خبر المصالحة الفلسطينية والمرجعية « الإسرائيلية » .. محمد السعيد إدريس

الساعة 09:38 ص|19 نوفمبر 2009

بقلم: محمد السعيد إدريس

من المؤكد أن حديث “المصالحة الفلسطينية” هذه الأيام بعد أن تكشفت حقيقة النوايا “الإسرائيلية” والأمريكية من عملية السلام يختلف عن ذلك الحديث في مراحل سابقة كانت فيها أطراف فلسطينية أساسية قادرة على لفت الانظار بعيداً عن جوهر الخلافات، وتشتيت الأفكار نحو قضايا فرعية جانبية نجحت بها في الهروب من دائرة المحاسبة والعقاب، والأهم دائرة المصالحة.

الآن أضحى من غير المقبول، الحديث عن مصالحة فلسطينية تدور ضمن المتاهات نفسها، الانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس” وانقلاب “حماس” في غزة، وارتباطات “حماس” بقوى خارجية وخاصة ايران المتهمة بعرقلة وإفساد عملية السلام، ولم يعد ممكناً رهنا أو ربط المصالحة الوطنية بتوقيع “حماس” غير المشروط على ورقة المصالحة وجعل هذه الورقة سيفاً مسلطاً على رقبة “حماس”، المطلوب الآن العودة إلى الجوهر الذي بات النكوص والتراجع عنه خيانة وهو “مشروع المقاومة”.

لقد تورطت السلطة الفلسطينية في اتفاقيات تنسيق أمني ضد المقاومة ولصالح “إسرائيل”، وشوهت وانحرفت بمسؤولية ومهمة قوات الأمن الفلسطينية من التصدي لأي محاولات للعدوان من قوات الاحتلال أو المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني ومصالحه إلى التعاون مع قوات الاحتلال في اصطياد المقاومين واعتقالهم تحت غطاء الانتماء إلى حركة “حماس” خصوصاً بعد انقلاب “حماس” ضد السلطة في قطاع غزة.

فعندما يعلن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون العامة بي جي كرولي بعد انتهاء جولة الوزيرة هيلاري كلينتون للمنطقة أن “واشنطن لن تفرض حلاً أمريكيا على الاطرف” وعندما ينفي وجود خطة أمريكية للتوصل إلى اتفاق سلام، وعندما يعيد تأكيد ما سبق أن أعلنته وزيرته كلينتون بضرورة بدء المفاوضات المباشرة بأسرع ما يمكن من دون الالتزام بوقف سياسة الاستيطان كشرط لبدء هذه المفاوضات، فإن المعاني باتت واضحة ومؤكدة، وأن السلام الذي ظل مشروعاً مراوغاً أضحى سراباً مؤكداً، وان واشنطن بعد ان ألغت قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الامم المتحدة (مجلس الأمن والجمعية العامة) كمرجعية لعملية السلام، وجعلت من نفسها (الولايات المتحدة) مع اللجنة الرباعية الدولية وخطة “خريطة الطريق” المنبثقة عن هذه اللجنة مرجعية بديلة، تنسحب الآن، وتترك ل “إسرائيل” أن تحدد، وحدها، ما تراه كمعالم وأسس للسلام، على غرار ما يجري الآن من تفاهمات حول الخطة المقترحة من شاؤول موفاز الرجل الثاني في “حزب كاديما” المعارض ووزير الحرب الأسبق والخاصة بإقامة دولة فلسطينية مؤقتة على مساحة 60% من أراضي الضفة الغربية وكامل قطاع غزة.

هذا الانسحاب الأمريكي تحت ذريعة “لا نريد عدم الصبر أن يتغلب علينا وان ندفع باتجاه محادثات قبل ان تكون (الاطراف) جاهزة” وان “الادارة الأمريكية لن تتراجع عن سياستها الرافضة لإجراء المفاوضات من أجل المفاوضات”، ما يعني أنها مستعدة للانتظار، في الفترة الراهنة، وعدم الدفع المتعجل باتجاه مفاوضات مباشرة حسب توضيحات مسؤول في الإدارة الأمريكية لا يدفع بالمرجعية “الإسرائيلية” كمرجعية بديلة ووحيدة لعملية السلام في أطوارها القادمة، لكنه يعلق أيضا استئناف الدور الأمريكي بقبول الفلسطينيين والعرب لهذه المرجعية الجديدة، أي للقبول بخطة نتنياهو القائمة أولاً على اعتراف فلسطيني مسبق ب”إسرائيل دولة يهودية” بكل ما يعنيه ذلك من اعتداء على الحقوق الفلسطينية الأساسية وخاصة حق العودة، وأوضاع الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني، والتطبيع العربي الشامل مع الكيان، مقابل الموافقة على قيادم دولة فلسطينية منقوصة السيادة، منزوعة السلاح، مسيطر على حدودها من جانب “إسرائيل” شرط ان تبقى القدس الموحدة والممتدة في أعماق الضفة الغربية “عاصمة أبدية” ل”إسرائيل” وألا يشمل الانسحاب “الإسرائيلي” المستوطنات الرئيسية، وأن تحفظ حدود هذه الدولة الشروط التي يتطلبها الأمن “الإسرائيلي”.

وفق هذه التطورات بات من الضروري أن يكون التركيز الفلسطيني على تحقيق وحدة وطنية قائمة على برنامج وطني للتحرير عماده مشروع المقاومة، وعندما يتوحد الفلسطينيون على هذا البرنامج سوف يتجاوزون الاطر التقليدية للمصالحات العربية، فضلاً عن تجاوز أطر الخصومات القائمة على المنافسة على المكاسب الشخصية والزعامية، وعندها لن يتقدم للزعامة إلا من يكون لديه مشروع للمقاومة، وان يكون

قادراً على قيادة الشعب الفلسطيني مجدداً نحو مشروع التحرير، غير ذلك لن يكون أمام الفلسطينيين غير القبول بمشروع نتنياهو عندها سوف يجدوا الادارة الأمريكية تهرول وراءهم، ومن غير المستبعد أن يحصل أبو مازن ونتنياهو معاً على جائزة نوبل للسلام، بعد أن تكون ابواب العرب قد فتحت بكاملها أمام التطبيع مع الكيان الصهيوني.