خبر النظام العربي والخيارات البديلة لعملية السلام .. د‏.‏ محمد السعيد إدريس

الساعة 10:29 ص|24 نوفمبر 2009

بقلم: د‏.‏ محمد السعيد إدريس

بدأت عملية السلام العربية ـ الإسرائيلية رسميا في مؤتمر مدريد للسلام‏(‏ أكتوبر ـ نوفمبر‏1991)‏ بمشاركة العديد من الدول العربية‏,‏ بعضها كان مضطرا‏,‏ وبعضها كان راغبا‏,‏ خصوصا أن هذه العملية بدأت منذ لحظاتها الأولي مشوهة‏,‏ وتمت هندستها وفقا لشروط إسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل الأسبق‏.‏

كانت هذه العملية إحدي ثمرتين أساسيتين للحرب التي جرت في الخليج لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي‏,‏ أما الثمرة الثانية فكانت الهيمنة الأمريكية علي الأمن في الخليج من خلال اتفاقيات ثنائية بين الولايات المتحدة وكل من دول مجلس التعاون الخليجي علي حدة‏.‏

وإذا كانت عملية السلام هذه التي بدأت منذ‏18‏ عاما قد نجحت علي المسار الأردني‏(‏ اتفاقية وادي عربة‏)‏ وفشلت علي المسارين السوري واللبناني‏,‏ فإنها ظلت مراوغة ومخادعة علي المسار الفلسطيني وهو الأهم بعد أن وقع الفلسطينيون اتفاقية أوسلو عام‏1993‏ عبر مسار آخر‏(‏ سري‏)‏ للتفاوض‏,‏ الذي كان من أهم نتائجه تأسيس السلطة الفلسطينية ودخولها إلي أريحا ورام الله‏,‏ وعقد اتفاقيات أمنية ثنائية فلسطينية ـ إسرائيلية تحولت القوات الأمنية الفلسطينية بموجبها إلي قوات مهمتها الأساسية هي حماية الاتفاقية شكلا وحماية إسرائيل موضوعا من المقاومة‏,‏ وتحول التنسيق الأمني الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلي سيف استطاع أن يمزق الجسد الفلسطيني ويهدد وحدته‏,‏ بعد أن شوه السلطة وحولها في أعين الفلسطينيين في الداخل إلي أداة إسرائيلية دون الحصول علي ما يحفظ ماء الوجه‏.‏ لو افترضنا حسن النيات نستطيع أن نقول إن تضحيات السلطة الفلسطينية كانت هائلة‏,‏ وتنازلاتها كانت فادحة‏,‏ ومنها تنازلات محمود عباس بخصوص حق العودة وإبداء استعداده للتفاهم حوله بما يعني إمكان التراجع عنه بأثمان بديلة‏,

‏ لكن كل رهانات السلطة علي هذه العملية باءت بالفشل ووصلت إلي طريق مسدود‏,‏ بعد التراجع الأمريكي عن التزامات علنية بجعل وقف إسرائيل لسياسات الاستيطان شرطا أساسيا لبدء عملية التفاوض مجددا بعد أن توقفت مع نهاية عهد حكومة إيهود أولمرت السابقة‏,‏ فقد غيرت واشنطن موقفها من جعل وقف الاستيطان شرطا لاستئناف التفاوض إلي بند يطرح للتفاوض‏.‏

الجميع يدركون الآن أن عملية السلام وصلت إلي نهايتها ربما باستثناء معظم الدول العربية التي رأت في هذه العملية فرصة لإراحة رأسها من هموم القضية الفلسطينية‏,‏ وتصدير الأزمة للفلسطينيين من ناحية‏,‏ وإيجاد مبررات التطبيع لمن يريد من ناحية ثانية‏,‏ والأهم هو ضمان أنه لن تكون هناك حرب جديدة مع إسرائيل في ظل استمرار هذه العملية‏,‏ أي أن عملية السلام تحولت إلي مصلحة لدول عربية بغض النظر عن فائدتها بالنسبة للشعب الفلسطيني‏.‏

لكن يبدو أن إصرار النظام الرسمي العربي علي الصمت بألا يقول شيئا‏,‏ إما خوفا من تحريك المياه الراكدة أو حرصا علي مصالح والتزامات‏,‏ لن يغير من حقيقة أن عملية السلام في مأزق‏,‏ وأن من الضروري الشروع في بناء البدائل‏,‏ والبحث عن حلول‏.‏ أول هذه الأفكار التي لا يمكن اعتبارها بديلا لعملية السلام بقدر ما يمكن أن تكون بديلا لما يوصف بـ الجمود الخطير لعملية السلام هو فكرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعقد مؤتمر قمة موسع في باريس يضم الرئيس الفلسطيني ورئيس الحكومة الإسرائيلية وقادة كل من اللجنة الرباعية الدولية ومصر والسعودية لتهيئة ظروف مناسبة لبدء عملية تفاوض جديدة ضمن الوعود السابقة التي كانت ومازالت تتردد منذ سنوات‏,‏

