خبر خطر أم أمل: عن الدولة الفلسطينية .. إسرائيل اليوم

الساعة 12:00 م|16 نوفمبر 2009

بقلم: أمونة الون

عاد نتنياهو الان من الولايات المتحدة دون دولة فلسطينية. ولكن القطار مسافر، المسيرة المؤدية الى اقامة دولة فلسطينية توجد منذ الان في ذروتها، ونتنياهو يبتلع فيها خلافا لمبادئه ونواياه.

 القطار مسافر. هدفه تقرر منذ عهد رابين، وانطلق الى دربه في عهد شارون، وشحن بالوقود جيدا من قبل اولمرت ولفني. نتنياهو فكر على ما يبدو ان يقود دولة اسرائيل في طريق آخر، ولكن القطار مندفع وهو يوجد في داخله. يمكنه أن يوضح بانه لا يوافق الا على دولة مجردة، وطرح شروط مستحيلة على اقامتها والتظاهر بانه رئيس وزراء مصمم ومسؤول يعرف بالضبط ما يريد – ولكن كل هذا ليس سوى سعي عبثي بل وربما مثير للشفقة، في داخل الحجرة الضيقة للقطار الذي يواصل في هذه الاثناء الطيران الى الامام.

 حتى لو تحلى بالجسارة وقرر ليس فقط السعي داخل الحجرة بل التمرد والسير ضد اتجاه السفر، فأقصى ما يمكن أن يفعله هو ان ينتقل من حجرة الى حجرة، فيصل – اذا لم تعرقله هزات الطريق – الى النافذة في نهاية القطاع المندفع، لينظر خارجا ويرى كل ما يخلفه وراءه.

 المطالب الحازمة زعما لنتنياهو – في أنه مع استئناف المفاوضات ينبغي أن يعلن الطرف الفلسطيني عن ان النزاع انتهى، ويعترف بدولة يهودية ويقبل شروط الدولة المجردة – تتعارض ظاهرا مع تصريحاته السخية ظاهرا عن استعداد اسرائيل "للسير نحو السلام على عجل". فالجميع يعرفون بانه لا يوجد اليوم زعيم فلسطيني قادر على أن يوافق على هذه المطالب، وانه لا يوجد اليوم زعيم فلسطيني على الاطلاق. الجميع يعرفون بانه حتى لو صحا ابو مازن للحظة وقبل هذا الشرط او ذاك، فان من يسيطر على هذه الارض ليس هو بل حماس. والجميع يرون ما يحصل في قطاع غزة، ويفهمون بان كل الضمانات التي في العالم لا يمكنها أن تضمن الا تصبح دولة  جديدة لحماس قاعدة صواريخ واحدة كبرى، هذه المرة في وسط البلاد.

 ومع ذلك، وان كان يتضح بان نتنياهو يعمل، في واقع الحال، ضد اقامة دولة فلسطينية وليس في صالحها، فان القطار يواصل السفر. مجرد اقواله هذه، مجرد استخدامه للتعابير الخطيرة التي قررها رابين، شارون ولفني، فان مجرد حديثه عن "دولتين للشعبين" كشيء ما يمكنه أن يسمى "سلاما" – كل هذه تشحن القطار بالوقود وتجعل نتنياهو نفسه غير ذي صلة.

 لا يوجد شيء مثل "دولة فلسطينية مجردة". الدولة المجردة ليست دولة بل في افضل الاحوال كيان حكم ذاتي اسمي، ولا يتصور أي عدو لاسرائيل بان هذا ما سيخرج في نهاية المطاف من كل الكفاح المسلح الفاخر. ولكن عندما يقول بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاكثر يمينية الذي يمكن لاسرائيل ان تنتخبه  "دولة فلسطينية" مجردة، فان العدو يسمع عبارة "دولة فلسطينية" ويكتفي بذلك. واذا كان نتنياهو يمتنع عن الذكر بان خلف نهر الاردن توجد منذ الان دولة فلسطينية واسمها الاردن، واذا كان لا يرفض الوقف التام للبناء في المستوطنات واذا كان هو ايضا – مثل رؤساء الوزراء الذين كانوا قبله – يعرض انسحاب الجيش الاسرائيلي من يهودا والسامرة بصفته الحل الوحيد للمشكلة الديمغرافية، فماذا يضيرهم أنه يقول "مجردة"؟ ماذا يضيرهم ان يسعى بين حجرات القطار، طالما أن هذا القطار يواصل طريقه؟

 بين الجبال والصخور يطير القطار، ولا يغير في الامر من شيء ان يكون في الكنيست اليوم اغلبية ساحقة للرأي في أن خطر دولة حماس في مركز البلاد هو خطر فوري اكثر، وحاد أكثر، من خطر الدولة ثنائية القومية. وحتى في المحطات لم يعد القطار يتوقف، ولا يهم اذا كانت "خطة المراحل" لـ م.ت.ف تواصل تعريف الدولة الفلسطينية في يهودا والسامرة كمقدمة لمواصلة الكفاح وتشديده، وان سفير م.ت.ف في لبنان، عباس زكي، اعترف منذ وقت غير بعيد بان "الدولتين للشعبين" هي صيغة مؤكدة لانهيار الصهيونية.

 اليوم أيضا يؤمن بنيامين نتنياهو بالتأكيد مثلما حذر هو نفسه مرات عديدة في الماضي في أن حتى الدولة الفلسطينية المجردة هي مصيبة  لاسرائيل. اليوم ايضا يحسن هو بالاحرى تحليل الاوضاع والمخاطر وفهم ماذا يريد العرب حقا – بمن فيهم الذين في سوريا – والى أين حقا تصل القوة الآخذة بالضعف للرئيس اوباما.

 ولكن القطار بات يسافر، ومن يوجد في داخله ينطلق نحو تنازلات أليمة عن كل شيء – باستثناء الدولة الفلسطينية. السؤال ليس فقط اذا كان نتنياهو يمكنه أن يوقف هذا القطار بل اذا كان يريد.