خبر القيادي السعدي: عذابات الأسر و التشريد في المنافي أخف وطأةً من كارثة الانقسام

الساعة 06:05 ص|25 نوفمبر 2009

فلسطين اليوم : جنين ( حاوره: على السمودي)

بين منفى مرج الزهور الذي أبعد إليه مطلع التسعينيات، وسجن النقب الصحراوي الذي يقبع فيه منذ عامين، لا يجد الأسير الشيخ بسام السعدي (46 عاماً) من مخيم جنين فرقاً كبيراً في ظل ما تفرضه سلطات الاحتلال بحق الإنسان الفلسطيني ليعيش في سجنه عذابات لا تقل وطأة وقساوة عن المنفى، فكلاهما شكلٌ واحد.

ويضيف الشيخ بسام الذي يعتبر من أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية،:" أن هدف واحد يطال ويطارد كل فرد في فلسطين، ففي رحلة الإبعاد قبل سنوات ليست بعيدة كان الهدف تشريدنا واقتلاعنا من أرضنا، وطمس جذورنا وإلغاء هويتنا، وفي منفى الاحتلال بين سجونه المتعددة الأسماء، نتجرع كل عصارة تجارب الاحتلال وسجانيه عبر عقود طويلة لتستمر دوامة المنفى والإبعاد والفراق القسري والسجن الذي نعيش بين ظلاله".

ويؤكد الشيخ السعدي أن ذلك كله لن يسلبنا الهدف والحلم والأمل والإرادة لنتحدى ونصمد، حتى تتفتح كل الدروب وتغلق بوابات المنافي القريبة والبعيدة ونعود للوطن.

الشيخ السعدي الذي استشهد ولديه و والدته ونجل شقيقه وأبناء عمومته، وتعرض كل أفراد أسرته للاعتقال بما فيهم زوجته خنساء فلسطين أم إبراهيم، تلقى مؤخراً قراراً بتجديد اعتقاله الإداري للمرة السادسة، بينما رفضت المخابرات والمحكمة كل طلبات محاميه للإفراج عنه رغم ما دفعه وعائلته من ثمن لا زال كل أشكال المعاناة تتجسد فيها، ورغم ذلك فإنه لا زال يتمتع بمعنويات عالية ويصر على الصبر والصمود، دون أن يتخلى عن الأمل.

وإليك عزيزي القارئ الحوار الذي دار معه:

س: بعد قضائك محكوميتك البالغة 5 سنوات رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنك وتواصل اعتقالك إداريا فكيف تنظر للموضوع ؟

ج: الاعتقال الإداري أسوأ أنواع الاعتقال في العالم يعتبر بمثابة قرار سياسي وعقابي في وقت واحد ويعبر عن فشل واضح في إدانة المعتقل أو توجيه أي لائحة اتهام بحقه وتلجا إليه سلطات الاحتلال لسلب الأسير حريته وفرض اشد أنواع العقاب بحقه والانتقام منه إضافة لكونه استمرار للحرب الظالمة التي يتعرض لها شعبنا والتي في إطارها يستنبط الاحتلال الإجراءات المنافية لكافة القوانين.

وفي مسألة الاعتقال الإداري الذي تعتبر حكومة الاحتلال الوحيدة التي تستخدمه وتمارسه في العالم فإنها تستند إلى المادة (111) من قانون الطوارئ في الأصل والمتوارث عن الانتداب البريطاني منذ أيلول 1945 وفي عام 1967 بعد احتلال الضفة وغزة والقدس تبنى الاحتلال هذه السياسة وقام بمحاولة شرعنتها وتسهيلها بإصدار العديد من الأوامر العسكرية كان أهمها القرار 1228 والصادر بتاريخ 17/3/1988 والذي منح الجيش إصدار قرار التحويل للاعتقال الإداري لضباط وجنود أقل رتبة من قائد المنطقة و هو اعتقال بدون تهمه أو محاكمة يعتمد على ملف سري لا يمكن للمعتقل أو محاميه الإطلاع عليها ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة حيث يتم استصدار أمر إداري لفترة أقصاها ستة شهور في كل أمر اعتقال قابلة للتجديد بالاستئناف.

وفي حالتي فقد أنهيت محكومتي البالغة 5 سنوات قبل 16 شهر، ولكن سلطات الاحتلال رفضت الإفراج عني، وحولتني للإداري ومنذ ذلك الوقت جرى تمديده عدة مرات حتى أصبحت غير مكثرت بعدها لأن القرار ذو أبعاد سياسة.

