، لتمتدَّ في المكانِ والزمانِ إلى غيرِ اتجاهٍ معلومٍ بعيداً عن ميدان الصراعِ المُبَرَّرِ مع العدوِّ الحقيقيّ.

حسنٌ أن تتصوَّرَ قيادةُ إيرانَ أن أشياءَ كثيرةً يمكنُ أن تتحققَ للعربِ والمسلمينَ إذا ما تعاونتْ دولتان يفترضُهما التصوُّرُ مِحوَريتين في هذا الإقليم هما مِصرُ وإيرانُ وأنَّ التوافُقَ بينهما من شأنه أن يُلحِقَ الهزيمةَ بـ"إسرائيل" ويضعَ المِنطقةَ كلَّها على أبوابِ عصرٍ جديد.. لكنْ حَسَنٌ أيضاً أن يلتفتَ الطرفُ الآخَرُ العربيُّ إلى هذه المبادرةِ في موقفٍ صريحٍ، وحسنٌ كذلك بالطرفين تأسيسُ هذا المنهج سياسةً بعيدةً ثابتةً، إن لَمْ يَكُنْ من منظورِ الأمةِ الواحدةِ، درءاً لِإشكاليةِ التعريفِ، فمِن منظورِ المصلحةِِ الواحدة، دفعاً للخطرِ المُشتَرَكِ.. قبلَ أن يفوتَ الأوان.

لكنْ مِن عَجَبِ السياسةِ العربيةِ في المشهدِ الراهنِ أن تسعى بعضُ دُوَلها لاستعداءِ مَن يمكنُ أنْ يكونوا أصدقاءَ لها داعمينَ لِقضاياها، في الوقتِ الذي تمنَحُ فيه الوُدَّ لِمَن هم أعداؤُها بالضرورة، والخطيرُ، مرةً أخرى، أنَّ هذا السلوكَ في التفكيرِ أخَذَ يمتدُّ إلى وَعْيِ طائفةٍ من النُخَب وأصحاب الرأي.

هذهِ المذاهِبُ مؤسَّساتٌ فكريةٌ وعَقديَّةٌ تمتدُّ جذورُها إلى عُمقِ التاريخِ الإسلاميّ، وقد كانت دائماً حاضرةً في مشاهدِ أحداثِهِ، وهي اليومَ واقعٌ قائِمٌ لا يمكنُ إنكارُه بِغَضِّ النظرِ عن عُمْقِ الاختلافِ فيما بينَ أصولِ هذهِ المذاهبِ والتبايُنِ في مدارِسِها.

وأما تَعَدُّدُ الشعوبِ والأعراقِ، وهي التي جمعَتْها القومِيَّةُ الإسلامِيَّةُ عبرَ تاريخِنا، وبالرغم مما شابَ هذا التعدُّدَ من عصبياتٍ عِرقيةٍ ودعواتٍ شعوبيةٍ أسهمتْ سلباً في بعض جوانب المشهد التاريخي، فإنه كان العلامَةَ المُمَيِّزَةَ للحضارةِ الإسلاميَّةِ التي كانتْ إنجازاتُها نِتاجَ التعدديَّةِ والسَعَةِ لا يُنكـَرُ فيها عطاءُ شعبٍ من شعوبِها كما لا يُتَجاوَزُ عن إسهامِ مذهبٍ من مذاهِبِها، يتعاضَدُ ذلك كلُّه في ظِلِّ انتِماءٍ إسلاميٍّ واحدٍ لا يَنْفَرِدُ بادِّعائِهِ طَرَفٌ دونَ طَرَف.

وإذْ لا يُتَصَوَّرُ أنْ يُقْصِيَ مَذهَبٌ مَذهَباً أو أنْ يَسْـتأصِلَ قومٌ قَوْماً، فهو الحِوارُ إذن، والحِوارُ من أجلِ التَقارُبِ لبِناءِ العلاقاتِ والسياساتِ على قواعِدِ المُشْتَرَكاتِ المُتَوفرةِ والمُمكنةِ، لا أن تكونَ أوْجُهُ الخلافِ هي التي تُقرِّرُ طبيعةَ العلاقةِ وترسمُ مَسارَ ال