خبر رقابة خبيثة .. هآرتس

الساعة 10:59 ص|01 ديسمبر 2009

بقلم: موشيه نغبي

محاضر في الاعلام والامن في الجامعة العبرية في القدس

لا يضر تعتيم الرقابة على تفصيلات الصفقة التي تحاك في شأن جلعاد شليت، بالديمقراطية وبحرية الصحافة فحسب، بل قد يتبين انها ورم خبيث من جهة أمنية. قبل نحو من عشرين سنة، في استئناف سابقة لصحفية "هعير" والمراسل آلوف بن على المراقب العسكري الرئيس، اعترفت المحكمة العليا بشرعية الرقابة الامنية عندما تحبط فقط نشرات قد تسبب ضررا أمنيا شديدا. المشكلة هي ان التجربة الاسرائيلية الاليمة تبرهن على أن الرقابة في صفقات من هذا النوع هي التي قد تحدث الضرر المتحدث عنه. تبين على نحو ظاهر، أن اجراء تفاوض سري وحوك صفقة تحت غطاء الرقابة، بغير معلومات مكشوفة وبيان سابق لاحتمالاتها واخطارها، هو الوصفة الآكد لصفقات تبادل فاسدة كارثية.

البرهان الساطع على ذلك هو صفقة جبريل، قبل نحو من نصف يوبيل من السنين، حينما اجتيزت فيها جميع الخطوط الحمراء بمساومتنا لمنظمات ارهابية، وخضعنا لمطلب "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" ان نطلق اكثر من الف مخرب خطر. استجابت "لجنة محرري" وسائل الاعلام في اسرائيل آنذاك لمطلب رئيس الحكومة شمعون بيرس ووزير الدفاع اسحاق رابين وقبلت رقابة شاملة على نشر مطالب جبريل. أتذكر شخصيا، كمن كنت احرر آنذاك نشرات اخبار في "صوت اسرائيل"، كيف منعنا بث اسماء القتلة الكبار الذين طلب جبريل اطلاقهم (وحصل على ذلك ايضا بعد بضعة اشهر).

كانت نتيجة هذا التعتيم، ان مواطني اسرائيل، فضلا عن اكثر اعضاء الكنيست بل اكثر وزراء الحكومة (ما عدا اعضاء المجلس الوزاري المصغر) سمعوا اول مرة هوية المطلقين وافاعيلهم في موعد قريب من اطلاقهم فقط. منعتهم الرقابة، في جملة ما منعت، ان يسمعوا معارضة رئيس هيئة الاركان موشيه ليفي الشديدة للصفقة وان يزنوا كما ينبغي حججه. بعد ان عاد القتلة فقط الى بيوتهم (وعاد مئات منهم ايضا الى نشاط معاد) نشأ جدل سياسي وأمني واعلامي، لكننا ما زلنا الى اليوم لا ننجح في اعادة رم الجدران التي اخترقت آنذاك.

يبدو انه لا مخالف عن الاثار الامنية والقيمية  المدمرة لشروط تلك الصفقة، واختراق الجدران الذي صحبها. بعد نحو من سنتين قاد كثير من المخربين المطلقين الانتفاضة الاولى. ادركت المنظمات الارهابية – لا الفلسطينية فقط – ان اختطاف جندي او مواطن هو السلاح الاستراتيجي من الطراز الاول لمواجهة اسرائيل، بمفاهيم الكلفة – الفائدة، وانه لا يوجد في الحقيقة حد للامتيازات العسكرية والسياسية التي قد يثمرها استعماله. استنتج نشطاء الارهاب انهم حتى لو نفذوا اشد اعمال القتل فظاعة واعتقلوا فان ثمة احتمالا معقولا ان يطلقوا في صفقة في المستقبل.

كما قلنا آنفا، كان الاعلام الاسرائيلي – بخضوعه وموافقته المتسرعة على الرقابة الشاملة – شريكا تاما في المسؤولية عن جميع الاثار  المصيرية لصفقة جبريل. من الحيوي الا يكون الامر كذلك هذه المرة ايضا. ومن اجل الكشف الحسن اقول ان من الحق بل من الواجب دفع ثمن باهظ جدا عوض اعادة محارب اسير الى حضن عائلته. لكنني كمواطن في ديمقراطية غير مستعد لدفع هذا الثمن من غير ان أعلم مبلغه الدقيق سلفا، ومن غير ان يعطى معارضوه فرصة عادلة لاقناعي بأن هذا الثمن مفرط وأثقل من أن يحتمل.