خبر غزة إقليم متمرد .. محمد إبراهيم المدهون

الساعة 03:26 م|17 نوفمبر 2009

بقلم: محمد إبراهيم المدهون

سلسلة إجراءات وملاحقات وحصار وتحريض ومقاطعة وعدوان عسكري لتقويض الحكومة بغزة وإنهاء الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني بعد أن خرج عن بيت الطاعة الإسرائيلي، وبما أن الحلول العسكرية أثبتت فشلها وكذلك فشل التحريض على العصيان المدني، تعود مجدداً الهمهمات باعتبار غزة إقليما متمردا وأتي كمحاولات جديدة لنفس الهدف، ولكن لماذا الآن هذا التهديد بالذات؟

لا شك أن الفترة الزمنية غاية في الحساسية، فأولاً أبو مازن أمام استحقاق دستوري خطير وهام خاصة بعد الإعلان عن عدم الترشح للرئاسة، إضافة إلى هذا فإن الساحة الأميركية والإسرائيلية أمام تحديات صعبة في إيران وأفغانستان والعراق ولبنان وأخيراً غزة، وهذا سيعني أنهما قد لا يكونان مستعدين لمساعدة حليفهما عباس في وقت الشدة وربما هذا يفسر حالة اللامبالاة الأميركية الإسرائيلية. على أي حال, فإنه من الواضح أن هذه هي إحدى المحاولات الأخيرة اليائسة بشكل عام في محاربة حماس وقطاع غزة.

وفي مؤشر خطير على بدء التجهيز لاتخاذ هذا القرار، كشف مصدر دبلوماسي أوروبي أن مقربين من محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض، يتولون حملة واسعة النطاق لدى جهات أميركية وأوروبية للتحريض ضد قطاع غزة وفرض مزيد من التضييق عليه، للضغط على حركة حماس. وقد كان سابقاً هناك تحريض سافر باجتياح قطاع غزة والقضاء على حماس تم تنفيذه ولم يحقق الهدف بالاجتثاث.

الحيثيات

إن إعلان قطاع غزة "إقليما متمردا" يعني وقف دفع الالتزامات المالية من قبل رام الله بخصوص المياه والكهرباء للشركات الإسرائيلية نيابة عن قطاع غزة ووقف جميع المساعدات المالية إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى هذا فإن كل الذين يتقاضون أجورهم من رام الله سيتم وقف رواتبهم حتى يضاعفوا عامل ضغط على حكومة غزة، وأيضاً فإن كل المؤسسات الأجنبية سوف تتحمل تبعات كل ما يجرى لهم في حال تعرضهم لأي خطر لأن الرئيس لا يملك أي سلطة في غزة، وهذا تخويف لهم ودفعهم لترك غزة وكذلك قطع كل ارتباطاتهم بغزة، وكذلك سيتم الإيعاز للبنوك أن تقفل فروعها في غزة حتى لا يتم تحويل الأموال للقطاع، كل ذلك يعني أن غزة (مهدورة الدم)، كل ذلك سيكون موازياً مع تشديد الحصار.

الدوافع

يسعى هذا السيناريو إلى التغطية الحقيقية على الفشل الذريع في المفاوضات مع العدو والذي يعني أن وجود عباس لم يعد له أي داع، وأن شخص عباس بل كل فتح تمت أهانتها بشكل بذيء، والأمر الآن محرج جداً بالنسبة لعباس الذي راهن على العدو ولم يراهن على شعبه.

ويصاحب ذلك استباق نتائج المصالحة الفلسطينية بنوع من خلط الأوراق والإرباك وتحسين الموقع التفاوضي، وهذا الأمر يعكس مدي هشاشة الموقف العباسي والفتحاوي من الحوار الفلسطيني. وهذا يحقق رغبات فئة في رام الله في الانتقام من حماس واستعادة المكاسب والممالك الشخصية، وبناءً عليه فهذه محاولة لهم لعلها تنجح.

وليس خافياً على أحد أن خشية عباس من عدم قدرته على إجراء انتخابات في غزة والضفة يأخذ نحو سيناريو إعلان غزة إقليماً متمرداً وبالتالي يجري انتخابات في الضفة فقط التي ستعطيه وفتح ولاية جديدة قد تسمح بعقد صفقات سياسية وتمرير اتفاقات.

