خبر الملازمة المقدسية .. هآرتس

الساعة 10:10 ص|23 نوفمبر 2009

بقلم: عكيفا الدار

الى مستشفيات الامراض العقلية في القدس يصل بين الاونة والاخرى سياح، صوت من السماء بشرهم بأنهم المسيح بن داود. المرض، المعروف كـ "الملازمة المقدسية"، ينتهي بشكل عام مع توديع المدينة. بالمقابل، الاسرائيليون، ولا سيما الشخصيات العامة، يعانون منذ 42 سنة من الملازمة المقدسية، التي تتميز بتشويش الفارق بين الواقع والخيال. القدس تصبح ديزني لاند الشعب اليهودي.

لدى الكثيرين هذه الظاهرة المقلقة تنتشر الى مناطق اخرى. هذا يبدأ بتحويل قرية عربية في مركز الضفة الغربية الى "حي مقدسي"، وينتهي بتعريف ذاتي لارض محتلة في قلب الضفة، مثل اريئيل، كـ "كتلة استيطانية". في البداية نحن نصمم لانفسنا واقعا جديدا، وبعد ذلك نتوقع من كل العالم ان يتبناه، نطالب الجيران بأن يدفعوا الثمن ونشكو من انه لا يوجد شريك.

ماذا يريدون منا؟ ضج كرجل واحد الرئيس ورئيس البلدية، وزراء الحكومة ورئيسة المعارضة "جبل جيلو هو في قلب الاجماع". ماذا يعني هذا الاجماع؟ مذكرة: في حزيران 1967 ضمت اسرائيل الى القدس نحو 70 كيلومتر مربع من اراضي الضفة، بينها 28 بلدة وقرية فلسطينية لم تعتبر ابدا جزءا من المدينة (اراضي القدس الاردنية كانت 6 كيلومتر مربع، بما في ذلك البلدة القديمة التي تبلغ مساحتها ليس اكثر من كيلومتر مربع واحد).

منذئذ صودرت نحو 30 في المائة من اراضي شرقي القدس لغرض اقامة احياء جديدة لنحو 200 الف اسرائيلي. بالفعل، يوجد في اوساط الاسرائيليين اجماع في ان اتفاق السلام سيتضمن تبادل للاراضي يبقي جيلو ضمن السيادة الاسرائيلية. ولكن ليس من خلال خطوة من طرف واحد لم تعترف بها أي دولة. في العالم يوجد اجماع من الحائط الى الحائط، في ان شرقي القدس هي في افضل الاحوال ارضا موضع خلاف؛ وفي العالم العربي يوجد اجماع على انها ارض محتلة.

الواقع السائد في المدينة منذ 67 يخلد الهوة العميقة التي تفصل بين شطريها، بين الشعبين اللذين يعيشان فيها وبين الشعارات الفارغة وبين الواقع على الارض. وهكذا مثلا، احتج رئيس بلدية القدس نير بركات، بصوت عال على ادارة اوباما التي تميز، برأيه، بين سكان المدينة "على خلفية الدين والقومية". من الصعب الافتراض بأن بركات لا يعرف بأنه حسب القانون فان المواطن الاسرائيلي وحده، او من يستحق حق المواطنة حسب قانون العودة، من حقه ان يشتري ملكا يوجد على اراضي الدولة. ولما كان الفلسطينيون في شرقي القدس هم مقيمون في المدينة ولكنهم ليسوا مواطنين في الدولة، فانهم لا يحق لهم ان يشتروا املاكا في ثلث اراضيهم التي صودرت من ايديهم لاقامة احياء/ مستوطنات اسرائيلية. والنتيجة: اكتظاظ السكن في الاحياء العربية هو نحو ضعف الاكتظاظ في الاحياء اليهودية (11.9 متر مربع للفرد مقابل 23.8 متر مربع للفرد).

في مجتمع ديمقراطي مثل المجتمع الاسرائيلي من المسلم به ان توحيد شطري مدينة ما يترافق والمساواة بين كل سكانها. اما في الواقع: نحو نصف التلاميذ الفلسطينيين في القدس الشرقية لا يتعلمون في الجهاز التعليمي البلدي؛ نحو 9000 منهم لا تعرفهم سلطات التعليم ولا تعرف اذا كانوا يتعلمون على الاطلاق. وزارة التعليم وبلدية القدس تعهدتا امام محكمة العدل العليا ببناء على ما لا يقل عن 645 صف تعليم في شرقي القدس لتعويض النقص بأكثر من 1350 صفا. عمليا بنية اقل من 100 صف جديد. التلوث، الاهمال والطرق المحطمة ترسم بوضوح حتى اليوم الحدود بين الشعبين اللذين يعيشان في المدينة.

شمعون بيرس سافر امس الى مصر. منذ اشهر وبيرس يقوم بالعجائب في البلاد وفي الخارج لترويج خطة دولة فلسطينية مؤقتة، وتأجيل البحث في القدس الى ايام افضل. التحفظ الثابت من جانب الفلسطينيين من هذه الفكرة لا يثير انطباعه. حسب رئيسنا المحب للسلام فانه كون القدس توجد في اعماق الاجماع الاسرائيلي فان على العرب ليس فقط ان يخزنوا اجماعهم بالنسبة للقدس بل وان يوافقوا على ان في هذه الاثناء، الى ان نستعد لان نضعها على طاولة المفاوضات، ان نواصل التصرف في شرقي القدس كما نشاء. لنا فقط.

سلوك اسرائيل في القدس والظواهر المرافقة التي نشأت في اعقاب انتقاد خطة البناء في جيلو تشير الى ان ملازمة القدس تسللت الى كل انسجة المجتمع. لم يتبق غير الصلاة الا يكون هذا المرض عديم الشفاء.