خبر اعادة النظر.. اسرائيل اليوم

الساعة 11:02 ص|20 نوفمبر 2009

بقلم: حيمي شليف

هل انتم ترون العالم بمفاهيم الابيض والاسود كصراع يدور بين الاخيار والاشرار؟ هل لديكم فقط تقدير قليل لنجاعة الدبلوماسية؟ وهل تؤمنون باستخدام القوة العسكرية؟ هل تعتقدون ان اسرائيل و – او الولايات المتحدة يجب ان تتحرك عندما يتوجب ذلك من طرف واحد؟ هل تستخفون انتم ايضا بالمنظمات الدولية؟ والسؤال الاخير – هل تعتبرون الشرق الاوسط مركز العالم؟

ان اجبتم على كل هذه الاسئلة بنعم كما هو متوقع فانتم موجودون في قلب الاجماع الوطني كما هو معروف وانتم تمثلون الرأي العام الاسرائيلي في ايامنا هذه بصورة وفية. ولكن ان كنتم تعيشون في الولايات المتحدة واجبتم من هناك على كل هذه الاسئلة بالايجاب فانكم تنتمون وفقا لمقالة نشرها في مطلع هذا العام جونثان كلارك من مركز الابحاث الامريكي "كرانغي" الى جناح المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الذين لحقت بهم ضربة قاضية في الانتخابات الاخيرة للرئاسة. مبادىء السياسة الخارجية للرئيس باراك اوباما خصوصا في كل ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي كانت ستجلب لكم البند.

اليكم اذن تفسير اخر ايديولوجي في جوهره لشرعية اوباما المتدنية بصورة استثنائية في الرأي العام الاسرائيلي والتوتر المتواصل بينه وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهذا تجاوزا لكل الاسباب  التي منيت حتى الان من مطلب اوباما الانذاري بالتجميد التام للبناء في المستوطنات مرورا بمحاولته ايجاد مسارات لقلوب المسلمين والفلسطينيين وانتهاء ببعض المواقع، ولا جدوى – للنفي – من التنكر للون جلده القاتم.

لان فلسفة اوباما معاكسة للفلسفة المحافظة الجديدة وضمنيا للرأي العام الاسرائيلي: هو كما نعلم يرى العالم بصورة رمادية بما في ذلك بعض الامور الدقيقة والتفاصيل وهو يؤمن بصورة كبيرة بقوة الحوار وفعالية الدبلوماسية ويتحفظ من استخدام القوة العسكرية الا ان لم يكن هناك اي مفر من ذلك وكذلك ايضا هو على قناعة بأن على امريكا ان تتحرك مع امم العالم والرأي العام العالمي وليس بصورة منفصلة عنه. وهو مناصر كبير لسياسة التعددية والمنظمات الدولية وخصوصا منظمة الامم المتحدة المؤسسة المحببة كثيرا على قلوب الاسرائيليين (!). وهكذا يصبح اوباما من المريخ واغلبية الاسرائيليين من الارض. اوباما هو يساري طبيعي حفظنا الله اما اغلبية الاسرائيليين فهم من الوسط الى اليمين. اوباما هو بطل التغيير وشعاره هو الامل بينما اسرائيل في 2009 – بعد اتفاقيات اوسلو والانسحاب من لبنان وفك الارتباط عن غزة – كل تغيير يعتبر جسما مشبوها والامل كذلك ذو سمعة سيئة.

لان اسرائيل تعيش بصدمة متواصلة، بعد الحرب او قبل الكارثة مع شعور دائم بوجود سيف مشهر فوق رقبتها ولذلك تشتق فلسفتها بصورة تتلاءم مع ذلك. لذلك بالنسبة لها، "نظرية بوش" التي بلورها الرئيس السابق في ظل العمليات الارهابية ضد ابراج التوائم في ايلول 2001 وبتأثير المحافظين الجدد الحاسم ما زالت السياسة الخارجية والامنية الملائمة لامريكا ضد "محور الشر" وليست هناك اية حاجة لنظرية جديدة (رغم ان التطلع لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط الذي كان حجر الزاوية في النظرية الحربجية، تحول الى شعار اقل جاذبية بعد ان اصر بوش باسم هذا الشعار على اشراك حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية في كانون الثاني 2006 تلك الخطوة التي سجلت عملية "الرصاص المصبوب" في كتب التاريخ في نهايتها).

