خبر حركيّة الأرض الأمنيّة في جنوب لبنان في ظلّ حركيّة المنطقة .. إلياس حنا

الساعة 09:49 ص|17 نوفمبر 2009

بقلم: إلياس حنا

لا يمكن فهم ما يجري في جنوب لبنان بمعزل عمّا جرى في حرب تمّوز العام 2006. كذلك الأمر، لا يمكن فهم الحركيّة الأمنيّة في جنوب لبنان، بمعزل عن حركيّة المنطقة. خصوصا أن حرب تمّوز كانت هي أصلا نتيجة مباشرة للصراع الإقليميّ ـ الدوليّ، حيث كان لبنان ساحة تجلّياتها الأساسيّة.

لا يمكن فهم ما يجري في جنوب لبنان إلا إذا فهمنا لماذا تجري المناورة الصاروخيّة المشتركة الإسرائيليّة ـ الأميركيّة. وذلك من ضمن الصورة الكبرى التي تظهّرت بعد إلغاء أوباما مشروع الدرع الصاروخيّة في كلّ من تشيكيا، وبولندا، وفي الزيارة الأخيرة لنفس البلدان ـ مع رومانيا ـ التي قام بها نائب الرئيس الأميركيّ جوزيف بايدن. وإذا كانت الزيارة مهمّة وذات دلالة، فإن الأهمّ والأخطر يندرج فيما قاله بايدن.

فهو أكّد عدم قبول أميركا بمفهوم مناطق النفوذ بشكل عام، وفيما خصّ المحيط المباشر لروسيا بشكل خاص. وهذا أمر يعتبر خرقا للثقافة الاستراتيجيّة الروسيّة التاريخيّة منذ القيصر إيفان الرهيب، وحتى بوتين، مرورا ببطرس الأكبر وكاترين الكبرى. كذلك الأمر، شجّع بايدن دول أوروبا الشرقيّة على دعم الدول التي حدثت فيها ثورات ملوّنة ـ أوكرانيا، وجورجيا ـ كي تتخلّص من عبء الدبّ الروسيّ.

وبين الإلغاء للدرع الصاروخيّة، وزيارة بايدن مع تصريحاته الناريّة، لا يمكن إلاّ الاستنتاج أن هناك صراعا قويّا يدور بين الجبّارين ـ روسيا وأميركا ـ قد لا نعرف مدى ضرره على العالم وعلى المنطقة، وبشكل خاص على لبنان في المدى القريب. لكن السبب الأساسيّ لهذا الصراع، هو حتما في شقّه الأكبر حول المعضلة الإيرانيّة ـ من هنا الحركيّة في جنوب لبنان.

فماذا عن الحركيّة في الجنوب؟

العالم بأسره موجود في منطقة الجنوب عبر قوات اليونيفيل، هذا عدا قرارات الشرعيّة الدوليّة. كما يُشكّل الجنوب اللبنانيّ نقطة التماس الحارة، وبالواسطة، بين كلّ من إيران وإسرائيل. وإذا أصبحت إيران تجاور أميركا مباشرة، كون هذه الأخيرة موجودة عسكريّا في العراق، فقد يندرج نفس الأمر على تجاور إيران وإسرائيل على جبهتين لكن بالواسطة، جبهة شمالية لإسرائيل هي جنوب لبنان، وجبهة جنوبيّة هي قطاع غزّة حيث حركة حماس.

كذلك الأمر، يوجد في جنوب لبنان الحركات الفلسطينيّة التقليديّة، يُضاف إليها الحركات الإسلاميّة التكفيريّة المستجدّة بعد 11 أيلول 2001.

إذن يتوافر في جنوب لبنان كلّ عناصر التفجير الممكنة للصراعات الدوليّة، وخصوصا الإقليميّة. وكلّما انسدّت أبواب السياسة لاستنباط الحلول، كان لا بد من فتح كوّة في الجدار السياسيّ بواسطة القوّة العسكريّة ـ الحرب بالواسطة.

ما الذي يضبط الوضع في جنوب لبنان؟

هناك البُعد العسكريّ المباشر، أي وجود قوّات اليونيفيل، كما الجيش اللبنانيّ. يُضاف إلى هذا البُعد، البُعد القانونيّ الدوليّ، أي قرارات الشرعيّة الدوليّة، أهمّها اليوم 1701.

كذلك الأمر، وحسب ما قاله كلوزفيتز، عن أن الحرب ليست عملا متواصلا في الزمان والمكان، وهي ليست منفصلة عن بُعدها السياسيّ. فإن الاستقرار في جنوب لبنان يعود في جوهره إلى حاجة الأطراف المتقاتلة إلى تقييم ما جرى سابقا ـ حرب تمّوز ـ لأخذ الدروس والعبر العسكريّة كما الدبلوماسيّة. كذلك الأمر، يحتاج الأطراف إلى تقييم نتائج العنف لكن في بُعدها السياسيّ. بكلام آخر، تقييم ما حقّقته البندقيّة من مكاسب أو خسائر سياسيّة، وذلك تحضيرا للجولة المقبلة.