ففي محاكم الاستئناف والتثبيت ترفض المخابرات الكشف عن حيثيات الملف السري والذي يفبرك عادةً بالتنسيق والتعاون بين جهاز المخابرات وهيئة المحكمة بل إن المحامي وبعد تحويلي للإداري حصل على قرار بالإفراج عني، ولكن النيابة استأنفت ورفضت تنفيذ قرار المحكمة وسرعان ما فبركت ما أسمته الملف السري ولم يكن مستغرباً أن توافق المحكمة على طلب المخابرات وتعيدني للسجن لتستمر في تجديد اعتقالي مرة تلو الأخرى ضاربة عرض الحائط كافة الأعراف والقوانين.

 

س: إذا كان الاعتقال الإداري يستهدف عقابك وقرار سياسي كونك من قادة حركة الجهاد الإسلامي السياسيين، فلماذا يستهدف باقي أفراد أسرتك ؟

ج : كل فلسطيني مستهدف بغض النظر عن عمره وعمله وانتمائه وموقعه، ومنذ أكثر من عشرين عاماً لم يمضِ في حياتي وأسرتي يوم أو شهر أو سنة دون استهداف، فتمضي الأيام وعائلتي تعاني من إجراءات الاحتلال بسبب مطاردتي تارةً أو إصابتي وإبعادي تارةً أخرى أو اعتقالي، زوجتي أنجبت كافة أبنائي وأنا رهن الاعتقال وكبروا وتعلموا وكبرى بناتي تزوجت دون أن تفرح بمشاركتي زفافها وخلال انتفاضة الأقصى حيث تصاعدت حرب الاحتلال ضد أسرتنا حيث طوردت عقب الانتفاضة ونجوت من عشرات محاولات الاغتيال واستشهد ولداي التوأم إبراهيم وعبد الكريم بفارق شهر بين كل منهما كما استشهدت والدتي الحاجة بهجة السعدي وطفل أخي بسام غسان السعدي ( 6 سنوات) وغيرهم من أبناء عمي وأقاربي ومنهم الشهيدين عثمان ومحمد السعدي شقيقا زوجتي والأشد تأثيراً على نفسي إنني حرمت من رؤية أبنائي ووالدتي أحياء ثم شهداء ولم أتمكن من وداعهم أو المشاركة في تشييع جثامينهم وكذلك لم يسلم ابني عز الدين من الاحتلال فأصيب برصاصه واعتقل مرتين ثم تمكنت قوات الاحتلال من اعتقالي في عملية خاصة في مخيم جنين ورغم عجزهم عن إدانتي بأي تهمة حوكمت بالسجن 5 سنوات، ولكن معاناة عائلتي لم تنتهِ بعد اعتقالي فأحرق الاحتلال منازلنا – بما فيها منازل أشقائي – واعتقلت زوجتي (أم إبراهيم) مرتين كان آخرها أواسط العام الحالي، رغم أن شقيقها الشيخ محمود السعدي كان تعرض للمطاردة ثم الاعتقال ولا زال يقضي حكماً بالسجن أربعين شهراً، بينما أخي غسان يقبع معي في سجن النقب، وهو رغم مرضه يجري تمديد اعتقاله الإداري مرة تلو الأخرى واعتقل شقيقي وأبناؤه ورغم ذلك كله لا زلنا نتمتع بالمعنويات العالية والإرادة القوية وعزيمة الصمود والأمل الذي لن نتخلى عنه. وحتى عندما سلمتني إدارة السجن قرار التجديد لمدة 3 شهور قبل يومين لم أتأثر رغم إدراكي أن زوجتي وأطفالي ينتظرونني وشعوري بحزنهم لأننا نملك كل مقومات الصبر والصمود والإيمان التي تبشرنا بالحرية والكرامة فلن يدوم السجن وبإذن الله كل الأسرى على موعد قريب مع فجر الحرية

 

س: كونك أحد قادة الحركة الأسيرة، وشاركت في الجهود التي بذلتها القوى والفصائل في السجون لدعم الحوار والمصالحة .. كيف تقيم الوضع الراهن على الساحة الفلسطينية ؟

ج : عذابات المنافي وآلام الإبعاد والتغييب في الشتات والسجون أخف وطأة وأقل تأثيراً من كارثة الانقسام .. وللأسف فإن الحركة الأسيرة بكل قواها وفصائلها تعيش حالة من الحزن والألم لتفاصيل المشهد المأساوي على الساحة الفلسطينية والتي لا زالت تعيش إرث وتداعيات نكستنا الجديدة منذ الانقسام الذي يقود قضيتنا نحو التهلكة والضياع، بينما يستغل الاحتلال الوضع الدولي والعربي وخاصةً بعدما أعلنته أمريكا من مواقف مؤخراً والتي بالأصل كنا نتوقعها لأننا لم نكن نراهن أبداً عليها كونها حليف إسرائيل الاستراتيجي لتصعيد حملاته بكافة الاتجاهات وخاصة بعد فوز حكومة نتنياهو والتي تسابق الزمن في مخطط ممنهج لنهب ما تبقى من أراضينا وتعزيز الاستيطان وتهويد القدس، يترافق ذلك مع حملات الاعتقال والدهم وسقوط المزيد من الضحايا الأبرياء، فيما يهدد الحصار والطوق شعبنا بأوضاع كارثية كلها تؤكد أن أي حديث عن العودة للمفاوضات طريق مغلق رغم أننا كنا دوماً على قناعة بعدم جدوى المفاوضات لأن إسرائيل غير معنية بالسلام، بل ولطالما حذرنا من استغلالها له لتضليل العالم بينما تمارس سياسة التجويع والحصار والجدار والاغتيال والاعتقال.