الإمكانية

إن الإعلان بأن غزة إقليم متمرد من الناحية الواقعية والعملية يكاد يكون أقرب للخيال منه للواقع حيث لا يوجد سند أو نص قانوني صريح يعطي الرئيس هذا الحق أو الصلاحية, وقد لا يحتاج عباس أي أساس قانوني لمثل هذا العمل الجنوني، فعباس لم يعط وزناً للدستور في كثير من قراراته.

ومن الناحية الواقعية لا يمكن أن تعلن إقليما متمرداً ليس لك عليه السيادة السياسية بالمطلق بمعنى أن فلسطين من الناحية السياسية والقانونية تحت الاحتلال المباشر، فليست الضفة بأرض محررة ولا غزة من الناحية القانونية والسياسية كاملة التحرير، فكيف تعلن إقليما تحت الاحتلال متمرداً دون أن تملك الولاية القانونية السياسية السيادية عليه. مع العلم أنه قد تم إنشاء السلطة الفلسطينية بأمر من الحاكم العسكري الصهيوني بمعنى أن الولاية القانونية والسيادة السياسية لا زالت تحت إمرة الحاكم العسكري الصهيوني.

ومن الناحية السياسية هذا القرار سيضع فتح في مواجهة الكل الفلسطيني. علاوة على أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية لن تقبل هذا الإعلان على الإطلاق، وسيكون عباس تخطى مرحلة الخيانة والتآمر بالقول والتحريض. وقد لا يكون هذا القرار موافقاً عليه من قوى داخل فتح لأنه باختصار سيعنى أن فتح بالكلية أصبحت ليس فقط في حلف التسوية بل أصبحت ضد شعبها وقضيتها الوطنية. ورغم كل ذلك فمن الواجب تبني السيناريو الأسوأ.

التبعات

في حال حدوث مثل هذا الأمر الخطير فلا شك أن تبعاته ستكون خطيرة ولا يمكن إصلاحها وتقفز على جميع المراحل السابقة، فسياسياً يتكرس الفصل الكامل بين الضفة وغزة، والعلاقة بين حماس وفتح ستأخذ صيغة طلاق بائن بينونة كبرى, وكذلك الفشل التام لأي حوار مهما كان المصلحون والوسطاء، أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فلا شك أنها ستكون نكسة خطيرة يتحمل عباس تبعاتها وآثارها.

وقانونياً سيترتب على حماس أن تجد لها صيغة قانونية تضبط إدارتها وسياساتها الداخلية والخارجية وكذلك جهازها القضائي، ليس غريباً أن تواجه غزة وحكومتها عباس قضائياً داخلياً وخارجياً للجرائم التي ستكون تبعات مثل هذا القرار.

كثير من الخدمات وخصوصاً الحيوية مثل الماء والكهرباء والطاقة وكذلك الخدمات الصحية والإنسانية ستكون بلا أدنى شك مهددة بالتوقف التام أو شبه التام وهذا سيلقي بظلاله على الواقع الفلسطيني في غزة.

علاوة على أن حصار غزة الذي يدخل عامه الرابع ألقى بظلاله السيئة والكارثية على كل مرافق القطاع: ماليا، تجاريا، معيشيا، زراعيا، صناعيا، والخطوة المتوقعة ستضيف عبئا إضافياً على أعباء الغزيين، لا يتوقع أحد كم سيكون حجمها وكذلك قدرتهم على تحملها.

إن الإعلان عن غزة إقليماً متمرداً سيعني الغطاء الإضافي لضرب غزة مجدداً من قبل الأعداء بشكل أقسى وأكثر من ذي قبل، وهذا يتطلب عبئا إضافيا على المقاومة وبالتالي إدخال غزة في دوامة جديدة من المواجهات العسكرية الدامية.

المواقف

عربياً: لا شك أن النظام العربي الرسمي وخصوصاً دول ما يسمى بمحور الاعتدال ستكون أقرب لقبول هذا القرار وتطبيقه ولو بشكل غير معلن والظهور بمظهر الداعي للوفاق وإعادة اللحمة، والدليل هو مواقفهم من حكومة حماس، أما دول الممانعة فستكون في موقف مختلف ولكن حسب مصلحة كل منها وخصوصاً في ظل التطورات الأخيرة على الساحات المختلفة ومنها الإيرانية والسورية. أما الموقف الشعبي العربي كان ولا زال مع المقاومة ومحاربة الظلم والعدوان، وهي بالطبع ستكون كما هي دائماً مع غزة وخيار الشعب الفلسطيني الديمقراطي الحر.

