خبر الفلسطينيون في لبنان عالقون بين ذاكرة الحرب وفقدان الحقوق

الساعة 03:18 م|06 ديسمبر 2009

فلسطين اليوم: نقلاً عن أ. ف. ب

تشكل زيارة رئيس السلطة محمود عباس غدا الاثنين إلى بيروت فرصة جديدة للنقاش حول مصير حوالي 300 ألف فلسطيني يعيشون في بلد التوازنات الديموغرافية والسياسية الهشة، من دون بصيص أمل في العودة إلى الوطن الأم ومحرومون من ابسط الحقوق في وطن اللجوء. وتأتي الزيارة في ظل تعثر محاولات إحياء مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووسط تحذيرات في لبنان من أي تسوية تأتي على حساب اللبنانيين.

يقول النائب اللبناني فريد الخازن أن "خطر توطين الفلسطينيين في لبنان حقيقي وهو خطر ديموغرافي وسياسي وأمني"، مضيفا "هناك ضغوط دولية لفرضه، واذا فرض سيؤدي الى حرب والى تخريب البلد". وقدم الفلسطينيون الى لبنان العام 1948، وكان عددهم آنذاك حوالى 120 الفا. في 1969، اعطى اتفاق القاهرة الذي ابرم بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة لبنانية ضعيفة وبرعاية عربية، الفلسطينيين الحق باقامة منطقة عمليات عسكرية على الحدود مع اسرائيل. وشكل توسع وجود الفلسطينيين المسلح ونمو نفوذهم احد اسباب الحرب الاهلية اللبنانية العام 1975 والاجتياح الاسرائيلي في 1982.

وظل الفلسطينيون على تماس مع الصراعات الداخلية لا سيما خلال فترة النفوذ السوري في لبنان والخلاف بين دمشق والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ويبلغ عدد الفلسطينيين في لبنان المسجلين لدى الاونروا حوالي اربعمئة الف، لكن عددهم الفعلي لا يتجاوز 270 الفا بسبب الهجرة على مر الأعوام. واذا كانت مشكلة اللاجئين معممة على كل الدول العربية التي تستضيف فلسطينيين، إلا أنها في لبنان أكثر تعقيدا.

وتعبر المفوضة العامة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) المنتهية ولايتها كارن ابو زيد عن قلقها لعدم ايلاء مسألة اللاجئين اهتماما في عملية السلام. وتقول ان "بطء التقدم في مفاوضات السلام يعني أن مسائل الوضع النهائي وبينها مسالة اللاجئين مؤجلة إلى ما لا نهاية".

وتقول ابو زيد التي التقتها خلال زيارة قامت بها اخيرا الى بيروت، ان "ذكرى الدور الذي لعبه الفلسطينيون في تاريخ لبنان من عنف داخلي وتدخل في الحرب الاهلية" من العوامل الاساسية التي "تزيد وضع اللاجئين هشاشة وتحول دون حصولهم على حياة كريمة".

وتضيف الى ذلك "المكونات الاتنية والطائفية المعقدة التي يتالف منها لبنان". وينص الدستور اللبناني على "رفض التوطين"، وهو امر يحظى باجماع الاطراف السياسية.

ويشير تقرير لمجموعة الازمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقرا لها صدر في شباط/فبراير 2009، الى ان الاطراف اللبنانيين يستغلون موضوع التوطين "لاغراض سياسية".

ويوضح ان "الغالبية العظمى من الفلسطينيين تنتمي الى المذهب السني". وبالتالي، فان المسيحيين "هم الأكثر قلقا"، اذ "يخشى الكثير منهم ان يخل توطين اللاجئين (اقل من عشرة في المئة من عدد سكان لبنان الاربعة ملايين)، بالتوازن الديموغرافي ويرجح الكفة لمصلحة المسلمين السنة". الا ان عضو الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين سهيل الناطور يعتبر ان "التوطين مجرد ورقة تستخدم في السياسة اللبنانية لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم".

ويؤكد ان "الفلسطيني قبل اللبناني يرفض التوطين ويتمسك بحق العودة" المنصوص عليه في القرار الدولي رقم 194.

