خبر النووي الإيراني: فك رموز الإشارات الإسرائيلية .. معهد واشنطن

الساعة 10:35 ص|18 نوفمبر 2009

بقلم : إيهود يعاري

كثيراً ما يناقش الخبراء والمحللون في الخارج خيارات إسرائيل إزاء مواجهة طموحات إيران النووية. وهناك مجموعة كبيرة من المؤلفات من نتاج المفكرين الأمريكيين ناقشوا فيها ما إذا كان يتعين على إسرائيل، أو إذا كان بوسعها، أو إذا كانت ستختار في النهاية شن ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية في محاولة منها لعرقلة سعي الجمهورية الإسلامية لامتلاك أسلحة ذرية. ومع ذلك، فإن الأمر الذي يدعو للدهشة هو أن هذه القضية لا تلقى سوى القليل من المناقشات العامة داخل إسرائيل نفسها.

المناقشات العامة المحدودة

تمتنع القيادة السياسية الإسرائيلية – في الحكومة والمعارضة على حد سواء – عن التحدث عن هذه المعضلة المعقدة جداً باستثناء تقديم تصريحات مقتضبة يشوبها الغموض. فالأجهزة العسكرية والاستخباراتية تلتزم بتعليمات صارمة لتجنب تقديم ملاحظات باستثناء التأكيد بأن إسرائيل تعد نفسها "لأي احتمال". كما أنها ترفض المشاركة في مناقشات غير رسمية حول الرد الإسرائيلي المحتمل لهذا التحدي. ولم تطرح وسائل الإعلام الإسرائيلية مناقشة عامة حول مزايا ومساوئ العمل العسكري – وهذا يرجع جزئياً إلى القيود الرقابية. كما أن أعضاء المؤسسات الفكرية المحلية والأوساط الأكاديمية تحجم عن المغامرة في هذا المجال.

ولذلك، فإن طبيعة المداولات الهادئة داخل المستويات القيادية العليا في إسرائيل – والمواقف المختلفة التي يعبر عنها المشاركون في هذه الجلسات – تبقى إلى حد كبير غير مبلغ عنها وحتى بعيدة كل البعد عن التدقيق العام. وبطبيعة الحال، ليس هناك شك بأنه تجري مناقشات مكثفة حول التهديد الإيراني وأنه يجري باستمرار إطلاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع إيهود باراك بشأن الخيارات العسكرية المختلفة فضلاً عن الاستراتيجيات التي تعتمد على الردع والارتقاء بالقدرات الدفاعية المضادة [للصواريخ] الباليستية في البلاد.

تقييم موقف إسرائيل

لا يوجد لدى إسرائيل رغبة كبيرة لمواجهة إيران بمفردها، حيث إنها تدرك الصعوبات التي ينطوي عليها الهجوم فضلاً عن احتمال قيام إيران بالانتقام سواء من خلال إطلاق صواريخ شهاب 3، العاملة بالفعل، أو بالشروع في حملة إرهابية واسعة النطاق، أو من خلال جعل حزب الله يشعل صراعاً على الجبهة اللبنانية. ويرى العديد أن الخيار العسكري هو "المسار المحتمل الأسوأ" باستثناء قبول تسلح إيران برؤوس نووية. ولذلك، تفضل القيادة الإسرائيلية أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات لمنع إيران من امتلاك القنبلة [النووية] من خلال إجراء حوار دبلوماسي أو فرض عقوبات فعالة أو توجيه ضربات عسكرية، إذا وصل الأمر لهذه الدرجة. وغني عن القول، بأن أي هجوم أمريكي لا بد أن يكون أوسع نطاقاً وأكثر تدميراً من أي ضربة تقوم بها قوات جيش الدفاع الإسرائيلي.

