خبر عيد الأضـحى مرَّ على غـزة بالآلام والصبـر والآمـال

الساعة 07:05 ص|30 نوفمبر 2009

فلسطين اليوم : غزة

لم يتمكن صالح أبو ليلة من شراء أضحية عيد الأضحى المبارك كما اعتاد على ذلك منذ أكثر من عشرين عاماً، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواشي، التي تمنع سلطات الاحتلال تزويد قطاع غزة باحتياجاته منها منذ تشديد الحصار قبل أكثر من عامين.

وفقد صالح كل ما يملك تحت أنقاض منزله الذي هدمته قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على غزة التي انتهت في 18 كانون الثاني الماضي بعد 22 يوماً من القتل والتدمير.

وبدا صالح حزيناً لعدم تمكنه من شراء أضحية العيد التي اعتاد عليها، وإسعاد أطفاله، وتساءل بمرارة: "من أين لي ثمن الأضحية والحال كما ترى؟".

ويقطن صالح وأسرته المكونة من 16 شخصاً في خيمة لا تتوفر فيها مقومات الحياة، حاله كحال المئات من جيرانه في "مخيم الثبات" الذين فقدوا منازلهم شمال القطاع خلال الحرب.

وفاقت أسعار الأضاحي في غزة مثيلاتها في الدول المجاورة، إذ بلغ ثمن نصيب الشخص الواحد في عجل يشترك فيه سبعة أشخاص نحو 650 دولاراً، فيما بلغ سعر الخروف متوسط الحجم نحو 300 دولار.

ولم تسد العجول والأبقار المصرية المهربة من الأنفاق المنتشرة أسفل الحدود الفلسطينية المصرية جنوب القطاع العجز في المواشي المستوردة، كونها صغيرة السن ولا يجوز ذبحها كأضحية.

وكما منعت الظروف الاقتصادية السيئة وغلاء الأسعار صالح من شراء أضحية العيد، حرمته أيضاً من إدخال البهجة على أبنائه وشراء ملابس العيد الجديدة.

ويبدو صالح المريض بالسكر والضغط عاجزًا عن إيجاد إجابة واضحة للكثير من أسئلة أولاده المليئين بآمال السكن في بيت جديد، فهو لم يعد يقوى على العمل بعد تدهور حالته الصحية من كثرة حزنه وقلقه من ما آلت إليه أحوال أسرته. ولا يتوقف عن القول:" "كل شيء صعب عنا، ما في غير ربنا عالم بالحال".

ويترك صالح الفرصة لابنه وليد (6 أعوام) بعينيه السوداوين، وشعره المجعد المائل للصفار، ليتحدث عن ما أصاب أسرته، فيقول:" اليهود هدموا بيتنا في الحرب، وقتلوا جيراننا وأصحابنا، وشردونا وخلونا من غير دار، وسكنا في خيمة، وكمان دار سيدي ساكنين في خيمة عشان دارهم انهدت، وأنا كتير بحب أروح عندهم، مع إنه عندهم برد زينا، بس خيمتهم أكبر وأحلى منا، وأنا ما عندي أواعي (ملابس) جديدة للشتوية، وما اشتريت أواعي للعيد".

ويدرك وليد حقيقة ما آل إليه حال والده، ويقول: "أبويا بيحبنا لكن مش قادر يشتري إلنا بيت وأواعي، وما قدر (استطاع) يشتري خروف العيد، علشان غزة محاصرة واليهود مسكرين المعابر، وأبويا ما بيشتغل".

ويعتمد أكثر من 80 في المئة من سكان غزة وغالبيتهم من اللاجئين على مساعدات إغاثية تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ومؤسسات خيرية أخرى، في وقت تجاوزت فيه نسبة البطالة والفقر أكثر من 60 في المئة.

ويبدو الحديث عن العيد واحتياجاته ترف لدى مشردي الحرب الذين يقيمون في خيم تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ويعيشون ظروفاً مأساوية أصابت الكثير من أطفالهم بالأمراض بسبب الرطوبة والبرد.

مجدي غبن يعيش مع أسرته في خيمة أذاقته الويل منذ بداية الشتاء إذ أنها مهترئة وممزقة، تدخل المياه عليه من كل ناحية، وتخترقها الرطوبة دون رفق ولا رحمة.

سألنا مجدي عن العيد والأضاحي وغلاء الأسعار فسحبته معاناته للحديث عن الظروف التي يعيشها منذ فقدان منزله في الحرب، وقال: "فش أواعي. فش فراش. فش مية. فش كهربا. فش حاجة تريح الواحد. منيح أصلاً أنه في خيمة. وفي الآخر حنوا علينا أهل الخير وأعطونا فرشتين وبطانيتين، زيي (مثلي) زي أصحاب الخيم الثانية. على فكرة بيعطوا فرشتين وبطانيتين لكل خيمة، إن شاء الله بيكون فيها مليون واحد. كتر خيرهم والله!!".

ويواصل: "قمنا بالاشتراك مع بعضنا البعض بشراء لفات البلاستيك، وأغلقنا الثقوب في الخيام، ولا أحد ينظر إلينا أو يسأل عنا ليعرف على الأقل احتياجاتنا، ذهبنا مرارا وتكرارا للمسؤولين لنطرح عليهم مشاكلنا، ونضعهم في صورة الوضع، ولكن لا حياة لمن تنادي. سنة من حياتنا مرت بعد انتهاء الحرب، والحال هو هو، ما تغير في إشي وكل عام وانتم بخير".

