خبر هذه هي البداية فقط.. معاريف

الساعة 11:16 ص|17 نوفمبر 2009

بقلم: عوفر شيلح

أهالي الجنود من كتيبة نحشون ممن رفعوا يافطات الاحتجاج ضد اخلاء مستوطنين وحكم عليهم امس بالحبس، يصرون على أن ابناءهم لم يقوموا بفعلة مخطط لها بل كان هذا رد فعل عفوي لاخلاء المنازل في نجوهوت. يحتمل، ولكن لم يعد هذا مهما حقا: فقد قلدوا خطوة بخطوة ما فعله جنود كتيبة اخرى في اللواء منذ وقت غير بعيد. وما أن تقرر مبنى الفعل – رفع يافطات، حرص مسبق في أن يكون هناك من يلتقط الصور ومن يوزعها الى وسائل الاعلام – يتعين على الجيش الاسرائيلي ان يفهم بانه يقف امام ظاهرة، لن تذهب الى أي مكان.

هذه لم تولد من فراغ، بالطبع. الجيش يأكل الان الثمار الفجة لسياقات طويلة المدى في بعضها هو مذنب وفي بعضها غير مذنب. تحت رعايته جرت وتجري خروقات للقانون بالجملة وهي موجهة سياسيا باقامة البؤر الاستيطانية؛ ضباطه تعلموا بانه من المجدي لهم ان يتدبروا انفسهم مع المستوطنين في يهودا والسامرة، وجنوده يوضعون كل يوم في اوضاع متعذرة حيال طائفة بعضها يتنكر لشرعية السلطة التي يمثلون. ومن جهة اخرى الجيش ايضا يواجه سلطة متهكمة وقيادة عليا تقف بحماسة الى جانب مهمة فك الارتباط، التي استخدم فيها ارئيل شارون مكانة الجيش مثلما استخدم سلاحه. مهما يكن من أمر فان الجيش لا يمكنه أن يعفي نفسه من المسؤولية ويبرر ذلك في أن بعضا من جنوده لا يترددون في اطلاق تصريحات سياسية بينما هم لا يزالون يلبسون البزات. الضباط فعلوا ذلك من قبل.

ومن يبتعد ابناؤهم من ألوية المشاة التي تخدم في المناطق ولا سيما عن "كفير" التي يقضي جنودها هناك كل خدمتهم تقريبا، لا يحق له ان يشكو من ان اولئك الذين اختاروا الخدمة القتالية ومناصب الضابطية، يشعرون بان لهم الحق في التعبير عن مواقفهم، ناهيك عن انهم يدفعون الثمن عليها.

الرسالة التي ينقلها جنود "كفير" هي ان هذه هي مجرد البداية. الحكم الذي يواصل دفن الرأس في الرمال، ويفكر بانه رفع العتب في افعال موضعية ويلعب لعبة مزدوجة وثلاثية الاوجه مع كل الاطراف السياسية، سيحصل على جيش يكون فيه الفعل السياسي، من الجندي المنفرد وبعد ذلك ربما من وحدة كاملة، يصبح شرعيا أكثر فأكثر. القيادة التي تواصل القول ان "الجيش لا يختار مهماته"، ولا تضع خطا احمر واضحا بين ما يفعله الجيش وما يبقى خارجه، ستحصل على وحدات تتمزق من الداخل. رئيس الاركان، يفترض أن يتذكر جيدا المرة السابقة التي حصل فيها هذا، وان كان بحقنة صغيرة، في صفوف جيش الاحتياط، في السنوات ما بعد حرب لبنان الاولى.

من يأمل بان يواصل الجمهور الديني الوطني بان يصدر من داخله نسبة هائلة من الضباط والمقاتلين، دون أن يكون لذلك تأثير على اداء الوحدات، يجدر به أن يصحو. من يعود ليقرأ عن حاخامين عسكريين وليس عسكريين، ممن يسيرون داخل القوات عشية "رصاص مصبوب" يتحدثون عن حرب فريضة ويوزعون كتيبات يوصف فيها العدو كعملاق، من يظن أن استمداد هذه الدافعية سينحصر في الحرب ضد حماس، سيتلقى صفعة رنانة.

عقاب جنود "كفير" واجب بفضل العرف والقانون العسكري ولا ينبغي تشديده. ولكن واضح أنه ليس عقابا. فهم يصبحون ابطالا وقدوة في مجتمعهم. في فك الارتباط فر القادة من معالجة ذلك حين ابعدوا جنودا معينين بل ووحدات معينة، من الدائرة الداخلية للاخلاء. ما هو مكتوب على اليافطات التي رفعت امس ، في ما بين السطور واضح جدا: لا تفكروا انه سيكون ممكنا تدبر الامر بمثل هذه الرتوش التجميلية في المستقبل.