خبر ما وراء الدعوة لـ « مفاوضة حماس » .. برهوم جرايسي

الساعة 11:08 ص|21 نوفمبر 2009

بقلم: برهوم جرايسي 

ثار جدل في الحلبة السياسية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، في أعقاب إعلان رئيس أركان الحرب الإسرائيلي الأسبق ووزير الحرب الأسبق، عضو الكنيست عن حزب «كاديما» المعارض شاؤول موفاز، عن خطته السياسية للحل الدائم مع الفلسطينيين، ودعوته في مؤتمر صحافي لحكومة إسرائيل إلى مفاوضة حركة حماس في حال فازت في الانتخابات الفلسطينية المقبلة.

وقبل الدخول في حقيقة هذه الدعوة والغرض من ورائها، نستعرض هنا الخطوط العريضة لهذه الخطة، ولنقل إنها من حيث المبدأ لم تأت بجديد، بل هي مجرد لملمة لسلسلة خطط إسرائيلية ظهرت على مر السنين، تختلف في الصياغات ولكن جوهرها واحد، ولهذا فإن الجانب الفلسطيني يرفضها.

وتدعو الخطة في المرحلة الأولى إلى إقامة دولة فلسطينية مؤقتة على حوالي %50 من مساحة الضفة الغربية المحتلة، علما أن مفهوم «مساحة الضفة» في قاموس الاحتلال الإسرائيلي لا يشمل القدس المحتلة وضواحيها، وهي تشكل حوالي %10 من مساحة الضفة الغربية، وفي إطار المرحلة الأولى تعلن إسرائيل عن ضم الكتل الاستيطانية الضخمة لإسرائيل، ويجري الحديث عن الكتل الاستيطانية في القدس ومنطقتها الكبرى، وكتلٍ في غربي الضفة الغربية، على أن تكون هذه الحدود الشرقية لإسرائيل، حسب نص الخطة، وفي المرحلة الأخيرة تقام الدولة الفلسطينية على نفس حجم مساحة الضفة الذي كان في عام 1967، بمعنى أن تتم مبادلة أراضٍ مع مناطق 1948.

وهذه خطة مليئة بالألغام، عوضا عن أنها تتجاهل كليا حق عودة اللاجئين، وهي غير واضحة في مسألة القدس، ولهذا فقد رفضتها القيادة الفلسطينية كليا.

ولكن من منظور إسرائيلي داخلي، فإن مجرد إعلان خطة كهذه، هو «قفزة كبيرة» بالنسبة للدموي ومجرم الحرب بامتياز، شاؤول موفاز، صاحب المواقف اليمينية المتشددة، والجرائم التي نفذها خلال عمله وقيادته لجيش الاحتلال، وكان مما دل على عقليته الإجرامية، أنه حين كان وزيرا للحرب عام 2003، التقطه ميكروفون القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، يهمس في أذن رئيس حكومته أرئيل شارون، مقترحا عليه اقتحام مقر المقاطعة في مدينة رام الله المحتلة من أجل اعتقال القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقال «إن هناك خطة والأمر ليس معقدا، اسمعني جيدا».

أما حكاية دعوته لمفاوضة حركة حماس في حال فازت في الانتخابات الفلسطينية المقبلة، فإن الأمر ليس كما نُشر في وسائل الإعلام، وما تم تناقله هو نصف العبارة التي أطلقها، لأن موفاز قال إن مفاوضة كهذه تتم فقط في حال قبلت حركة حماس بشروط اللجنة الرباعية الدولية، وهي الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بالاتفاقيات التي أبرمتها معها منظمة التحرير الفلسطينية، ونبذ ما يسميه الاحتلال الإسرائيلي «إرهابا»، وبهذا فإن موفاز لم يأت بجديد، لأن هذا الأمر طرحته الحكومة الإسرائيلية السابقة.