وفي الوقت نفسه، هناك شعور قوي لدى العديد في إسرائيل بأن البلاد تمتلك القدرة العسكرية لتوجيه ضربة ناجحة ضد عدد محدود من المنشآت النووية الإيرانية لتأخير وتيرة [تقدم] البرنامج النووي الإيراني لمدة عامين على الأقل. كما أن هناك البعض على الأقل داخل إسرائيل ممن يؤمنون بأن الانتقام الإيراني سيكون أكثر تحفظاً مما تظهره التحذيرات العلنية من طهران، وقد يحاول حزب الله استغلال صواريخه الإيرانية طويلة المدى بطريقة لن تؤدي بالضرورة إلى اندلاع حرب واسعة النطاق. وستتمثل الحجج في أنه على الرغم من أن الصواريخ بعيدة المدى التي تملكها المنظمة تخضع فعلياً لسيطرة "قوة القدس بفيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، إلا إن زعيم حزب الله، الشيخ حسن نصر الله، سوف يتردد في استفزاز الإسرائيليين بحيث يخوضوا هجوم مضاد شامل. ويقول بعض الإسرائيليين إن إيران لن تنتقم بالضرورة من الولايات المتحدة وحلفائها العرب في الخليج أو العراق خوفاً من إجبار الرئيس الأمريكي أوباما على الرد.

يُدرك الإسرائيليون جيداً أنه لن يكون بوسعهم القضاء على القدرات النووية الإيرانية بشكل كامل أو حرمان الجمهورية الإسلامية من إمكانية مضاعفة جهودها في المستقبل. لكن إسرائيل تشعر أنه بوسعها كسب الوقت لكي تقوم الولايات المتحدة ودول أخرى ببذل جهود إضافية لإقناع الإيرانيين بالتخلي عن طموحاتهم النووية. ويتذكر الإسرائيليون هجومهم على المفاعل النووي العراقي عام 1981، الذي لم ينجم عنه سوى قيام صدام حسين بتسريع خططه لبناء قدراته النووية. وهم ليسوا حتى الآن على يقين بأن الرئيس السوري بشار الأسد قد تخلى عن طموحاته النووية في أعقاب الغارة الجوية على "موقع الكبار" في أيلول/سبتمبر 2007. ومع ذلك، فإنه من وجهة النظر الإسرائيلية، يعد تأخير التهديد لبضعة سنوات هدفاً يستحق العناء.

وعندما يقوم الإسرائيليون بتقييم القوة الصاروخية الإيرانية، يميلون إلى الاعتقاد بأنه مع مرور الوقت، سوف تزداد قدرة إيران بشكل كبير على إطلاق المزيد من الصواريخ في وقت واحد. وعلى المدى القريب، يشعرون بأن الانتقام الإيراني سوف يتطلب تكرار تجربة حرب الخليج الأولى في عام 1991، عندما توجب على إسرائيل استيعاب أربعين صاروخاً عراقياً من طراز سكود - كانت موجهة بصفة أساسية باتجاه تل أبيب وحيفا – بأقل قدر من الضحايا. وببساطة، لا تمتلك القوات الجوية الإيرانية القدرة على الوصول إلى إسرائيل، كما أن الهجوم البحري من أي نوع هو احتمال بعيد.

ويرى الغالبية عند هذه المرحلة بأن حركة «حماس» قد تنتهك الهدنة القائمة حالياً على طول قطاع غزة بإطلاقها بضعة صواريخ تضامناً مع إيران – وربما يكون ذلك في محاولة منها لضرب ضواحي تل أبيب – لكن الجماعة تسعى إلى تجنب تكرار عملية «الرصاص المصبوب»، حتى لو كان لديها وعود بأن إسرائيل سوف تنخرط أيضاً [في حرب] على الجبهة اللبنانية وتتبادل الضربات مع إيران نفسها. إن «حماس» حريصة جداً أن لا تظهر بمظهر الوكيل الإيراني، كما أن زعيمها خالد مشعل سبق أن حذر رعاته الإيرانيين بهدوء من أن أي هجوم نووي ضد إسرائيل سوف يصيب العديد من الفلسطينيين.

