خبر مرة أخرى يصرخون .. هآرتس

الساعة 09:32 ص|30 نوفمبر 2009

بقلم: تسفي بارئيل

مثلما بعد كل تسريب في موضوع جلعاد شليت، مرة اخرى يجتمعون في الحديقة العامة تمتلىء رئاتهم بالهواء النقي ليصرخوا بالعبارات الممجوجة. "تحرير ارهابيين سيعيد الارهاب"، هكذا يهددون، "حماس ستنتصر وستتعزز"، "اسرائيل هزمت وانثنت"، ويلعقون الزبد من حول افواههم. لكل واحد منهم معطيات مثيرة للانطباع عن عمليات ارتكبها السجناء الذين حرروا في الماضي. 30 في المائة، 60 في المائة، بل وحتى 70 في المائة من هؤلاء الارهابيين عادوا مرة اخرى ليقتلوا اليهود. وبالفعل معطيات مخيفة، الى ان يحشر الرأس والقلب ليعلنا "فليمت شليت على ألا يقتل المزيد من المواطنين". بمعنى، رمز جلعاد شليت هو الاصبع الذي في السد. طالما كان هناك، طالما بقي سجناء في السجن، فان حياتنا آمنة، ومكانة دولة اسرائيل محفوظة وحماس ستواصل الغرق في بؤسها.

ونسيت دفعة واحدة آلاف صواريخ القسام وقذائف الهاون التي اطلقت على سديروت ومحيطها في الوقت الذي كان شليت لا يزال في الاسر والسجناء في السجن. ومحيت من الذاكرة كل العمليات التي نفذت في القدس، نتانيا او الخضيرة، قبل وقت طويل من اسر شليت وحين كان لا يزال آلاف السجناء الفلسطينيين في السجن. فأين هي تلك الاحصائيات المهددة التي تروي كم ارهابي عاد الى عادته، ولكنها لا تبلغ كم عملية نفذها مخربون لم يروا ابدا السجن من الداخل، او سجنوا بعد ان نفذوا مبتغاهم؟ كم هو سهل عرض صيغة زائفة مضللة تظهر العلاقة الوثيقة بين تحرير سجناء وبين العمليات، ولكنها تتجاهل 42 سنة من العمليات، التي ليس سببها تحرير السجناء بل الاحتلال.

"حوار جماهيري" يطالب به المثرثرون في الحديقة العامة. علانية البحث. شفافية المعلومات. من سيتحرر يريدون ان يعرفوا، كم دم يوجد لكل واحد على اليدين، وكأن ثمة صلة مباشرة بين كمية الدم التي سفكها المخرب وبين كمية الدم التي سيسفكها في المستقبل. وأين كانوا على مدى الثلاث سنوات والنصف التي انقضت؟ أولم يعرفوا ان ليسوا اولياء اولئك الذين سيتحررون؟ ام انهم فجأة يسعون الى التمييز بين من قتل يهوديا واحدا وبين من قتل عشرة؟ بين قليل من الدم وكثير من الدم؟.

ولكن اذا كانت رياضيات الارهاب هي حجة من الصعب متابعة منطقها، فان الحجة ضد قوة حماس قد تكون اكثر اثارة للتسلية. رمز جلعاد شليت هو في نظر مدعيها مروج مبيعات حماس. مجرد المفاوضات على حياته، كما يقولون، يمنح المنظمة مكانة لم يسبق لها ان كانت لها، فما بالك اذا ما خضعت اسرائيل لمطالبها. فهل حقا؟

المكانة المتينة لحماس تبينت منذ 2006، عندما حظيت بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة في المناطق. ولم تكن تحتاج في حينه لاسير اسرائيلي او لتحرير سجناء. فقد اختطفت الحكم في غزة لانه لم يوجد أي طرف، لا اسرائيل، لا فتح ولا دول الرباعية وافق على الاعتراف بهذه المكانة. وواصلت حماس التعاظم لانه تبين انه بدونها لا معنى ايضا لادارة مفاوضات سياسية على جزء واحد من فلسطين. حوار المصالحة بين فتح وحماس، والمقصود فيه اقامة م.ت.ف جديدة، تكون حماس شريكا كبيرا فيها – هو ايضا جزء لا يتجزأ من قوة حماس.

وقد تعاظمت قوتها اكثر فاكثر في اعقاب حرب القسام التي شرعت فيها ضد اسرائيل، وصمودها الجماهيري الطويل رغم العقوبات الوحشية التي تفرضها اسرائيل على قطاع غزة وحملة "رصاص مصبوب". لقد بنت حماس نفسها ايضا كمحور حوله تتنازع مصر وسوريا، السعودية وايران. كل ذلك دون صلة بالمفاوضات على شليت. لا ريب ان تحرير سجناء فلسطينيين سيضيف الى حماس مكانة كبيرة، ولكن هذا بات حسابا منفصلا. ثمن باهظ لقاء جر الارجل والغاء الزمن. وماذا فعل مثرثرو الحديقة العامة لتعزيز خصم حماس؟ يجدر ان نسأل محمود عباس لماذا قرر الاستقالة كي نتبين الجواب.

السؤال الحقيقي الهام ليس أي نصر اخر ستحققه حماس، بل ما يمكن لاسرائيل ان تخسره. اذا لم يحرر شليت بسبب فحوصات الدم على الايدي، اذا واصل الاختناق في ذاك القبو الذي يحتجز فيه، فان اسرائيل ستخسر جنديا حيا. انسانا حيا. دمه سيكون على أيدي هذه الحكومة. ولكنه لن يختفي، بل سيضيع كل يوم من جديد وهذه المفاوضات ستصبح مفاوضات خالدة. حوارا في حديقة عامة.