ولكن من منظور فلسطيني داخلي، فإنني أقترح ألا نقرأ الدعوة «لمفاوضة حركة حماس» في سياق الصراع الداخلي الفلسطيني وموازين القوى الفلسطينية الداخلية، وألا يسارع أي طرف لاعتبار هذا مكسبا لهذا الطرف أو ذاك، بل يجب قراءة الدعوة بموجب المفاهيم الإسرائيلية المتسترة من خلفها.

فحينما يقول موفاز «مفاوضة حماس في حال فازت في انتخابات السلطة الفلسطينية»، فإن القصد ليس حركة حماس عينياً، وإنما الجهة السياسية الفائزة بالأغلبية في هيئات السلطة الفلسطينية، وهو لم يذكر حركة فتح، لأنها أصلا حاضرة في وفود المفاوضات.

وهنا تكمن الخطورة في الخطاب الإسرائيلي، لأن المفاوضات يجب أن تجري مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل كافة أبناء الشعب الفلسطيني، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون خارج الوطن، وتحاول إسرائيل تدريجيا تجاهل منظمة التحرير واعتبار السلطة الفلسطينية على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، هي المفاوض أمامها، وهذا بتوجيه من العقلية التي تتملك المؤسسة الإسرائيلية، وتريد جعل المفاوضات في نهاية المطاف تدور حول شؤون الحياة اليومية للفلسطينيين في المناطق المحتلة، وليس قضية شعب أرضه احتلت والملايين منه مهجّرون خارج الوطن.

وللأسف الشديد، فإن القيادة الفلسطينية على مر السنين، وبسبب ازدواجية المناصب بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أسهمت من حيث لا تدري في تغييب منظمة التحرير الفلسطينية عن واجهة المفاوضات، كما أن دور المنظمة كمرجعية أساسية للمفاوضات وللسلطة غاب في السنوات الأخيرة، وهذا أيضاً مؤشر خطير حذرت منه عدة فصائل فلسطينية منذ سنوات، وفي الآونة الأخيرة بتنا نسمع خطابا فلسطينيا يسعى لتصحيح الأمر.

قد يكون لجهة فلسطينية ما أو أكثر موقفٌ من منظمة التحرير لأسباب مختلفة، ولكن هذا يبقى في إطار الخلاف الفلسطيني الداخلي، ونأمل أن يثمر الحوار الفلسطيني الداخلي، الذي لا نرى نهايته، توسيع صفوف المنظمة بما يخدم المشروع الوطني الفلسطيني، لكن يجب عدم السماح لهذا الخلاف أن يلج إلى حلبة خارجية، بشكل يخدم من دون قصد الهدف الإسرائيلي المبطن ضد منظمة التحرير الفلسطينية نظرا لما تمثله. كذلك على قيادة المنظمة أن تسارع باتخاذ إجراءات لفصل السلطة الفلسطينية عن مسار المفاوضات مع إسرائيل. فالوزير -أي وزير- في السلطة الفلسطينية، يجب ألا يكون في أي إطار تفاوضي مع الجانب الإسرائيلي طالما ليس له منصب في منظمة التحرير الفلسطينية يخوّله المشاركة في المفاوضات كممثل للمنظمة وليس السلطة، وأعتقد أنه يجب إعادة النظر في وظائف السلطة الفلسطينية لتكون عينية فقط للحياة اليومية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وترك الأمور المصيرية لمنظمة التحرير ومنها عملية المفاوضات. إن أحد أبرز معالم تداخل الوظائف المسيء للقضية، بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، هو وجود «وزير خارجية» للسلطة الفلسطينية، فالسلطة يجب أن تكون خاضعة لمنظمة التحرير، على أن تكون المنظمة هي الواجهة في العلاقة مع الأسرة الدولية وليس السلطة، وإلا نكون ومن دون قصد، قد تماشينا مع ما تخطط له إسرائيل، وهذا بطبيعة الحال ليس مسألة رمزية.