خبر المأزق الفلسطيني المركب .. نواف الزرو

الساعة 09:36 ص|16 نوفمبر 2009

بقلم: نواف الزرو

ربما تحتاج الحالة الفلسطينية اليوم، ونحن أمام 21 عاما على إعلان الاستقلال الفلسطيني في الخامس عشر من نوفمبر 1988، إلى مراجعة وطنية فلسطينية وعربية شاملة. فالخريطة الجغرافية والسياسية والاستراتيجية الفلسطينية، أصبحت اليوم باهتة متفككة، لا تبشر بانتقال حقيقي لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة إلى حيز التطبيق. فاعلان الرئيس أبو مازن الأخير حول نيته عدم ترشيح نفسه للرئاسة الفلسطينية مرة أخرى، لا يخلق في الحقيقة مأزقا فلسطينيا جديدا، وإنما يعمق المأزق القائم منذ ذلك الوقت، وخاصة منذ مدريد وبعدها أوسلو، وهو مأزق مركب على مختلف الصعد الفلسطينية والإقليمية، إذ إن كافة الآفاق مغلقة أمام الفلسطينيين.

فإن تحدثنا عن المفاوضات واحتمالات التسوية، فقد كانت وصلت إلى طريقها المغلق تماما، منذ ما قبل نتنياهو الذي جاء فقط ليمزق ما تبقى من قناع عليها. وإن تحدثنا عن الأرض والاستيطان، فحدث ولا حرج. وإن تحدثنا عن الاقتصاد، فالأحوال الفلسطينية على امتداد الأرض المحتلة جحيمية لا تطاق. وإن تحدثنا عن الأحوال الفلسطينية الداخلية المتفاقمة، في ظل قسوة الانقسام الجيو سياسي ما بين الضفة وغزة، فهي لا تسر حقيقة سوى دولة العدو. وإن تحدثنا عن الأوضاع العربية المحيطة، فهي تبعث الارتياح الشديد لدى المؤسسة الأمنية السياسية الإسرائيلية.. وكذلك على المستوى الدولي والأممي.

الإدارة الأمريكية لم تغير من استراتيجيتها المنحازة حتى النخاع لصالح إسرائيل، وتصريحات هيلاري كلينتون الأخيرة حينما أعلنت تأييدها للحل «غير المسبوق» لنتنياهو، إنما أسقطت ورقة التين الأخيرة عن عورة السياسة الأمريكية، ومزقت القناع الذي تتخفى وراءه تماما، ولم تشفع لها في ذلك تراجعاتها ـ الإعلامية الاستهلاكية ـ في تصريحاتها بعد ذلك في القاهرة وغيرها.

أما عن الإحباط واليأس الذي أصاب الرئيس والشعب الفلسطيني، فحدث ولا حرج. وحسن أن الرئيس الفلسطيني توصل أخيرا إلى الإحباط من السياسة الأمريكية ومن الاستيطان الإسرائيلي، لأنه بذلك يكون آخر الفلسطينيين المتفائلين والمراهنين على التسوية الذي يتوصل بعد عناء كبير وطويل إلى الإحباط من الإسرائيليين ومن مماطلاتهم.. وكل الفلسطينيين وراءه في ذلك، بعد أن كانوا سبقوه ربما بسنوات من الإحباط واليأس.

ولعل معطيات المشهد الفلسطيني والأحداث التي تجري على الأرض الفلسطينية على مدار الساعة بلا توقف، حيث الخرائط والبلدوزرات والاستيطان والتهويد، تنطق بالحقائق: فقوات الاحتلال ووحداتها المستعربة، لم تتوقف عن اجتياحاتها ومداهماتها للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية على امتداد مساحة الضفة الغربية، كما تواصل دولة الاحتلال سياسة البلدوزرات والجدران الالتهامية، حيث لم تبق تقريبا مدينة أو قرية فلسطينية، إلا وطالتها الاجتياحات والبلدوزرات.

كما توغل دولة الاحتلال عمليا في تقطيع أوصال الضفة الغربية جغرافيا وسكانيا، فكل مدينة فلسطينية أصبحت معزولة عن قراها وعن أخواتها من المدن الفلسطينية الأخرى، بسبب سياسة الحصارات والأطواق الحربية، التي تنطوي على مضمون قمعي جماعي للشعب الفلسطيني.