ويتوقف الناطور وهو مدير مركز التنمية الانسانية المتخصص في موضوع حقوق اللاجئين الفلسطينيين، عند "عدم وجود حماية قانونية للمخيمات التي لا يدخلها لبنان الرسمي وانعدام الحقوق المدنية لسكانها والكمية الهائلة للمشاكل الانسانية". ويقيم اللاجئون الفلسطينيون بمعظمهم في 12 مخيما و27 تجمعا لا يدخلها الجيش ولا سلطة للدولة اللبنانية فيها. وتعاني المخيمات من ظروف اجتماعية وانسانية مزرية وتفتقر الى الخدمات الأساسية والبنى التحتية، وبعضها، مثل مخيم عين الحلوة في الجنوب، مدجج بالسلاح ويؤوي عشرات المنظمات الاصولية ويشكل ملجأ للخارجين عن القانون.

والفلسطينيون في لبنان ممنوعون من التملك ومن العمل ما عدا في بعض القطاعات الحرفية التي رفع الحظر عنها أخيرا. وهم يعتمدون بشكل واسع على مساعدات الاونروا التي تتراجع موازنتها سنة بعد سنة. ويحمل لاجئو 1948 والمتحدرون منهم وثيقة "لاجىء" تصدرها السلطات اللبنانية، الا ان الذين قدموا في السبعينات بعد ما يعرف ب"ايلول الاسود" في الاردن ومن قطاع غزة عندما كان لا يزال تابعا للاشراف المصري، لا يملكون اي وثيقة تعرف عنهم، وكذلك ابناؤهم من بعدهم. وهذا ما يجعل حياتهم صعبة وتنقلهم حتى داخل لبنان، شبه مستحيل.

ويقر رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير خليل مكاوي بان "وضع المخيمات يتخطى حدود الانسانية"، مشيرا في الوقت نفسه الى ان مسؤولية اللاجئين "ليست مسؤولية الحكومة اللبنانية، بل هي مسؤولية دولية". وبدأت الحكومة بالتنسيق مع الاونروا منذ 2006 العمل على تحسين أوضاع المخيمات.

ويقول مكاوي "وضعت الاونروا لائحة بمشاريع حيوية للمخيمات تتناول البنى التحتية والتعليم والخدمات بقيمة خمسين مليون دولار. حصلنا من الجهات المانحة على 16 مليونا. انها نقطة في بحر".

ويشدد سهيل الناطور على اهمية الوصول الى "حل موقت" يجعل الفلسطيني في لبنان "اقل من مواطن واكثر من لاجىء" في انتظار الحل النهائي. ويقول الخازن "ليس في الافق ما يبشر باي حل ولو جزئي ولو مرحلي للنزاع". ويضيف ان "اسرائيل تعمل على انهاء اي احتمال لاقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة"، مضيفا "من دون دولة فلسطينية، لا حل لموضوع اللاجئين".

الى ذلك كان للاجئين الفلسطينيين اضاءة على الموضوع للتعريف عن الاوضاع التي يعيشون بها خاصة مع ترقب زيارة عباس للبنان ففي جولة على المخيمات  ويقول حسن رحيل  الذي غادر فلسطين عندما كان في الثانية عشرة وهو يعيش منذ ستين عاما في مخيم بؤس وشقاء في لبنان، مثل عشرات الالوف غيره من لاجئي 1948 الذين يتضاءل عددهم وفسحة الامل لديهم بمرور الزمن فيما تزداد "اجيال اللاجئين". ويقول حسن رحيل في مخيم برج الشمالي (جنوب) من منزله الصغير الذي لا تتعدى مساحته السبعين مترا وقد ربى فيه عائلة من ثمانية اولاد، "المستقبل؟ كله اسود بالنسبة الينا".

في مخيم برج الشمالي، ارتفع عدد اللاجئين خلال خمسة عقود من سبعة الاف الى عشرين الفا على مساحة واحدة لا تتجاوز كيلومترا مربعا واحدا. ويقول محمود الجمعة، رئيس "بيت اطفال الصمود" الذي يعنى بالاطفال الفلسطينيين، ان اللاجئين "مسجونون في هذه المخيمات منذ ستين عاما"، مضيفا "نتيجة ذلك، باتوا لا يؤمنون بشيء".

