خبر الغمزة الكبرى .. هآرتس

الساعة 03:08 م|04 ديسمبر 2009

بقلم: يوئيل ماركوس

عشية كل حملة حربية كان بن غوريون يصاب بالأنفلونزا. ليس واضحا إذا كانت هذه أنفلونزا حقيقية، أنفلونزا نفسية أم مجرد أسطورة تنقل من جيل إلى جيل. في كل الأحوال هذا ليس امرأ مستخف فيه أن يلغي نتنياهو بسبب انفلونزا خفيفة في اللحظة الاخيرة الهدف الهام في المانيا والذي حسب وسائل الإعلام مجرد الغاء الرحلة كلف صندوق الدولة نصف مليون شيكل. في الغداة وكذا في الأيام التالية بدا بيبي بالذات سليما معافى ونشطا. معافى لدرجة أنه انطلق إلى طريق التجميد معلنا بان "قرار التجميد هو لمرة واحدة ومؤقت. المستوطنون هم إخوتنا وأخواتنا. مهم لي أن أوضح بان التجميد فقط هو لعشرة أشهر وفي يومه الأخير سنعود الى البناء".

بينما يسلم مراقبو الإدارة المدنية أوامر التجميد والهدم في بعض المستوطنات على الأقل في تلك التي سمحت لهم بالدخول- فان الكثير من المستوطنين مزقوا الأوامر الرسمية أمام ناظر المراقبين مرفقة بالشتم والسباب والتحذير من أن الأمر من شأنه أن يتدهور إلى حرب أهلية. وبينما تتسع الانتفاضة ووزير الدفاع ايهود باراك يعلن بان قرارات الحكومة يجب ان تنفذ حتى لو فرضت بالقوة – يواصل بيبي كلمات التهدئة التي تسمع كنصف شاي ونصف قهوة تشبه شخصية ليفي اشكول. "مستقبل الاستيطان لن يتقرر الا في التسوية الدائمة وحسب شروطنا"، هكذا يهدىء بيبي روع المتطرفين. ما يسمح لنا هو بان نفهم من ذلك أن من المهم إرضاء الادارة الامريكية، ولكن الى جانب ذلك ان نعد الحقنة، وليغفر لي القارىء تسمية الولد باسمه.

عندما يصوت سياسيون جديون ومتطرفون مثل بيني بيغن في صالح قرار التجميد، لا ينبغي الافتراض بانهم تحولوا ليصبحوا "السلام الان". بيبي جمع وزرائه الكبار على انفراد او ثلاثيا وغمزهم بهذا الشكل او ذاك بان كل شيء مجرد كلام. بلغة اجمل قال لهم انه "ممزق في داخله"، ولكن على أي حال لن يخرج من هذا شيء. كما أن هذا هو السبب في أن الأوصاف لطبيعته، سلوكه وأحابيله لم تتغير في نظر مراقبين قدامى منذ ولايته الأولى. احد الأسباب التي جعلت الملك حسين يعجب باسحق رابين كان ان كلمته كانت كلمة. في السيرة الذاتية للملك، والتي كتبها آفي شلايم والتي صدرت لتوها عن دار دابير للنشر يوصف كيف ان الحسين رأى بقلب كسير نتنياهو يفكك الواحد تلو الاخر الحجارة الاساس للمسيرة السلمية، يخفض مستوى التوقعات الفلسطينية ويعمل على إضعاف السلطة وإرجاء مراحل الانسحاب التي تقررت في اتفاقات اوسلو. وبالتوازي أمر ببناء 200 وحدة سكن في غور الاردن. في غضون وقت قصير، "نجح في دفع حليفة إسرائيل في العالم الى الاغتراب". في عيادة مايو في أمريكا حيث نزل الملك حسين طريح الفراش، درج الاطباء والممرضات على القول بانه عانى من "فيروس بيبي".

ولكن لنفترض أن تكون مرت عشرة اشهر التجميد. فما هو المتوقع بعد ذلك؟ افرايم هليفي، الذي كان رئيس الموساد، ينتقد في حديث عاجل معي انتقادا شديدا الادارة الامريكية. عندما يطالبون بيبي بالقيام ببادرات طيبة لتعزيز ابو مازن يبدو أنهم لا يستبعدون ان ابو مازن غير قادر على أن يكون شريكا في مفاوضات السلام. ادارة بوش دعمت في حينه دحلان كزعيم مثالي للمفاوضات مع اسرائيل ورأوا كيف تبدد. اوباما بحاجة الى زعيم فلسطيني مقبول من كل الفلسطينيين. ليس شريكا مثل ابو مازن، الذي يشهر باوباما ويصف اسرائيل كـ "مبيدة الشعوب" ولا يفعل شيئا. من يريد أن يعزز السلطة، يقول هليفي، يجب أن يحرر البرغوثي.

 بيبي اتخذ خطوة تكتيكية حكيمة حين بادر الى تجميد البناء لعشرة اشهر. لماذا نكون المذنبين الوحيدين في نظر العالم حين يعود الفلسطينيون المرة تلو الاخرى لمواقفهم التقليدية في تفويت كل الفرص. "نحن سنخفف قليلا البناء في المناطق، ولكن بعد عشرة اشهر سنعود الى البناء"، يهدىء نتنياهو روع المستوطنين. الفلسطينيون سيجرون الارجل ولكن لنفترض أنه عرضت خطة امريكية؟ بيبي يقنع نشطاء الليكود المتطرفين بانه في التسوية الدائمة تكون مكانة محترمة للكتل الاستيطانية.

 في هذه الاثناء الفلسطينيون يساعدون الليكود. فهم لا يعودون الى المفاوضات، ابو مازن يلعب لعبة الحرد مع اوباما بدلا من أن يمسك باللحظة. لو كنت فلسطينيا لانتظرت دقيقة وصرخت على ابو مازن: إلى الأمام، إلى مفاوضات سياسية فورية على أساس دولتين للشعبين أو اذهب إلى بيتك. فبرفضهم يساعدون المتطرفين في اسرائيل. خطوة بيبي وان كانت خطوة تكتيكية مليئة بالغمزات، وكأنه يتوجه الى الامر الكبير، ولكن ليس مؤكدا أن هذه خطوة استراتيجية. المؤكد هو أن السيرة الذاتية السياسية التي ستكتب عنه مع قدوم الوقت ستحمل عنوان "الغمزة الكبرى".