إلى ذلك، تتحدث المصادر الفلسطينية عن نحو 800 إلى 1000 حاجز عسكري، تنتشر على الطرق الرئيسية وحول المدن الفلسطينية، تنكل بكل أبناء الشعب الفلسطيني على مدار الساعة. ناهيكم عن الاعتقالات الجماعية المستمرة، فهناك 4524 حالة اعتقال منذ بدء العام الجاري، منهم 412 حالة خلال أكتوبر الماضي، أما عن الاستيطان الجامح فخريطته تختطف عمليا القدس والضفة الغربية، وتخرجهما من كل الحسابات.. وعن عملية السلام، وهذا هو الأهم هنا، نستحضر ما قاله عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، من أن «عملية السلام انتهت ولا توجد لها أي نتيجة ولا توجد عملية سلام، وهناك تدمير لكل فرص إقامة الدولة الفلسطينية من خلال عملية الاستيطان».  وفي هذا الصدد كثف المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي المشهد في هآرتز قائلا: «آن الأوان لوضع حد لهذه الحماقة؛ يتوجب أن نقول الآن كفى لهذه اللعبة الأكثر خطورة في المنطقة، بعد لعبة الحرب، لعبة «العملية السياسية»، هذه لعبتنا الثانية»، مضيفا في عبارات شديدة: «ليس هناك أمر لم يبحث ولم يقل. بعد عدد لا ينتهي من المشاريع السلمية و»المشاريع الاحتياطية» و«مشروع الرف»، وخرائط الطرق والتسويات السياسية التي لم يطبق أي واحد منها، يتوجب الصراخ في وجه الحكومة الجديدة: لا تبدأ مرة أخرى في رقصة السحرة ودوامة المداولات العقيمة».  ثم يأتي الكاتب والمحلل الإسرائيلي الآخر عكيفا إلدار ليعلق في هآرتز: «الوعود والتصريحات الإسرائيلية شيء، وما يجري على أرض الواقع شيء آخر مختلف تماما». ويلحق به المحلل بن كاسبيت في معاريف واصفا العملية بأنها «حوار طرشان».  فهل هناك أوضح وأبلغ دلالة من ذلك؟! عمليا كل ذلك بات حقيقة كبيرة، غير أن القيادة الفلسطينية هي التي لم تكن تريد رؤية ذلك، وتمسكت باستمرار المفاوضات من أجل المفاوضات فقط، ولأنه لا بديل من وجهة نظرها للمفاوضات! ولكن الأسوأ في المشهد السياسي الفلسطيني، هو استمرار الانقسام والتشظي.  في ضوء كل ذلك، فإن الجدل الفلسطيني أصبح يحتدم بقوة حول المخرج والسيناريوهات السياسية المحتملة، وهي تتراوح على الأرجح بين بقاء الوضع على ما هو عليه، أي أن يقدم الرئيس عباس استقالته ويعلن فشل نهج السلام.. أو أن يقدم الفلسطينيون على حل السلطة وإعادة القضية للأمم المتحدة.. أو أن يتمخض الوضع عن اندلاع انتفاضة ثالثة تعيد القضية إلى مربعها الصراعي الأول.  دعوة الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية إلى «تبني استراتيجية وطنية تجمع بين المقاومة الشعبية ودعم الصمود الوطني، وتحقيق الوحدة الوطنية، واستنهاض أوسع حركة تضامن دولي»، ففلسطين تحتاج أشد ما تحتاج في هذا الظرف، إلى الوحدة الوطنية والى خطة استراتيجية شاملة.  فهل تتدارك الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة الوضع المتدهور نحو هاوية سحيقة؟!

إنها مسؤولية وطنية وتاريخية، فلسطينية وعربية، كبيرة. والشعب الفلسطيني وكل الأحرار العرب، يتطلعون إلى أن يتحقق هذا السيناريو، في مواجهة بلدوزر التهويد والاختطاف والإلغاء الصهيوني الجارف!