خبر من قلت انه يساري؟.. معاريف

الساعة 11:18 ص|15 نوفمبر 2009

بقلم: ياعيل باز ميلاميد

ذات مرة كان متبعا جلد الناس في ميدان المدينة اذا ما اعتقد انهم ساروا في طريق العار. الازمنة تغيرت، لفرحتنا. اليوم يكفي ان يسمى احدهم يساريا كي يكون واضحا من هو وكم هو هاذٍ وعابث طريقه.

العادة اليوم هي التوبة من خطيئة اليسارية السابقة. مثل اولئك التائبين الذين يقزمون كل لحظة في حياتهم العلمانية عديمة المعنى والفهم، هكذا رجال اليسار يتعاطون مع سنوات حياتهم السابقة، قبل أن يكتشفوا النور الكبير لمعسكر اليمين المحق ويخلفون بعيدا وراءهم رفاقهم السابقين الذين علقوا في ظلام يساريتهم. البارزون من بين المتحولين الى اليمين هم بالطبع عيريت لينور، ايفري جلعاد ويرون لندن الذي كتب الاسبوع الماضي مقالا لاذعا، منمقا جدا بالتأكيد يحتاج الى طرح حجج مضادة ولكن في اساسه لا يزال يتعامل مع اليسار كمعسكر يزعم التنور، يتمسك بمواقفه القديمة كمن يتمسك بقرني المذبح.

واذا كان هكذا الحال، فما العجب في أنه حسب تصريحات النائب شاؤول موفاز، فان الامر الاخطر الذي يمكن أن يقع في الحياة السياسية هو أن يسموه يساريا. هكذا على الاقل قال لـ "يديعوت احرونوت" في مقابلة اجريت معه ونشرت يوم الخميس. "كله الا ان تسموني يساريا"، استجدى لحماية مستقبله السياسي، بعد أن نشر خطته السياسية التي ما كان للكثير من السياسيين ان يتجرأوا على الهمس بها. مفاوضات مع حماس؟، دولة فلسطينية في غضون سنة؟، اخلاء مستوطنين في مستقبل؟ فقط لمن كان رئيس اركان ووزير دفاع سابق، عضو ليكود وذا اراء يمينية صرفة، مسموح ان يغرق وجه الارض بمواضيع كهذه.

معظم اليسار، مئات الاف الاشخاص المتنورين دون "هلالين" معظمهم يؤمنون بطريق الوسط، صهاينة دون ما بعد، يبعثون بابنائهم الى الجيش، الى الوحدات الاكثر قتالية، وطنيون بكل ارواحهم، يعتقدون ان الطرفين مذنبين بقدر متساو بتفجير كل خطوة تسوية، حتى لم يفكروا بامكانيات بعيدة الاثر كهذه. اما شاؤول موفاز، الذي جعلته جسارته العامة واستعداده للبحث عن طرق لم تجرب من قبل في لحظة زعيما ذا قامة، فمستعد لان يدفع كل ثمن عام الا ان يسموه يساريا. لا ريب أن الامر الاسهل هو ان يكون جزءا من المعسكر الكبير لما يسمى يمينا، ولا سيما اذا صدقنا مواقف هذا المعسكر دون تحفظات وترددات.

الواقع الذي يقترحه الموقف اليميني اقل تعقيدا من ذاك الذي يغلف معسكر اليسار: لا يوجد مع من يمكن الحديث، الفلسطينيون لا يريدون أي مفاوضات اذا لم تتضمن ايضا حيفا ويافا والقدس، وعليه يجب مواصلة الوضع القائم الى ان يرضوا ويقولوا نعم نريد. وهذا لن يحصل الا اذا كنا اقوياء وأريناهم بانه لا توجد أي فرصة للانتصار عليها في الحرب. وعندها لعلهم يوافقون على ان نواصل الاحتفاظ بكل الكتل الاستيطانية، ونعطيهم دولة دون صلاحيات عسكرية وامنية، واذا كانوا يرغبون شديد الرغبة، فسننقل اليهم ايضا سكان اسرائيل العرب. حتى ذلك الحين محظور التحرك ولو لملمتر واحد نحوهم.

لقد جربنا كل شيء، اعطيناهم كل ما طلبوه، وهم شرعوا بانتفاضة اولى وثانية، وربما بعد قليل ثالثة. إذن سنواصل الاحتلال لمائة عام اخرى، إذ ماذا يضيرنا، سنبقى مكروهين في العالم الحر، ولكن هذا سيحصل ايضا اذا ما اعطينا الفلسطينيين ما يريدون، وذلك لان الجميع يكرهون اسرائيل، وسنواصل القول ان كل من لا يفكر مثلنا هو يساري، مجتث لاسرائيل وبالاساس لا يقرأ الخريطة ولا يفهم امام من نقف. شاؤول موفاز قرأ الخريطة وفهم بان ما كان ويوجد لا يمكنه أن يستمر. في الثنائية المصطنعة التي بين اليمين واليسار جعل نفسه يساريا، وعليه أن يتباهى بذلك. ليس على كونه رجل يسار، بل على الفهم بان مائة عام احتلال ستصفي الصهيونية واسرائيل. بل حتى خمسين. وضع اللاشريك وهجر البحث عنه، بدعوى ان الفلسطينيين لا يريدون حقا، سيوقع علينا جميعا مصيبة، ولكن لا ريب أنه سيجلب لبنيامين نتنياهو ولاية اخرى.