أي الدولة الفلسطينية علي حدود الرابع من يونيو‏1967‏ مع بعض التعديلات الضرورية‏(‏ من وجهة نظر الأمن والمصالح الإسرائيلية‏),‏ لكن مشكلة هذه الفكرة أنها تريد أن تتجاوز شرط الالتزام الإسرائيلي بالتوقف عن سياسة الاستيطان‏,‏ ناهيك عن الرفض الأمريكي الأكيد لمنح باريس هذا الشرف في وقت تدرك فيه واشنطن عجزها عن نيله بعد أن تأكدت الإدارة ورئيسها باراك أوباما في أثناء وعقب اللقاء الفاتر مع بنيامين نيتانياهو في واشنطن من عدم وجود فرصة حقيقية لاستئناف عملية السلام‏.‏

أما البديل الثاني المطروح الآن فهو مبادرة وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق شاؤول موفاز‏,‏ بإقامة دولة فلسطينية علي مرحلتين‏:‏ الأولي إقامة دولة ذات حدود مؤقتة في قطاع غزة و‏60%‏ من مساحة الضفة الغربية‏,‏ والثانية توسيع حدود هذه الدولة وفقا للاتفاق الذي وافق عليه الطرفان بحيث تشمل هذه الدولة‏92%‏ من مساحة الضفة‏,‏ بالإضافة إلي غزة‏(‏ لكن باستثناء القدس التي يعتبرها عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل اليهودية‏,‏ وتكاد تبتلع بعد توسيعها أكثر من ربع مساحة الضفة الغربية‏).‏

موفاز يبرر مبادرته بأنه يريد كسر الجمود وإعطاء دفعة لتحريك عملية السلام‏,‏ لكنه كان واضحا حول ضرورة ضم المستوطنات الرئيسية إلي إسرائيل‏,‏ وأبدي استعداده للتفاوض مع حركة حماس‏,‏ في إشارة غزل يأمل منها التجاوب مع مبادرته‏.‏

أما المبادرة الثالثة فهي مبادرة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بالتوجه إلي الأمم المتحدة للحصول علي قرار بإعلان قيام الدولة الفلسطينية هذه المبادرة تواجه الكثير من المشكلات‏,‏ أولها الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن والرفض الأوروبي‏,‏ مما يجعل البديل هو إعلان الدولة من طرف واحد دون اللجوء إلي الأمم المتحدة علي غرار كوسوفا لعلمها أنها لا تستطيع الحصول علي موافقة مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي‏,‏ لكن نيتانياهو كان سريعا في رده الرافض وبعنف لهذا البديل‏,‏ مؤكدا أن محادثات السلام مع إسرائيل فقط هي التي تضمن قيام دولة فلسطينية‏,‏ وأنه ليس هناك بديل للمفاوضات‏,‏ وأن أي إطار أحادي لن يكون من شأنه سوي نقض عمل الاتفاقيات بيننا‏,‏ ولن يأتي إلا بخطوات أحادية من جانب إسرائيل‏,‏ ومن بين هذه الخطوات الأحادية إعلان إسرائيل ضم الكتل الاستيطانية بشكل أحادي الجانب‏.‏

هذا الرفض الإسرائيلي لهذا البديل لم يقل عنه الرفض الفلسطيني خاصة من حركة حماس التي اعتبرته عديم الجدوي وهدفه الهروب من الاستحقاقات الوطنية‏,‏ علاوة علي أنه مضيعة للوقت‏.‏

ويأتي البديل الرابع ليكشف مدي عمق الأزمة ففي حفل تأبين للزعيم الراحل للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن الحركة تعد مبادرة سياسية ستدعو إليها جميع الفصائل الفلسطينية تقوم علي أساس رفض التسوية التي أثبتت فشلها‏,‏ وتبني خيار المقاومة لانتزاع الحق الفلسطيني‏.‏ مشعل وصف اقتراح السلطة بإعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد بأنه نوع من العبث‏,‏ وشدد علي أن الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق يتمثل في تبني جميع الفصائل الفلسطينية‏,‏ دون استثناء‏,‏ خيار المقاومة‏,‏ وأن الذهاب إلي خيار إعلان الدولة هو مزيد من التضليل لأنه لا يمكن قيام الدولة المستقلة فعليا إلا بعد تحرير التراب الفلسطيني‏.‏

خيارات أربعة تفرض نفسها لم تتحول بعد إلي بدائل لكنها أفكار لكل منها أهدافه ومتطلباته‏,‏ وبات علي النظام العربي أن ينفض عن نفسه ركام همومه‏,‏ وأن يبادر هو بتقديم البدائل شرط أن تكون ملتزمة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني‏,‏ وأن تعود فلسطين قضية مركزية جامعة لوحدة العرب‏,‏ وليس مبررا لتفككهم وتشرذمهم‏.‏