خبر إنقاذ « فتح » أم إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني؟! .. عريب الرنتاوي

الساعة 11:06 ص|21 نوفمبر 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

أضاء تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة الأزمات الدولية ، جوانب مختلفة للأزمة البنيوية التي تعيشها حركة فتح ، وهو - التقرير - إذ رأى في المؤتمر العام السادس الأخير الذي عقدته الحركة ، ما "فاق التوقعات" ، أعرب عن اعتقاده بأن الحركة لم تستنفد أدوارها التاريخية بعد ، لافتا إلى أنها تعاني من فقدان هوية واتجاه ، عارضا مجموعة من الأسئلة الاستراتيجية التي يتعين على فتح أن تجيب عليها ، من بينها إعادة تعريف مشروعها الوطني وبناء تحالفاتها وتحديد علاقاتها بالسلطة والحكومة وحماس إلى غير ما هنالك.

التقرير الذي جاء تحت عنوان عام هو: إنقاذ فتح ، يحمل مجموعة من الأفكار التي تناولها مثقفون ومفكرون وسياسيون فلسطينيون بالجملة والمفرق ، مرارا وتكرارا ، من دون أن تشق أي منها طريقها إلى "مؤسسات صنع القرار" الفلسطيني ، لعل أهمها ضرورة عودة الحركة إلى المزاوجة بين نشاطها السياسي والدبلوماسي (التفاوضي) من جهة ونشاطها الكفاحي (المقاوم) بأشكاله الشعبية واللاعنفية (أو حتى تلك التي تقع في منزلة وسط بين العنف واللاعنف) من جهة ثانية ، حتى وإن أغضب هذا التوجه الولايات المتحدة وأوروبا ، فواضعو التقرير على ما يبدو يقيمون وزنا "لشعبية الحركة ونفوذها" أكبر من الاهتمام الذي يولونه لدرجة الرضا أو "الزعل" الأوروبي ـ الأمريكي عليها.

قيمة هذا التقرير لا تكمن في مضمونه أو في هوية الجهة التي أعدته فحسب ، بل وفي توقيته أساسا ، فالجدل المحتدم داخل فتح هذه الأيام حول "الخطوة الفلسطينية التالية" تكشّف عن وجود تيارات ومدارس ، وظهّر إلى السطح ، عدة خيارات وسيناريوهات تنتظر كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل استرداد حريته واستقلاله ، لعل أهمها على الإطلاق ذاك الذي يدعو لإطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة ، أكثر شعبية ومدنية وأقل عسكرة وتسليحا ، انتفاضة تعيد انتاج تجربة بلعين ونعلين وتعميمها على مختف المناطق الفلسطينية المحتلة.

الرئيس عباس طالما سخر من صواريخ حماس العبثية ، ومساعدوه طالما جعلوا منها مادة للتندر..حسنا ، لا بأس ، ولكن ها نحن نشهد وصول خيار "المفاوضات حياة" إلى طريق مسدود ، فماذا نحن فاعلون؟

إن كانت المفاوضات طوال الأعوام الثمانية عشرة الماضية "عبثية" بامتياز ، ولم تفض إلى أية نتيجة كما قال "كبير المفاوضين" وصاحب نظرية "المفاوضات حياة" نفسه...وإذا كانت "الصواريخ "عبثية" بدورها ولم تجلب إلا الخراب المقيم في غزة والقطاع وفقا لهذه المدرسة ، فليدلنا الأخوة الأفاضل على طريق تنجينا من "عذاب الاحتلال الأليم" وتفتح أفقا أمام الشعب الفلسطيني ومستقبل قضيته الوطنية؟.

في ظني أن اتجاها فلسطينيا عريضا ، خصوصا في الضفة الغربية ، آخذ في التبلور والتنامي ، يدعو لمزاوجة خلّاقة بين خياري العمل السياسي والمقاومة بأشكالها الشعبية والجماهيرية ، وبصورة تستدعي سيناريو الانتفاضة الأولى ، وتتفادي المواجهات غير المحسوبة وعالية الكلفة التي صاحبت ا لانتفاضة الثانية ، وهذا التوجه على ما يثيره من جدل ، يجابه باعتراضين رئيسيين: واحد من على يمينه وثانْ من على يساره ، فأصحاب مدرسة "بناء الدولة تحت الاحتلال" لن يروقهم أي فعل شعبي فلسطيني قد يعطل طريقهم أو يعرقل مسعاهم ، وأصحاب الشعارات "الفوق ثورية" أو من تبقى منهم ممن استبدلوا نظرية "قل كلمتك وامشي" بنظرية "أطلق صاروخك وأمشي" ، لن يعجبهم هذا التوجه كذلك.

لكن وحتى لا يظل مستقبل الشعب الفلسطيني نهبا لتجاذبات من هذا النوع ، فإن المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى ، ومن حركة فتح بالذات ، وفي الضفة الغربية على وجه الخصوص ، أن تطور "نظرية للمقاومة" تستلهم واقع الضفة الغربية ومعطياته وشروطه وتكون كفيلة ببناء إجماع وطني خلف المشروع الوطني الفلسطيني.

مثل هذا التوجه ، ليس كفيلا بمعالجة استعصاء عملية السلام ومأزق المفاوضات وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني فحسب ، بل وهو الطريق الوحيد ، أو الاختبار الأخير لقدرة الحركة على استرداد روحها واستنفاد ما تبقى لها من أدوار - وفقا لتقرير مجموعة الأزمات - هذا إن بقي للحركة دور تضطلع به ، خارج نطاق السلطة وهوامش عملية السلام وحواف المفاوضات.