خبر ما هي مرامي الكلام حول السلام .. علي عقلة عرسان

الساعة 05:33 م|13 نوفمبر 2009

بقلم: علي عقلة عرسان

ما هي مرامي كلام القادة الصهاينة، في فرنسا والبرازيل والبيت الأبيض، عن الرغبة في السلام مع الفلسطينيين، وتحريك المفاوضات على المسار السوري؟ وما مدى نجاح الرئيس ساركوزي في تحركه باتجاه سورية لسبر الموضوع ومقاربة الأطراف والمعطيات في هذا الوقت بالذات، مع أن أقوال نتنياهو عن مفاوضات مباشرة مع سورية من "دون شروط"، وهي أقوال تتصادم مباشرة بل تتناقض مع تركيز سورية على حقوق يسميها هو شروطاً!؟ وهل يعود الرئيس عباس عن إعلانه الابتعاد عن الترشح للانتخابات القادمة استجابة " للضغط والتدخل والوعود..إلخ."؟ وهل كل ذلك تغطية على نعي المفاوضات الفلسطينية وسلطة عباس معاً، وسعي لاسترداده بوصفه الرئيس الفلسطيني الأفضل لإبقاء الأمور معلقة واستمرار تهويد القدس وزحف الاستيطان بتسارع، بينما هو يتعمشق الشجرة، ويطالب بوقف ذلك لكي يُستأنف التفاوض، ويرفض المقاومة ويغذي الهجوم عليها بإعلان عبثيتها؟ أم هي رغبة حقيقية في السلام حلَّت فجأة على الأطراف الصهيونية التي ترفضه دوماً وتعرقل الوصول إليه بكل الوسائل الممكنة؟ أم تراها مناورة صهيونية جديدة من المناورات الكثيرة المدروسة، بهدف تغيير الصورة المهزوزة للكيان الصهيوني بنظر العالم بعد العدوان على غزة وتقرير غولدستون، وكسب مزيد من الوقت لتغيير الكثير من الوقائع على الأرض في فلسطين المحتلة عامة وفي القدس خاصة، وإبقاء الحصار على غزة في شتاء آخر قادم يبقي المشردين من أبنائها في العراء، بسبب العدوان الهمجي الصهيوني، يعيشون تحت الخيام لسنة أخرى بقرِّها وحَرِّها؟ أم هو استرضاء واستدراج للرئيس أوباما لكي يرضى عن "نتنياهو ذي السلوك المزيج من الغرور والديماغوجيا الذي يلعب بالكلمات والوعود" فيضخ المزيد من المساعدات المالية والعسكرية لإسرائيل، ويعطيها أحدث ما توصلت إليه الترسانة العسكرية الأميركية من معدات وصواريخ، بحجة حماية أمنها والاستعداد لمواجهة خطر إيران عليها؟.. أم تكمن وراء ذلك أهداف مضافة إلى كل ما سبق من أهداف.؟!.. كل ذلك يمكن أن يكون في جعبة المنسقين لهذا التحرك الآن، وكل ذلك أيضاً "ربما" يكون معلوماً للعرب الذين يستجيبون لهذه المساعي من دون مراجعة تذكر.

 

لقد صرح مسؤولون عرب في مناسبات كثيرة، فردياً وجماعياً، بأن الكيان الصهيوني لا يريد السلام، وأنه يقضي على كل فرصه حين يفعل ما يفعل في القدس ويتابع الاستيطان ويطالب بيهودية الدولة، وقال مسؤولون فلسطينيون في السلطة، أكثر من مئة مرة، إن " إسرائيل " لا تريد السلام، وتعرقل كل خطوة باتجاهه بأشكال وذرائع متعددة، منها الاستيطان والحصار والتهويد والعدوان، والإعلان عن عدم وجود شريك فلسطيني.. إلخ، وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مؤخراً أنهم أفشلوا مهمته وأنه ذاهب إلى البيت.. فما الذي استجد لكي يُقبِل بعض العرب على هذا التحرك الصهيوني الجديد اليوم، وما النتيجة التي يتوقعونها بعد عقود من المفاوضات وانتظار المفاوضات وهو ما ثبت عقمه وعبثيته بأكثر من دليل قاطع.؟