وإننا إذ نؤكد إننا كشعب فلسطيني يؤمن بالسلام ويكره الحروب والدم نشدد على أننا لن نفرط بثوابتنا وبحقوقنا ومقدساتنا وكرامتنا، فالسلام يعني الخلاص من الاحتلال والاستيطان والجدار والسلام الذي نناضل في سبيله عنوانه الوحيد حريتنا الكاملة غير منقوصة وعودة كافة أراضينا المحتلة وفي مقدمتها القدس وعودة المبعدين واللاجئين لديارهم الأصلية ورفض التوطين والتعويض وتحرير كافة الأسيرات والأسرى جميعا من فلسطينيين وعرب وتبييض السجون وإعادة جثامين الشهداء وبكلمات زوال الاحتلال لنعيش كباقي البشر أما الحديث عن المفاوضات وإشارة هنا وهناك فإنها تعيدنا للمربع الأول الذي لم يحقق أي تقدم ويجب على كافة الفصائل إعادة دراسة خياراتها في ضوء تجربتنا الفلسطينية لتحديد برامجنا ومهامنا للوصول للأهداف التي ضحى في سبيلها الشهداء والجرحى والمعتقلين فالمفاوضات استفاد منها الاحتلال كما هو المستفيد والرابح الأول والوحيد من استمرار الانقسام.

المصالحة والانقسام.

 

س : مرة تلو أخرى تكررت عمليات انجاز اتفاق المصالحة ومن موقعكم كأحد قادة الحركة الأسيرة كيف ترون المخرج ؟

ج : ببساطة مفتاح الباب الوحيد لإنهاء الانقسام نمتلكه نحن كفلسطينيين ووحدنا من يقرر بأي اتجاه تسير مراسي سفينتنا التي تتقاذفها رياح الانقسام العاتية المؤلمة والقاسية والتي يفوق طعم مرارتها على كل لحظات السجن والاعتقال والمفتاح الفلسطيني لحماية بوابتنا وما خلفها من أهداف وتضحيات وآمال هو الاحتكام لمصلحة شعبنا وحقوقه وثوابته وتضحياته ولفلسطين والقدس فما يجري من تأجيل ومماطلة وإلغاء وتضارب في المواقف والتحليلات والرؤى وتبادل الاتهامات لم يعد مقبولا لأصغر طفل فلسطيني.

لقد حان الوقت لنقول الأشياء الحقيقية ونسمي الأمور بأسمائها لنضع الجميع على المحك، فالبوصلة محددة والطريق واضحة، والهدف هو استعادة وحدتنا وحماية أرضنا والدفاع عن دماء الشهداء وإنهاء كافة الملفات والقضايا، ورغم أننا شعرنا بتفاؤل بعدما قطعت المفاوضات والأحاديث عن الورقة المصرية شوطاً طويلاً فإن التأجيل شكل صدمةً قاسيةً لنا، لذلك فإننا نناشد كافة القوى أن تتكاثف معا وتتفق على الثوابت والمعايير التي تعتبر فلسطين أرضاً وشعباً وهوية وقضية أساساً لها لتمارس كل أشكال الحوار والإقناع على حركتي "حماس" و"فتح" للعودة لحوار يقود لنتيجة تنتصر لشعبنا، وإننا نناشد الجميع باسم دماء الشهداء أن يرتقوا لمستوى المسؤوليات ونبذ الفرقة والخلاف والقفز على كل الجراح والآلام رغم أوجاعها لفتح صفحة جديدة لأن قضيتنا وصلت لأخطر مفترق مصيري أمام تصريحات أمريكا ومواقف وسياسات حكومة نتيناهو وغياب الموقف العربي فلم يبقَ لنا ولشعبنا ولفلسطين سوى فلسطينينا التي نفخر بها والتي يجب أن تكون الحاكم والعامل الحاسم والفيصل لتذهب الكراسي والوزارات والمقاعد والمناصب للجحيم أمام دمعه أم فلسطينية وعذابات طفل لاجئ وأنات معتقل أسير وليغلق ملف الاعتقال السياسي المؤسف والمؤلم ولنستبدل الحديث عن الانتخابات بالعمل المتواصل حتى نعيد مصالحة الذات فهي ليست بأهم من شعبنا وقضيتنا ونرى أن الحل هو انجاز المصالحة فورا دون شروط أو تأجيل.