خبر الكوفية الفلسطينية صارت تهمة! .. فهمي هويدي

الساعة 09:03 ص|03 ديسمبر 2009

بقلم: فهمي هويدي

لكي تعرف إلى أي مدى نجح الإعلام الموجه في تلويث الإدراك لدى المواطن العادي في مصر، أرجو أن تقرأ على مهل هذا الخبر الذي نشرته صحيفة «الشروق» في عدد 30/11، الذي صدر يوم الاثنين الماضي: أطلقت الأجهزة الأمنية بمحافظة الشرقية، في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول، سراح طالبة بكلية العلوم جامعة الزقازيق، بعد صدور قرار من نيابة أمن الدولة بإخلاء سبيلها. وكان الأمن قد اعتقل الطالبة إيمان عبدالله أثناء دخولها إلى إستاد الزقازيق لأداء صلاة العيد. وقد اصطحبت معها شقيقها الأصغر الذي كان يرتدي كوفية فلسطينية. إذ طلب منه المخبر محمد عبدالله بجهاز أمن الدولة نزع الكوفية، وهو ما رفضته الطالبة بسبب شدة البرد في تلك الساعة المبكرة من الصباح، مما دفع المخبر إلى استدعاء سيارة الشرطة، حيث تم اعتقالها واحتجازها بقسم شرطة ثان بالزقازيق.

 تستوقفك في الخبر عدة أمور، أولها: أن رجال أمن الدولة انتشروا في مدخل الإستاد لمراقبة الداخلين إلى الصلاة، وليس فقط للتدخل عند حدوث أي شغب. وثانيها: أن أحدهم وجد شقيق الطالبة «متلبسا» بارتداء كوفية فلسطينية، وهو ما أثار مخاوفه الأمنية، فطلب من الفتى أن يخلعها حتى لا يشاهد بها وسط المصلين. الأمر الثالث: أن رفض الطالبة الاستجابة لتعليمات المخبر كان مبررا كافيا لاعتقالها وإحالتها إلى نيابة أمن الدولة (هكذا مرة واحدة!)- الأمر الرابع: أن الفتاة قضت اليوم الأول للعيد كله في الحبس، حيث ألقي القبض عليها حوالي الساعة السابعة صباحا وأطلق سراحها في ساعة متأخرة من الليل. أما الأمر الخامس: فهو أن احتجازها طوال اليوم الأول للعيد كان العقوبة التي وقعت عليها جراء عدم امتثالها لأمر مخبر أمن الدولة بنزع الكوفية الفلسطينية. الأمر السادس: أنه طالما أن نيابة أمن الدولة العليا قد أخلت سبيلها فمعناه أن الطالبة خضعت للتحقيق، الذي في ضوئه أصدرت النيابة العليا قرارها. ولأن التهمة هي ارتداء كوفية فلسطينية فلا بد أن يكون وكيل النيابة قد سألها عن السبب في ذلك. وعن علاقتها بالشأن الفلسطيني. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تكون مباحث أمن الدولة قد تحرت الأمر وتحققت من براءة الطالبة فوجهت بإطلاق سراحها.

 أستبعد أن يكون المخبر الذي اعتقل إيمان عبدالله لديه تعليمات بمصادرة الكوفيات الفلسطينية، وأرجح أن يكون الرجل قد تصرف على نحو تلقائي. بحكم وجوده في جهاز أمن الدولة الذي أصبح يتعامل مع كل ما هو فلسطيني من منظور الشك والاتهام، وتأثرا منه بالمناخ العام المعبأ ضد الفلسطينيين والمتوجس من أي تضامن معهم. وهو المناخ الذي أشاعته وروجت له وسائل الإعلام في مصر، خصوصا بعد محاولة اقتحام معبر رفح في بداية العام الحالي. وللأسف فإن هذه التعبئة تجاوزت محيط العاملين في الأجهزة الأمنية، بحيث امتد تأثيرها السلبي إلى أوساط المواطنين العاديين، الذين أصبحوا يتعاملون مع الموضوع الفلسطيني بخليط من مشاعر الاستياء والنفور. وذلك أسوأ ما في الأمر.

 إننا إذا أضفنا شيوع ذلك الشعور السلبي إزاء الفلسطينيين، إلى ما روجت له صحفنا وأبواقنا الإعلامية الأخرى من تشنيع وتجريح لحزب الله في لبنان، ثم من إساءة وإهانة للجزائريين أخيرا، إلى جانب الغمز في قطر تارة، وفي سوريا تارة أخرى، ثم الاشتباك مع إيران طول الوقت، فسنجد أن مصر تتجه نحو  العزلة حينا بعد حين. لست في مقام الحديث عن المخطئ أو المصيب، أو عن الفعل ورد الفعل، لكن أكثر ما يهمني هو أن تسميم أو تلغيم علاقات مصر مع محيطها العربي والإسلامي يصب في مجرى إستراتيجية العزلة التي تسحب من رصيد الدولة الكبيرة فضلا عن الرائدة.

 إن مخبر أمن الدولة الذي طلب نزع الكوفية الفلسطينية واعتقل طالبة الزقازيق لأنها لم تمتثل لأمره، هو نتاج طبيعي لإستراتيجية العزلة والانكفاء، ونموذج للإدراك المشوه الذي شكله خطابنا الإعلامي حين استجاب لتلك السياسة وزايد عليها. ولا غرابة في ذلك، لأن الحكم غير الرشيد يربي أجيالا مشوهة الوعي وبدورها فاقدة للرشد.