خبر يبدو أن بيبي وحده قادر .. معاريف

الساعة 09:31 ص|30 نوفمبر 2009

بقلم: رونين تال

في كتابه "بعد الحرب – تاريخ اوروبا منذ 1945" (من اصدار ماجنس دابير) يكرس الكاتب، المؤرخ طوني جادة، فصلا مشوقا عن الحرج الثقافي الذي ألم باليسار الاوروبي في الستينيات، والذي تجدر الاشارة الى أنه لم ينتعش منه حتى اليوم.

في 1956 ادعى جان بول سارتر المفكر السياسي الرائد في القارة بان الثورة في هنغاريا كانت مصابة بـ "روح يمينية". في 1963، في اثناء زيارة الى براغ، مجد الواقعية الاشتراكية على مسمع من الجمهور الحرج من الكتاب والمفكرين، ممن كان الكثير منهم مشاركين في غضون بضع سنوات في المحاولة الفاشلة لتغيير الشيوعية من الداخل، ليجد له نموذجا أقل بعثا على الاكتئاب. سارتر ورفاقه في مقاهي الضفة اليسارية واصلوا تمجيد الماوية حين فرضت عصبة الاربعة الارهاب في الصين وارسلت الملايين الى السجون.

توجد عدة تفسيرات لفقدان الطريق الفكري لدى اليسار الاوروبي في هذه السنوات. الاصلاحات الاشتراكية الديمقراطية التي انتهجتها دولة الرفاه في غربي القارة افرغت الصراع الطبقي من الحماسة التي كانت له منذ القرن التاسع عشر. والاتحادات المهنية لم تعد منذ زمن بعيد اعداء المؤسسة الرسمية، وحتى اولئك الذين كانوا في اسفل السلم الاقتصادي – الاجتماعي تمتعوا بالمعجزة الاقتصادية التي مرت على اوروبا. في 1973 ظهرت الصيغة الفرنسية لرواية الكسندر سولجينستن، ولم يعد ممكنا الان اعتبار التطورات في الامبريالية السوفياتية دعاية رأسمالية او بقايا عصر ستالين. عمليا، قال سولجينستن ان كل المشروع الشيوعي هو فشل، وبتعبير جادت: "خداع بربري، طغيان شمولي يستند الى عمل العبيد والقتل الجماعي".

الكثيرون من المثقفين في اوروبا وجدوا انفسهم مع مزاج ثوري يبحث عن هدف. بعضهم انتقل للتركيز على مواضيع "الحقوق" (حقوق النساء، حقوق الاقليات الجنسية، الحق في تنفس هواء نقي). آخرون وجدوا نماذج جديدة للخيال المثالي: أنظمة شمولية في العالم الثالث دعمها الاتحاد السوفياتي او الصين ومقتت كل ما ينم عنه "الغرب".

عندما سيتم تحليل المشروع الجيني الانساني اخيرا سنكتشف بأن الجين الثوري مسؤول عن الجمود الفكري ايضا. في العقد الاخير، ولا سيما منذ الانتفاضة الثانية، يوجد اليسار الاسرائيلي في وضع متواصل من فقدان الطريق. التيار الرئيس السياسي قبل بحججه القديمة: بأن الاحتلال هو شر، وان الفلسطينيين جديرون بدولة، وان استمرار الحلم الصهيوني منوط بالتنازل عن المناطق. ومن جهة اخرى، فان معظم الجمهور في البلاد لا يرتبط بالعواطف المثالية التي قبعت في أساس هذه الافكار ويعرف نفسه "يمينيا" والنتيجة هي ان اليسار الصهيوني هو مثل العروس التي تتوق للزواج، ولكنها حرمت من المهر.

بالهام من اليساريين المنحرجين في اوروبا، عندنا ايضا هناك من قرر توجيه حماسته الراديكالية نحو الصراع ضد مجرد شرعية دولة اسرائيل والمشروع الصهيوني. حقهم. ولكن الاغلبية تكتفي باحتجاجات واهية ولكن مترنحة ضد خطوات الحكومة. اما الان فانهم يقولون ان تجميد الاستيطان هو اقل مما ينبغي ومتأخر اكثر مما ينبغي وان السياسة الاسرائيلية لن تؤدي الى السلام، وان الحكومة اسيرة اليمين المتطرف. هذا لا يعني انه تنقص مواضيع "يسارية" تقليدية جديرة بالصراع – مساعدة الطبقات الفقيرة، الوقوف الى جانب عرب اسرائيل الموالين في معظمهم للدولة – ولكن اذا كان اليسار الصهيوني يصر على مواصلة اللعب في الميدان السياسي، فانه يجدر به ان يعترف بحقيقة ان نتنياهو (وانا لم اصوت له) يناور قدر مستطاعه بين الايديولوجيا التي تقبع في اساس سياسته، الايديولوجيا التي بفضلها انتخب، وبين الظروف الموضوعية. مع كل الاسف، يبدو ان بيبي فقط هو القادر. ويجب مساعدته.