هناك في فضاء الذاكرة حقيقة مفادها أن العرب يتدخلون منقذين للكيان الصهيوني من أزماته في الظروف الصعبة التي يمر بها، بوعي وإرادة منهم أم من دون وعي ومن دون إرادة، ومن ثم يجنون الخسران أو يضيفون إليه دفع تكاليف سعيهم، ويفسحون في المجال أمام العدو لمرحلة أخرى من مراحل التهويد والعدوان عليهم والاستخفاف بهم.!! إن الكيان الصهيوني يمر اليوم بواحدة من أسوأ أزماته، حسب وصف هارتس لها، حيث تقول في افتتاحيتها: " الوضع السياسي لإسرائيل في الحضيض. المفاوضات مع الفلسطينيين في جمود، ورئيس السلطة الفلسطينية يهدد بالاعتزال. القناة السورية عالقة. رئيس الوزراء بالكاد يُستقبل للقاء في البيت الأبيض. تقرير غولدستون يعرض إسرائيل كمجرمة. وفي الخلفية تحتدم المخاطر الاستراتيجية: الاحتلال في المناطق، التآكل الديموغرافي، وتسلح إيران، حزب الله وحماس."./هآرتس -  11/11/2009

في ضوء هذا يمكن أن نتقرَّى بعض ملامح المشهد السياسي ونضيف إليها معطيات مؤثرة، وفي ضوء ذلك أيضاً يمكن أن نقف على بعض الاستنتاجات، ونستخلص بعض النتائج. ومما يضاف إلى ملامح المشهد في المنطقة تفاعلات الحرب في صَعْدَة، ودخول المملكة العربية السعودية على خطها مبعدة المتسللين عبر حدودها، وما نتج عن ذلك من تصريحات ومواقف إيرانية وعربية ما زالت تتفاعل، وهي بمجملها تدفع باتجاه مواجهة عربية ـ إيرانية محتملة، لا سمح الله، وهي مواجهة تطلبها " إسرائيل" منذ زمن، وتدفع باتجاهها بقوة وتصميم، وتعمل هي وحليفها الأميركي وبعض الأوربيين من أجل حدوثها من دون كلل أو ملل.. وإذا ما شبَّت نار فتنة من هذا النوع فإن كل الأوضاع والمواقف ستتأثر، بما في ذلك مواقف المقاومة في لبنان وغزة والضفة الغربية وحتى في سورية، ولن تبقى على الحياد ولا بمنجى من التأثّر.. وعند ذلك لن تبقى صورة الشرق الأوسط الجديد المقاوِم، كما عبر عنها الرئيس بشار الأسد في مؤتمر الأحزاب العربية المنعقد الآن بدمشق في "دورة القرار العربي المستقل"، بقوله: " إننا بدأنا الآن ببناء شرق أوسط جديد جوهره المقاومة".. وإن "المقاومة بمعناها الثقافي والعسكري وبكل معنى آخر هي جوهر سياساتنا في سوريا اليوم وفي الماضي، وستبقى في المستقبل، وهي جوهر وجودنا."، لن تبقى تلك الصورة المنشودة كما هي، لا في ضل حدث من هذا النوع ولا في ضل مفاوضات مع العدو الصهيوني، نعرف ملامحها وشروطها وآفاقها وربما خواتيمها.. ففي ضوء الماضي والحاضر يمكن أن يُقرأ المستقبل، ونحن نعرف الكثير الكثير عن تفاصيل المفاوضات والمواقف على هذا المسار منذ مؤتمر مدريد حتى توقفها عبر الوساطة التركية مؤخراً.. ولن تبقى علاقات تركيا وسورية وإيران والمقاوَمة فيما بينها ومع الدول العربية الأخرى كما هي، من دون تأثر بالحدث، وسوف يستفيد الكيان الصهيوني من ذلك إلى أبعد الحدود، فتلك من الفرص التي ينتظرها وسوف يستغلها مع حلفائه.