ويفيد التقييم الحالي في إسرائيل بأنه على الرغم من أن النظام الإيراني قرر منذ فترة طويلة "الاقتراب" من تصنيع قنبلة ويبذل قصارى جهده للتحرك نحو هذا الهدف، إلا أنه لم يتم حتى الآن اتخاذ أي قرار للتوجه نحو "الانطلاق". والسبب وراء ذلك هو أن إيران لن تخاطر بعواقب الانطلاق نحو امتلاك قنبلة أو قنبلتين، لكنها سوف تفكر ملياً في مثل هذه الخطوة المثيرة عندما يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم منخفض التخصيب لبناء "ترسانة" متواضعة تضم نصف درزينة من القنابل تقريباً. وفي الواقع، توافق إسرائيل الافتراض القائم بأنه لا يزال هناك وقتاً محدوداً جداً، على الرغم دون وجود أمل كبير، للمحاولات الجارية لإقناع إيران بإيقاف سعيها نحو امتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك، فبالنسبة لإسرائيل، ليست فقط الساعة النووية ماضية في التقدم. فبعيداً عن مراقبة السرعة التي يقوم بها الإيرانيون بتجميع "ترسانة صغيرة"، يضع المخططون الاستراتيجيون الإسرائيليون أعينهم على عد تنازلي آخر: ألا وهو تحديد وتيرة الجهود الإيرانية لتحسين الدفاعات الخاصة بأهدافهم الأكثر حساسية، سواء من خلال دفنها تحت الأرض أو محاولة تحصينها ضد الهجمات الجوية أو القوة الصاروخية الإسرائيلية. وسوف يعتمد قرار إسرائيل إلى حد كبير - بشأن ما إذا كانت ستعمل بمفردها - على تقديرها حول احتمال النجاح في توجيه ضربة عسكرية على إيران. وبالتالي، قد يكون مصدر قلق إيران هو نجاحها في حماية منشآتها، مما قد يرغم إسرائيل على اتخاذ قرار في وقت مبكر. ويشعر الإسرائيليون بالقلق من أن امتلاك إيران لأسلحة نووية سوف يطلق سباق تسلح بين الدول العربية المجاورة. وهم يشكون من أنه قد يكون لدى المملكة العربية السعودية بالفعل تفاهمات ضمنية مع باكستان حول قيام شكل ما من أشكال المساعدة النووية، وتراقب الوكالات الاستخباراتية الإسرائيلية عن كثب الخطوات التي تقوم بها مصر والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى لتطوير برامج نووية لما يسمى أغراض سلمية. وهناك دعوات كثيرة في وسائل الإعلام العربية التي تدعو إلى امتلاك "قنبلة عربية سنية" لمواجهة سعي إيران للهيمنة من خلال امتلاك "قنبلة شيعية فارسية". ويفترض أحد السيناريوهات التي وضعتها إسرائيل هو أن القيادة الإيرانية قد تلجأ إلى "البقاء" لفترة طويلة في مستوى يقل قليلاً عن الخط الأحمر للتسلح، في حين تستمر بتحديث وتوسيع قدراتها الفنية وتستمتع بالنفوذ السياسي المرتبط بكونها دولة تمتلك "تقريباً" طاقة نووية. وبالنسبة للإيرانيين هناك سبب وجيه واحد "لبقائهم" [دون الخط الأحمر] وهو الانتظار من أجل تطوير أجيال مستقبلية من الصواريخ بعيدة المدى. ويمكن أن يُترجم هذا السيناريو إلى دخول فترة طويلة من التوتر وعدم اليقين في المنطقة.

عدم توقع إتمام صفقة

لن يسرع الإسرائيليون في اتخاذ قراراتهم [بشأن الهجوم على إيران] وهم يراقبون التقدم، وبالطبع التراجع الذي يطرأ على المفاوضات الحالية بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا من جهة وإيران من جهة أخرى. فالإسرائيليون المنوط بهم متابعة إيران مقتنعون بأن إنجاز اتفاق في الوقت الراهن يعد أمراً بعيد المنال. وهذا يعني أن الوقت الذي ستحدد فيه إسرائيل المسار الذي ستسلكه قد يتخذ بحلول منتصف عام 2010.

إهود يعاري: هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومراسل لشؤون الشرق الأوسط في القناة الإسرائيلية الثانية.