خبر حراك دولي لإنقاذ عباس واستئناف المفاوضات .. ياسر الزعاترة

الساعة 11:08 ص|07 ديسمبر 2009

بقلم: ياسر الزعاترة

لا مجال لتفسير كل هذا النشاط الدبلوماسي المتعلق بالملف الفلسطيني دوليا وعربيا ، بغير مساعي إنزال الرئيس الفلسطيني ، ومعه الخط السياسي الذي يتبناه عن الشجرة التي صعدوا إليها مكرهين عندما ساروا خلف قرار أوباما عدم استئناف المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان ، فكانت المفاجأة ممثلة في تراجع الرجل تحت وطأة الضغط الصهيوني ، بينما لم يكن بوسع من تبعوا خطاه أن يفعلوا ذات الشيء بعد فضيحة غولدستون ، وفي ظل وجود خصم سياسي ومعه فصائل وجماهير متحفزة لمراقبة كل شيء.

حار القوم في كيفية التعاطي مع التعنت الإسرائيلي في ملف الاستيطان ، لاسيما بعد أن أعلنوا على الملأ أن 18 عاما من المفاوضات لم تصل بالشعب الفلسطيني إلى الدولة العتيدة المأمولة (هي منتهى الطموح بالنسبة إليهم وليس بالنسبة لغالبية الشعب الذي يراها دون الحد الأدنى) ، فمرة تحدثوا عن خيار الدولة الواحدة ، وأخرى عن حل السلطة ، ثم مارسوا الحرد السياسي بإعلان الرئيس عدم نيته الترشح للانتخابات الرئاسية ، من دون أن يذكر شيئا بخصوص مناصبه الأخرى ، ولا مصير برنامج الحركة التي أصبح قائدها العام عبر مؤتمر رعاه الإسرائيليون أنفسهم ، وبعد ذلك طرحوا مشروع الذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بشأن حدود الدولة العتيدة ، ثم ها إنهم يرحبون كظمآن يلوح له الماء ، بمشروع القرار السويدي الذي سيعرض على الاتحاد الأوروبي بشأن الممارسات الإسرائيلية في القدس الشرقية والاعتراف بها كعاصمة للدولة الفلسطينية (هناك عدد من القرارات الدولية التي تحدد حدود الدولة وتعترف بالقدس الشرقية عاصمة لها؟،).

كل ذلك من أجل ألاّ يذهب الشعب الفلسطيني نحو الخيار الآخر ، خيار المقاومة ، لاسيما أنهم يعرفون أن موافقة محمود عباس على هذا الخيار ستحل مشكلة الانقسام في وقت قياسي ، بينما تحشر الكيان الصهيوني في الزاوية وتعيد القضية إلى مربعها الأصيل ، بوصفها قضية شعب يحارب ضد الاحتلال ، وليس شعبا أو شبه دولة تعيش نزاعا حدوديا مع دولة جارة كما تكرس بعد أوسلو ، ومن ثم خريطة الطريق وأنابوليس ومشروع دولة الأمر الواقع التي يديرها سلام فياض.

هذا الوضع الاستثنائي هو الذي دفع الإسرائيليين للمرة الأولى إلى تقديم المبادرات ، بدل تلقيها من العرب والإسرائيليين ، كما هو حال مبادرة بيريز وباراك ومبادرة شاؤول موفاز ، والتي تدور في إطار الواقع القائم على الأرض ، والذي يرعاه الجنرال دايتون أمنيا وتوني بلير اقتصاديا.

اليوم ثمة احتفال بالتوجه السويدي ، بما ينطوي على تبشير بجدوى العمل الدبلوماسي. وهنا نسأل ماذا لو كان قرار محكمة العدل الدولية بحق الجدار الذي صدر منتصف العام 2004 (أيام عرفات) قد صدر بجهد دبلوماسي من القيادة الحالية؟ ماذا كانوا سيقولون عندها؟، ودعك هنا من السؤال عن أهمية القرار التاريخي المذكور الذي لم يستثمر فلسطينيا وعربيا ، ولم يغير شيئا على أرض الواقع ، إذ بقي الجدار بل تمدد ، الأمر الذي يعود إلى المعادلة التي كرست في أوسلو وخريطة الطريق وأنابولس ممثلة في أن المفاوضات هي المرجعية وليس القرارات الدولية. هل إن أي قرار جديد (إذا مرّ ولم يفرّغ من مضمونه) سيكون أقوى وأفضل من القرار المذكور؟ كلا بالطبع ، لكن الفارق أن القرار الجديد سيستخدم كمخدر للجماهير يسمح للقيادة بالإبقاء على واقع السلطة والتنسيق الأمني كما هو عليه ، وهو واقع الدولة المؤقتة ، بينما تتوفر تخريجة لاحقة للعودة إلى طاولة المفاوضات ، بما يؤكد مسار النزاع بطبعته الجديدة ، أي النزاع الحدودي بين الدولتين. وإلا فهل استيقظ الأوروبيون حديثا على ممارسات الإسرائيليين في القدس الشرقية بعد أن زرعوا فيها 28 مستوطنة ، 200و ألف مستوطن؟،.

اليوم ينشغل الوضع الدولي ، وبعض العربي في مساعي إنقاذ الرئيس ، وهذه الجولات الدولية والعربية جزء من ذلك ، وكذلك حال عقد الجلس المركزي في الداخل بتسهيلات الإسرائيليين ، والذي سيطلب من الرئيس البقاء في منصبه حتى الانتخابات التي لا يعرف أحد متى ستجري في ظل الوضع القائم.

هي متاهة لا حل لها في الأفق القريب ، فلا قوى المقاومة قادرة على فرض أجندتها أو توفير غطاء عربي لتلك الأجندة ، ولا السلطة قادرة على التوصل إلى اتفاق يحفظ ماء وجه ، لكن الدعم الدولي للطرف الإسرائيلي ، وإرادة السلطة الحفاظ على وضعها وامتيازات أصحابها ، لن تفضي لغير تكريس الواقع القائم إلى ما شاء الله ، من دون أن يكون بوسع أحد استبعاد صفقة تُطبخ في السر ، ويُفاجأ بها الجميع ، وهي من دون شك ستكون صفقة بائسة لن تبتعد كثيرا عما ورد في وثيقة جنيف وملحقها الأمني.