خبر فجأة يريدون (حقا) دولة .. إسرائيل اليوم

الساعة 10:16 ص|22 نوفمبر 2009

بقلم: عينات فيلف

د. مشاركة كبيرة في معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي،

 محاضرة وتكتب في مواضيع السياسة والمجتمع في اسرائيل

تنشغل القيادة السياسية الاسرائيلية مؤخرا، وان كان في ظل اظهار الاستخفاف – بالتهديد المحتمل لاعلان استقلال فلسطيني في الضفة الغربية وفي غزة، دون مفاوضات او موافقة من جانب اسرائيل. وسواء كان اعلان كهذا ام لا، فان "التهديد" الحقيقي" يكمن ليس في مجرد الاعلان بل في امكانية أن تكون تعكس تغييرا ثقافيا واحدا في اوساط الفلسطينيين.

لقد تميزت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ اوائل عهدها بثقافة حادة من  عدم قبول المسؤولية. من زاوية نظر الفلسطينيين لم يكن وضعهم ابدا نتيجة لقراراتهم، أفعالهم او سلوكهم. الاخرون كانوا المسؤولين – القوى العظمى، البريطانيين، الامم المتحدة، الدول العربية وفوق كل شيء الصهيونية والاحتلال. لا يهم على ماذا ولماذا – اصبع الاتهام وجه نحو الخارج. في العالم الذي يكون فيه الجميع مذنبا باستثنائك، فان السبيل الوحيد للعمل هو المقاومة – الكلمة الاساس في الهوية الفلسطينية.

لقد وجه الفلسطينيون طاقتهم نحو التمرد والمقاومة وتصرفوا كمراهقين خالدين غير قادرين على أن يتوقفوا عن اتهام الاخرين بظروف حياتهم وتصميم حياتهم بأيديهم. وأكثر من أي شيء آخر وجدت هذه الثقافة تعبيرها في شخصية عرفات، الذي كان أسير شخصية زعيم المقاومة على حساب امكانية بناء دولة.

هذه الثقافة كانت مريحة لدولة اسرائيل. الصهيونية، التي كان كل جوهرها أخذ المسؤولية وجدت لنفسها مكانة مريحة مع ثقافة انعدام أخذ المسؤولية لدى الفلسطينيين.

اسرائيل، التي تبني بلا انقطاع، تعلمت كيف تصد مقاومة الفلسطينيين وتحتمل اصابع الاتهام فيما تواصل العمل دون عراقيل حيال انعدام قدرة الفلسطينيين على اخذ المسؤولية عن حياتهم.

غير أنه مؤخرا تطرح الامكانية في أن يكون يجري تحت السطح تغيير ثوري. منذ بضع سنوات تعمل بصمت عناصر عديدة بالقيادة الواثقة من الجنرال دايتون، طوني بلير ورئيس الوزراء سلام فياض، من أجل بناء دولة فلسطينية من الاساس. يحتمل انه عندما ساعدت اسرائيل في خطوة بناء المؤسسات الفلسطينية الذي بدأ قبل بضع سنوات كان هناك كثيرون رأوا في ذلك وسيلة ممتازة لاشغال الاوروبيين المفعمين بالنوايا الطيبة وفياض الفراشة في العاب الليغو حتى نهاية الاجيال، انطلاقا من الفرضية بان الفلسطينيين غير قادرين على الانقطاع ثقافيا عن عكازات الاتهامات كي يقيموا مسيرة بناء. وقد نبع الاستخفاف أيضا من أن فياض تجرأ على أن يكون خريج جامعة تكساس، بدلا من ان يكون خريجا للسجون الاسرائيلية.

لفياض، الذي لا يوجد في ماضيه عمليات ارهابية، سمات شخصية تستبعده ظاهرا عن كل قيادة فلسطينية. القيادة الاسرائيلية تبحث عن "مقاتلين" وفي كل مرة تمجد برغوثي جديد. غير أنه يخيل أن سلام فياض وشركاءه  بالذات اخذوا موضوع ضريبة المسقفات والصرف الصحي بجدية وتوجهوا بنشاط ومنهاجية – دون تباكي – نحو بناء دولة بكل عناصرها القاتمة الى هذا الحد او ذاك.

كلما تقدمت الخطوة وحققت نجاحا يأخذ التغيير الثقافي فينال الزخم والثبات. بالنسبة لفياض فان اعلانا احادي الجانب عن دولة فلسطينية ليس خطوة عقيمة مثل تلك التي جرت في 1988 بل ذروة مسيرة تبني فيها الدولة الفلسطينية مؤسساتها عمليا.

التهديد الاكبر على السياسة الاسرائيلية يأتي بالذات من جهة موظف قاتم يقود تغييرات ثقافيا ثوريا من البناء وأخذ المسؤولية في أوساط الفلسطينيين – وهو التغيير الذي يترك الاسرائيليين، الذين اعتادوا منذ زمن بعيد على فلسطينيين يتهمون كل العالم باوضاعهم وينشغلون بمقاومة العدو الصهيوني فيما يضيعون كل فرصة لبناء دولة بأنفسهم، دهشين، مشوشين وفي بعضهم ايضا آملين.