وأكد تجار وأصحاب مزارع مواشي في غزة أن حركة إقبال المواطنين على شراء العجول في عيد الأضحى كانت "ضعيفة وخجولة".

وقال أبو علي الهوبي صاحب مزرعة مواشي إن أغلب زبائنه أحجموا عن شراء عجل العيد بسبب الارتفاع غير المسبوق في الأسعار.

وأضاف إن الكثير من المواطنين الذين اعتادوا على الاشتراك معاً في عجل فضلوا هذا العام التضحية بخراف كونها أقل سعراً من العجول رغم الارتفاع في أسعارها أيضاً.

واضطر رائد مفيد إلى شراء خروف صغير مهرب من مصر عبر الأنفاق نزولاً عند رغبة أبنائه الصغار. وقال: إنه اعتاد سنوياً على الاشتراك مع مجموعة من أصدقائه في عجل للتضحية به في عيد الأضحى المبارك، مضيفاً أن الغلاء الفاحش في أسعار العجول حال دون تمكنهم من شراء عجل.

وأشار رائد إلى انه تمكن من شراء ملابس العيد لأطفاله بعد أن أقنع البائع بشراء كل ما يلزم أطفاله من بسطته الشعبية، ما شجع البائع الشاب على الموافقة لاتمام "الصفقة المغرية" وخفض السعر والاكتفاء بربح قليل في ظل ركود في الحركة التجارية.

وقال صاحب البسطة يحيى السوافيري انه أضطر إلى خفض سعر معروضاته من ملابس الأطفال ليعوض إحجام المتسوقين عن الشراء نظرا لارتفاع أسعار الملابس.

وبرر ارتفاع أسعار الملابس رغم توفرها بكثرة في غزة، بسبب التكلفة المرتفعة التي يتطلبها تهريب هذه الملابس عبر الأنفاق.

وقدر السوافيري نسبة ارتفاع أسعار ملابس الأطفال بنحو 40 في المئة مقارنة مع أسعارها في عيد الفطر الماضي.

واضطر أبو محمد لبيع مساعدات غذائية تلقاها من "الأونروا" وجمعيات خيرية والاستفادة من ثمنها المتواضع في شراء ملابس "مستخدمة" لأطفاله من "سوق البالة"، ويشعر بغصة وحزن في نفسه لعدم قدرته على شراء ملابس جديدة لأطفاله للعيد الثاني على التوالي، بسبب غلاء الأسعار والضائقة المالية التي يعاني منها.

وقال إنه لم يقم بزيارات العيد لأرحامه وأقاربه لعدم امتلاكه "العيدية" وقضى أيام العيد ملازماً منزله، مشيراً إلى أنه عمل لعدة أيام قبل العيد في معمل لإنتاج البلاط في غزة إلا أن صاحب المعمل استغنى عنه بسبب محدودية نشاط هذه المعامل وعملها المتقطع بسبب عدم توفر المواد الخام.

وخابت آمال أهالي الأسرى في غزة بقضاء أبنائهم عيد الأضحى معهم بعد تعرقل صفقة تبادل الأسرى بين حركة "حماس" ودولة الاحتلال.

وقالت عائلة الأسير نافذ حرز إن الحديث الذي سبق عيد الأضحى عن قرب إتمام الصفقة جعل الأماني كبيرة لديها بأن يقضي نافذ العيد معها لأول مرة منذ اعتقاله قبل 24 عاماً.

وقالت أم أحمد زوجة الأسير نافذ "إن الأجواء المبشرة عن قرب إتمام الصفقة قبل العيد جعلت حلم اللقاء بنافذ قريب، حتى أن حديثنا تركز على التجهيزات للاحتفال به قبل العيد، لكن فشل الصفقة أصابنا بالإحباط واليأس".

وقضى 21 ابنا وحفيداً اليوم الأول من عيد الأضحى في منزل والدهم وجدهم الأسير نافذ في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، يتبادلون الحديث عنه، وكلهم أمل أن تكون صفقة التبادل قريبة وأن يكون أحد المحررين ضمن الصفقة.

وقالت أم أحمد إن زوجها نافذ اعتقل في 25 تشرين ثاني 1985 وكان عمره آنذاك (30 عاماً)، وحكمته سلطات الاحتلال بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل إسرائيلي والمشاركة في قتل آخر في مدينة غزة.

وأضافت أنها صبرت طوال السنوات الماضية على فراق زوجها وتربية أبنائها بمفردها، وكانت تتمنى أن يكون زوجها ضمن صفقات التبادل ومبادرات إطلاق الأسرى بعد اتفاق أوسلو، لكن السنوات تلاحقت والعمر يمضي وزجها يقبع في السجن.

وقالت: "بعد مرور ربع قرن على اعتقال نافذ لم يبق لنا إلا أمل أن يكون ضمن صفقة التبادل الحالية"، مشيرةً إلى أن زوجها "عانى فترة طويلة من مرض الغدد الدرقية في رقبته ومكث في سجن الرملة سنة ونصف السنة يتلقى جرعات من العلاج الكيماوي، ولكن الحمد لله تحسنت صحته الآن وينتظر الفرج بفارغ الصبر وكل أمله أن تشمله الصفقة".

معاناة السنين بدت واضحة في ملامح وجه أم أحمد التي نال منها الصبر والحزن معاً، وقالت أم أحمد التي تحملت عناء تربية ستة أبناء بعد اعتقال زوجها، "إن جميعهم تعلموا وتزوجوا. لم يبق في العمر بقدر ما مضى، وليس لنا مطلب سوى خروجه من السجن وعودته إلى أسرته وأبنائه وأحفاده".