دولياً: كان وسيبقى الموقف الدولي موقفاً منافقاً ومعادياً مع بعض الفروقات بينهم، لذلك لا يمكن في هذه الأزمة التعويل على مواقفهم، ولكن يمكن التعويل بعض الشيء على الرأي العام والمنظمات الإنسانية والحقوقية والإعلامية وكذلك الجاليات العربية والمسلمة التي لن تكون إلا مع الشعب الفلسطيني في حقه المشروع في المقاومة والعيش بكرامة.

إسرائيلياً: بالإمكان الحديث عن نظرتين إسرائيليتين لما عليه الوضع في غزة، أقصد سيطرة حماس، نظرة آنية قصيرة المدى تتعلق بترسيخ هذا الانقسام الحاصل على الساحة الفلسطينية، وما يستوجبه ذلك من عدم تبني خيار إعلان غزة إقليما متمردا، لأن من شأنه على المدى البعيد -حسب ما يقول مروجو هذا الخيار- إعادتها إلى شقيقتها الضفة الغربية.

ونظرة إستراتيجية بعيدة المدى تبدي خشية حقيقية وجدية من قيام حماس بعملية "حزبلة" سريعة، أي تحولها رويداً رويداً إلى منظمة حزب الله رقم 2، وما يشكله ذلك من مخاطر عسكرية وأمنية لا قبل لإسرائيل بها!

فلسطينياً: واضح جداً أن الموقف الفصائلي الفلسطيني سيكون بكليته ضد هذا الطرح وخصوصاً فصائل المقاومة، وكذلك الحال للقوى الشعبية والنقابية والشخصيات المستقلة.

وحماس ستواجه ذلك بالرفض الشديد وإظهاره بالمظهر الشيطاني المعادي للقضية الفلسطينية والخيار الفلسطيني والانقلاب الواضح على الديمقراطية.

كيف السبيل؟

سياسياً: العمل على طرح مبادرات سياسية في الساحة الفلسطينية تقطع الطريق على هذا التوجه مع قبول لمبادرات الحوار والمصالحة وخاصة الورقة المصرية الأخيرة, وتقليل الفجوة سياسياً في الساحة الفلسطينية الحزبية مع جميع الفصائل.

إرسال رسائل لكل الأطراف المعنية، كالجامعة العربية، والدول العربية والإسلامية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأطراف العربية الرئيسية لتحمل مسؤولياتها في عدم الموافقة على مثل هذا الأمر وتبيان حجم الكارثة للعواقب التي ستنتج عن مثل هذا الإجراء. والعمل على صناعة قناعة مصرية أن وصول غزة إلى حالة بائسة سيشكل خطورة على أمنها القومي وهو الأمر الذي لا يرغب أحد فيه.

إعلامياً: لم يعد خافياً على أحد أهمية الدور الإعلامي في المواجهات السياسية وفي إدارة الأزمات والصراعات، لذلك لا بد من فضح أبعاد المخطط عبر حملة إعلامية تهدف لتوعية الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي لأبعاد هذا الأمر المشين والأخطار المترتبة عليه وأبعاد تداعياته المختلفة التي تم ذكرها.

جماهيرياً: يجب كسب الجماهير الفلسطينية عموماً والغزية خصوصاً وذلك لتأمين الجبهة الداخلية والتواصل مع الناس جميعاً وتقديم النموذج الجيد في كل الأمور وخصوصاً بترسيخ قاعدة (لا أحد فوق القانون). والعمل أيضاً على توحيد الصفوف الفصائلية والشعبية حول رفض هذا الإجراء المشين.

إدارياً: الاستعداد على مستوى التحضير لأزمة مالية جراء المقاطعة المالية وتغطية النفقات وكذلك إيقاف النظام المصرفي في غزة, والتحضير لتقديم خدمات إنسانية واجتماعية وصحية وتعليمية في ظل واقع جديد أكثر صعوبة, والعمل على إيجاد بدائل وخصوصاً في المرافق الحيوية مثل الطاقة والمواد الغذائية.

إن الدعوة المشينة والتحريض السافر لإعلان غزة إقليما متمردا لا يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية ولا يعزز من فرص المصالحة، ويأخذ القضية الفلسطينية بعيداً عن مشروع التحرر الوطني.