يوما بعد يوم، وفي ظل رفض اسرائيل القاطع البحث في حق العودة وتعثر عملية السلام، يتضاءل من جيل الى جيل الامل برؤية ارض الوطن الواقعة على مرمى حجر من جنوب لبنان. العدد الاكبر من سكان المخيمات لا يملك حتى اي ذكرى عن فلسطين، ولا تتعدى نسبة الذين لا يزالون يتذكرون النزوح العشرة في المئة، بحسب المنظمات الاهلية العاملة على الارض. ويقول حسن (70 عاما) "عندما كنت اتفرج على المعارك بين اليهود وشعبنا من سطح منزلنا في وادي حولا (شمال اسرائيل)، لم اكن ادرك اننا نخسر وطنا". واضاف "كنا نعتقد اننا سنعود خلال يومين، وانتهينا ببناء هذا المخيم في لبنان"، ويستدرك قائلا "هذا المخيم هو وطني. في اي مكان آخر، اشعر بالغربة".

اما الشبان الفلسطينيون فقد تخلوا عن الاوهام منذ زمن. وتقول هبة ادريس (23 عاما) "فلسطين، انها فكرة، مجرد فكرة". وتضيف هبة المجازة في ادارة التكنولوجيا من الجامعة اللبنانية حيث تمكنت من تلقي دروسها العليا بمساعدة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)، "ولدنا لاجئين وسنموت لاجئين". حتى الشهادة التي تحملها لا تسهل لها الطريق كون الفلسطينيين ممنوعين من العمل في قطاعات مهنية في لبنان. وتتابع "لا نملك شيئا. نعيش كل يوم بيومه، ولا يمكننا التخطيط للغد لاننا لا نرى نهاية النفق". وتتذكر هبة جدها الذي عاش حياته نادما على خروجه من قرية صفد في منطقة الجليل. "لم يحمل السلاح. مثل كثيرين غيره، سمع بمجزرة دير ياسين فغادر ليحمي عائلته". وتضيف "كان يشعر بالذنب ازاء الوضع في المخيمات ويردد كان من الافضل لو متنا هناك، بكرامة. وتتذكر هبة كذلك خروجها للمرة الاولى من المخيم ورؤيتها البحر. "لم اكن اعرف ان هناك شيئا بهذا الجمال، ولا ان هناك عالما في الخارج. كنت اعتقد ان المخيم هو كل ما في الحياة".

في مخيم شاتيلا في ضاحية بيروت الجنوبية، يمضي العديد من الشبان اوقاتهم بتدخين النرجيلة "من كثرة الاحباط"، كما تقول سمر قداح (33 عاما) في دكانها الصغير داخل المخيم الذي تعتاش منه مع عائلتها ويقول وليد طه الذي يعمل في البناء وهو والد لستة اولاد، مشيرا الى حفريات الى جانب طريق تقوم بها الاونروا لاجراء بعض التمديدات، "املك بالقرب من هنا مكانا صغيرا اجمع فيه عدة العمل. قريبا ساجهزه لابني الاكبر ليقيم فيه بعد الزواج". ويضيف "لا اعرف اين سيقيم ابناي الآخران اذا قررا تأسيس عائلة" وولد وليد في لبنان، لكن له اخوة من والده "في فلسطين، واحدهم هو النائب في الكنيست الاسرائيلي واصل طه". ويضيف معبرا عن غضبه من العرب، "سبعة ملايين يهودي يهتمون ب(الجندي الاسرائيلي جلعاد) شاليط، بينما 300 مليون عربي يزدرون مصير مئات الاف الفلسطينيين".

ولم يشهد طه حياة البؤس في المخيمات فحسب، بل عايش ايضا "حرب المخيمات" بين ميليشيا لبنانية والفصائل الفلسطينية والتي دمرت مخيم شاتيلا في الثمانينات والاجتياح الاسرائيلي ومجازر صبرا وشاتيلا... ويقول "انا اعمل بجهد وبالكاد يكفيني ما اجني لاطعم عائلتي"، مضيفا "نعيش من قلة الموت". ويجلس ابو احمد (85 عاما) امام باب منزله المتواضع بمفرده. اولاده الاثنا عشر هاجروا الى الخارج مع عائلاتهم، باستثناء واحد بقي في لبنان. ويحتفظ ابو احمد بملف فيه حجة ارضه في فلسطين وايصالات بضرائب دفعها الى "حكومة فلسطين" ومفاتيح منزل يحلم بالعودة اليه. ويقول وهو يدل على الاوراق المحفوظة بعناية "هذا كنزي". انما رغم المعاناة، ترفض سمر قداح الاستسلام وتقول "ارفض معادلة: نحن ضحايا وبالتالي يجب ان نستسلم لليأس". وتضيف "لن اعود الى فلسطين، إنما هذا لن يدفعني إلى الموت أبدا".