يتمثّل اللاعبون الأساسيّون في جنوب لبنان بكلّ من: دولة لبنان، اليونيفيل، وحزب الله.

أما باقي اللاعبين فهم دون تأثير استراتيجيّ مهمّ، حتى ولو استطاعوا إطلاق بعض الصواريخ على إسرائيل من فترة إلى أخرى ـ هذا إذا كانوا هم من يُطلقها.

حتى الآن، يقبل الأطراف المتصارعون الوضع القائم. كذلك الأمر، يقبلون بهذا المستوى والدرجة من العنف التي لا تحتّم انفجارا كبيرا، إذ إنه وبشكل عام لا يوجد ما يُسمّى بالأمن المُطلق، لا على الحدود اللبنانيّة ولا في أي مكان آخر.

لكن الاستقرار الأمنيّ في جنوب لبنان لا يُلغي حتما ما يجري في السرّ، فهناك حرب استخبارات كبيرة وعنيفة تدور اليوم بين حزب الله وإسرائيل. تجسّدت هذه الحرب عبر كشف الكثير من شبكات التجسّس، وفي بعض التفجيرات في منطقة عمليّات الحزب في الجنوب. وهي حرب كانت، وهي اليوم، وستبقى إلى أبد الآبدين.

يعود سبب هذه الحرب الاستخباراتيّة إلى ما جرى في حرب تمّوز العام 2006. ففي تلك الحرب بدت إسرائيل وكأنها تخوض حربا عمياء دون استعلام تكتيّ عن حزب الله، عن مناطق انتشاره، وعن تركيبة منظومة القيادة والسيطرة. فكان ما كان، وكان تقرير فينوغراد الشهير.

إذن تحاول إسرائيل اليوم ربط الصراع مع الحزب عبر التنصّت عليه بصورة مستمرّة، وعبر رصد وكشف مركز ثقل قوّته، أي الصواريخ على اختلافها ـ هذا عدا مراكز قيادته، العسكريّة كما السياسيّة. وفي هذا المسار، وعند كلّ معلومة موثوقة، تذهب إسرائيل إلى فضح الأمر لوضع المزيد من الضغوطات على اليونيفيل، حزب الله كما على لبنان، خصوصا بعد انتخابه عضوا غير دائم في مجلس الأمن.

تحاول إسرائيل اليوم تركيبة منظومة عسكريّة ـ أمنيّة تقوم على ما يأتي:

* آليّة رصد مستمرّة لحركيّة حزب الله ـ من هنا شبكات التجسّس، تفجيرات مخازن الأسلحة، كما عمليّة التنصّت على شبكة اتصالات الحزب ـ مؤخرا في حولا.

* ربط آليّة الرصد بمركز قرار عسكريّ ـ سياسيّ داخل إسرائيل، حيث تتمّ عمليّة معالجة المعلومات وتحليلها ـ خزنها في بنك المعلومات.

* اتخاذ القرار حسب أهميّة المعلومة ـ فيها بعد عسكريّ، استخباراتيّ كما سياسيّ حتى ولو كانت كلّ هذه الأبعاد مندمجة في إسرائيل.

لا يمكن فصل هذه الحركيّة في جنوب لبنان عن الحركيّة في المنطقة، خصوصا ما يجري بين إيران وأميركا، ودون نسيان روسيا اللاعب الأهمّ. فماذا لو فشلت أميركا مع إيران؟ كيف ستتصرّف، وكيف ستردّ إسرائيل؟ وهنا قد يمكن القول وحتّى الجزم بأن أيّ سيناريو سيّئ في المنطقة سيكون للبنان الحصّة الأكبر فيه.

في الختام، يتساءل المحلّلون الاستراتيجيّون عن المؤشرات التالية ـ فيما خصّ المناورة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة المشتركة المُضادة للصواريخ:

* لماذا التأخير في بدء المناورة لأكثر من أسبوع؟ وهل ستبقى المعدّات الأميركيّة في إسرائيل تحسّبا لأمر ما إقليمي؟ وهل ستكون مهمّة هذه المعدات حماية إسرائيل من الصواريخ الإيرانيّة؟

* لماذا ألغى وزير الجيش الإسرائيلي إيهود باراك زيارته لإسبانيا، وقرّر التوجّه إلى أميركا؟

* لماذا قرّرت أميركا استكمال ملء احتياطها النفطيّ الاستراتيجيّ ـ مقدّر بـ700 مليون برميل؟ فهل تتوقّع أزمة نفطيّة؟ ولماذا سيكون هناك أزمة نفطيّة إذا لم تقع حرب ما في الخليج؟

* في الختام، هل هناك فعلا حرب إقليميّة قادمة؟ أم أن كلّ هذه المؤشرات هي عوامل مساعدة رادعة ضاغطة على إيران خلال المسار التفاوضيّ؟

على كلّ، إذا كان علم الاقتصاد يقوم على التفاؤل، فإن السياسة تقوم على التشاؤم والتحضير للسيناريوهات الأسوأ. فهل نحن في هذا الإطار؟ بالطبع.