وهكذا في الواقع السياسي السائد اليوم تعتبر فلسفة اوباما مترجمة للغة اسرائيلية موجودة في الجناح اليساري الآخذ في الانكماش من حزب العمل وبقايا حركة ميرتس بينما يمكن وضع اغلبية الاسرائيليين وخصوصا نتنياهو نفسه ضمن المفهوم السياسي الامريكي وبصورة مريحة في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية في قلب التيار المحافظ الجمهوري. لان نتنياهو اليوم مثل ولايته الاولى هو احد السياسيين الاكثر حبا والاكثر اعجابا في اوساط الجمهوريين المحافظين الجديد والمسيحيين الانجليكان المحبين لاسرائيل والمشتاقين لعهد رونالد ريغن والمؤيدين لريتشارد تشيني والمعجبين بسارة فايلن والذين توحدهم بالاضافة الى اعجابهم بنتنياهو كراهيتم العميقة لاوباما ورغبتهم في تنظيف هزيمتهم في الانتخابات الاخيرة بسرعة في ايامنا هذه.

في ظل هذه الظروف وحيث تفصل بينهم جدران فاصلة من الافكار والارتياب السياسي، لا غرابة ان مسار التصادم بين اوباما ونتنياهو يبدو وكأنه قد تحدد مسبقا وبعد ان اصر الرئيس الامريكي ايضا على السقوط في كل حفرة ممكنة وغير ممكنة قد حفرت في طريقه، ومن هنا ليس من المفاجىء كثيرا زوال الانفعالات الحماسية الاولية التي صاحبت صعوده واختفاءها وكأنها لم تكن.

ولا تسوقوا بيل كلينتون كنموذج معاكس مع كل الاحترام لان كلينتون يستطيع دفن كل اختلاف معه فورا بكميات لا يمكن تخيلها من السحر والجاذبية الشخصية، كما برهن مرة اخرى خلال زيارته لاسرائيل في هذا الاسبوع. لدى اوباما الكثير من المزايا الايجابية بلا شك ولكنه ليس كلينتون.

 

صفحة جديدة – قديمة

وهكذا ان كان هناك شيء قد ازعج السيناتورات واعضاء الكونغرس الذين زاروا اسرائيل في هذا الاسبوع في اطار "منتدى سابان" فانه ذلك التدني غير المفهوم من وجهة نظرهم الذي وصلت اليه مكانة اوباما في الرأي العام الاسرائيلي. العلاقات بين الدولتين كما قالوا لانفسهم اكثر من محادثيهم الاسرائيليين ربما قوية اكثر مما يعتقد قادتكم.

ولذلك كما يقولون ادرك نتنياهو واوباما في  لقائهم السري في واشنطن في بداية هذا الشهر بأنهما ان لم يتشبثا ببعضهما البعض فانهما سيشنقان بجانب بعضهما البعض بصورة تخيلية طبعا. تقدم ايران نحو السلاح النووي يتمخض عن خطر وجودي لاسرائيل وكذلك كارثة اقليمية بالنسبة للامريكيين الذين سيخسرون حلفاؤهم العرب لصالح طهران النووية. اما رحيل ابو مازن الوشيك من الساحة السياسية – هذه الامكانية تتحول حسب المصادر الامنية الى مسألة اكثر واقعية يوما بعد يوم – قد يقود الى انحلال السلطة الفلسطينية وانهيار الهيكلية  الامنية والاقتصادية التي بناها سلام فياض وازالة الاحتمالية الضعيفة اصلا لاستئناف العملية السياسية وانتشار حالة من الفوضى في المناطق وظلام اقتصادي فوق الهوة.

اذن فقد بدأت اسرائيل فجأة بالثناء على النهج الحازم الذي يقود فيه اوباما المساعي في مواجهة ايران والثناء على حقيقة انه خلافا لبوش الذي تحدث كثيرا وانجز قليلا، قد نجح في تركيز جهود الاسرة الدولية على التهديد الايراني. وفي الساحة الفلسطينية كما قيل وعد نتنياهو اوباما ببذل كل الجهود لتعزيز ابو مازن واجتذابه الى طاولة المفاوضات.

ولكن هذه الهدنة قد صمدت لعدة ايام فقط، وسرعان ما بددها نبأ مشروع البناء في جيلو. اوباما سارع للدفاع عن ابو مازن ورد مرة اخرى بصورة حادة بدت لنا مفرطة ان لم تكن غريبة تماما. كل جانب تمترس حول موقفه والابتعاد المربك مرة اخرى ظهر لاعين الجميع ومن حسن الحظ انه ما زال لدينا السيناتور ميتشيل الذي توقف منذ زمن عن الاهتمام بالفلسطينيين ان لم تلاحظوا ذلك ويركز الان على الوساطة والرحلات المكوكية بيننا وبين الرئيس اوباما. ميتشيل استطاع احلال السلام بين الاطراف المتحاربة في ايرلندا اذن فهناك احتمالية بان ينجح هنا ايضا، من يدري، رغم الفجوات الكبيرة في مواقف الطرفين.