وإذا أضفنا إلى المشهد مواقف ومعطيات مما يجري في العراق وأفغانستان وباكستان، ودور الولايات المتحدة الأميركية والكيان في كل ما يجري فيها، فإن ملامح المشهد السياسي وانعكاساته على كل القضايا والتفاصيل تغدو أكثر وضوحاً.

يرى البعض أن المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي، بديل ذي دِلالة وغاية وتأثير على توقف المفاوضات على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأن الكيان الصهيوني يلعب لعبة المسارات ليحصل على ما يريد، ولا يقدم بالنتيجة شيئاً لمن يفاوضونه، بل يرفع سقوفه ويتهمهم ويتعالى عليهم. وفي ظني أن سورية والسلطة الفلسطينية تدركان ذلك وتتحاشيان الوقوع في مصائده، وترفضان أهدافه.. ولكن حدث في الماضي أن لسعنا من الجحر ذاته أكثر من مرتين، وحقق العدو الصهيوني المراوغ بعض أهدافه بهذه الطريقة أو تلك.. فهل سنكون في هذه المرة بمنجى من أي تأثير سلبي على المسارين أو علي أحدهما، وهل ندرك قيمة الزمن الذي سيأخذه العدو ويقضيه في التهويد والاستيطان بينما نركن نحن إلى المفاوضات فقط ونحسب حساب " المجتمع الدولي" وردود فعله؟ نأمل أن نعي كل ذلك ونحتاط له.. لكن لا نتأكد من عدم حدوثه، فالزمن السابق حفل بمثل هذا منذ مؤتمر مدريد 1991وحتى آخر جولات التحرك في هذا الاتجاه عام2009.  

إن مواقف الأطراف التي تقف على مداخل المسارات التفاوضية معروفة ومعلنة.. ففي أية مفاوضات تريد سورية استرداد الجولان المحتل حتى حدود الرابع من حزيران 1967 بما في ذلك الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية وحقها في المياه. وتريد السلطة الفلسطينية دولة في الضفة الغربية وغزة عاصمتها القدس وحدودها خط الرابع من حزيران 1967 وتريد " حق العودة"، ربما وفق مشروع اتفاق جنيف المعد للحظة الملائمة.". أما الكيان الصهيوني فيريد ما حققه على الأرض من استيطان وجدار فصل وتهويد، وما يتطلع إلى تحقيقه، وما يحصل عليه بالتفاوض، إضافة إلى يهودية الدولة، ورفض حق العودة، ويريد القدس عاصمة موحدة له، ووضعاً لدولة السلطة الفلسطينية لا يخرج عن وضع بلدية ملحقة به. فكيف يمكن الوصول إلى نتائج إيجابية مع اختلال " ميزان القوة لمصلحة العدو"، وغياب إرادة المواجهة عربياً، وملاحقة المقاومة العربية بأشكال متعددة، وغياب الإرادة الدولية المنصفة، ووضع " إسرائيل" فوق المساءلة والقانون.؟!       

لن يُخرِج الرئيس ساركوزي "الزير من البير" فهوامش تحركه هي ما يتم الاتفاق عليه مع "إسرائيل" والحركة الصهيونية والولايات المتحدة الأميركية، بمؤسساتها المنحازة كلياً لإسرائيل والمحكومة نسبياً من الحركة الصهيونية هناك. وستكون هذه الجولات دوامات في فراغ سياسي كبير يأكل الوقت ويفتك بإرادة العرب، ويقدم العدوَّ الصهيوني للعالَم راغباً في السلام وساعياً إليه، في قفزة سياسية ودبلوماسية وإعلامية منه وم حلفائه، ترمي إلى تحسين صورته البشعة أمام الرأي العام العالمي، بعد أن أخذت تلك الصورة بالتآكل، وأخذ وجهه القبيح بالظهور لكل ذي عقل ونظر.

فهل نبني المقاومة بشمول وسَعة أفق ومسؤولية وطنية وقومية، وهل نصلح بيتنا العربي إصلاحاً حقيقياً لا شعاراتياً، وهل نلتفت إلى امتلاك القوة بمعناها الشامل، لكي نحقق الشروط الأولى للتحرير والتفاوض المتكافئ.؟ إنه تطلع وأمل .. والله ولي الأمور.