خبر كأس نبيذ يكفي .. يديعوت

الساعة 02:18 م|13 نوفمبر 2009

بقلم: ناحوم برنيع

هل يتوجب فتح زجاجة شمبانيا؟ سألت احد كبار المسؤولين في البيت الابيض بالأمس الاول.

شمبانيا؟ تساءل لماذا الشمبانيا؟ الصباح كان قد لتوه في واشنطن وهذا ليس بالوقت الملائم للشمبانيا.

قلت: شمبانيا بسبب نجاح اللقاء فقد كنت قد قلت لي قبل قليل ان اللقاء كان ايجابيا جدا. الامريكي قال لي "هيا بنا لا نبالغ، كأس نبيذ يكفي". وربما كان كأس من الكوكاكولا كافيا اقترح عليه. ما رأيك مثلا بكأس كوكاكولا زيرو.

يبدو لي انني قد سمعت صوت ابتسامة على الخط الثاني من الهاتف.

الارتياب الذي رافق لقاء اوباما مع رئيس الوزراء لم يولد في  الفراغ. ما نشر بصورة بارزة كان الصعوبة التي يواجهها البيت الابيض في ايجاد وقت للقاء، هذه الصعوبة التي لم تظهر في عهد الرئيسين السابقين. نتنياهو شعر بالاهانة. ولانه لم يكن قادرا على مهاجمة الرئيس فقد صب جام غضبه على رئيس طاقمه رام عمانوئيل.

الفجوة بين توجه اوباما من الصراع ونهج نتنياهو معروفة. كما ان التوتر الشخصي بينهما معروف. مع ذلك كانت التجربة هي التي اسهمت باجواء الارتياب اكثر من غيرها. اللقاءان السابقان بين الاثنين في واشنطن ونيويورك وصف على الفور بعد انتهائهما كبداية لصداقة رائعة. بعد مدة من الزمن فقط اعترف اتباع نتنياهو بان اللقائين كانا باردين وقد اتسما بالنفور والحقا الضرر اكثر من المنفعة. لم يسارع احد للعب دور المغفل: ومن أكل من الشيء مرتين لا يسارع في ابتلاع الملعقة في المرة الثالثة.

هناك شيء واحد مؤكد اتفق عليه بين الاثنين: اظهار اللقاء بصورة ايجابية جدا. اختصار ذكر التفاصيل والاكثار من الحديث عن الاجواء. عندما عقد مناحيم بيغن مؤتمرا صحفيا في ختام لقائه مع الرئيس الامريكي كان السؤال الاول هل يوجد هناك انسجام. بيغن فكر للحظة وعندئذ قال بابتهاج: اجل هناك انسجام.

بالامس الاول اطل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من نافذة غرفته المتواضعة في فندق باريس – التواضع في الفنادق اصبح الان صرعة دارجة خصوصا في باريس – حيث كان الوقت عصر يوم خريفي تغمره الشمس. النافذة كانت مفتوحة وأطلت منها أسطح باريس الشهيرة: اسطح ذات طبقتين حتى يتم وضع غرفة نوم الخادمة بين الطبقتين. نتنياهو تابع اشعة الشمس التي تنفذ للداخل فتضيء جوانب الفندق. هذا الفندق لم يرمم منذ ثلاثين عاما، قال وهذا كان برهان جديد غير مباشر على موجة التواضع التي ألمت بقيادتنا السياسية. وان لم يقم احد بايقاف نتنياهو وباراك في موعد مبكر فانهما سينزلان في زيارتهما القادمة في نزل صغير.

نهاية الكارثة

اللقاء مع اوباما كان جيدا جدا، قال نتنياهو. حددناه لنهاية اليوم لاننا اردنا ان تكون اغلبية المحادثة على انفراد وان لا يتم قطعها بسبب لقاء آخر. لم تكن هناك اية امور اضطرارية.

اللقاء الواسع مع كل الحاشية جرى في الغرفة البيضوية. هذا اللقاء استغرق 14 دقيقة بالمجمل. بعد ذلك اخذ اوباما نتنياهو الى غرفة مقابلة اقل رسمية. الاثنان خلعا المعطف، وتحادثا بين ساعة وربع حتى الساعة والنصف تقريبا. لم يكن هناك من يسجل الحديث – وهذه مشكلة معروفة في المحادثات المباشرة بين رؤساء وزراء اسرائيل ورؤساء الولايات المتحدة. في الوهلة الاولى كان بالامكان كل واحد من الاثنين ان يتذكر من هذا اللقاء ما يريده لكن افتراض الاسرائيليين كان الامريكيين يسجلون كل كلمة بالسر. اجهزة التسجيل موجودة هناك منذ عهد كيندي ناهيك عن نيكسون.

نتنياهو تذكر اللقاء الذي عقده مع اوباما في 2007 في مطار ريغن في واشنطن. اوباما كان في بداية معركته الانتخابية نحو الرئاسة. نتنياهو كان يشق الطريق لعودته لرئاسة الوزراء. هما كانا سياسيان طموحين جدا. التطلع للوصول للتاج كان قاسما مشتركا بينهما. نتنياهو من ناحيته اقتنع بأن اوباما ضعيف الشخصية: كلماته جميلة الا انه لا يستطيع الوقوف من ورائها. وهذا كان ظن اوباما بنتنياهو بالضبط. اللقاء بينهما كان كارثة.

ولكن في هذا الاسبوع في واشنطن شعر نتنياهو انهما يعودان الى ذلك اللقاء في مطار ريغن. المحادثة كانت صريحة والتحليل كان المعيا. اوباما أظهر انه يمتلك المعلومات والفهم والسيطرة على تفاصيل تفاصيل الصراع. وقطع طريقا طويلا في توجه نحو الشرق الاوسط. انا ايضا قطعت طريقا طويلا يقول نتنياهو. وهكذا كان هناك اساس مشترك. في هذا المثلث توجد ثلاثة رؤوس: اثنان منهما اوباما ونتنياهو يريدان استئناف العملية اما الرأس الثالث ابو مازن فاشكالي ومن الواجب جلبه.

نتنياهو يكرر القول بأنه يريد الاتفاق، وليس مفاوضات تستطيل للابد. مهمته كانت اقناع اوباما بأنه يقصد بجدية ما يقوله وفوق ذلك تزويده بأداة فعالة تقنع ابو مازن.

في  مفترقات سياسية كهذه تظهر في العادة فكرة وديعة: رئيس وزراء اسرائيل يودع بيد الادارة الامريكية طرف تنازلاته. الادارة تعد بالحفاظ على هذه الوديعة في السر ولكنها تخوض حملات مكوكية من منطلق الثقة بوجود اساس للاتفاق. رابين مثلا اودع بيد وزير خارجية امريكا كريستوفر استعداده للنزول عن هضبة الجولان مقابل السلام مع سوريا. كريستوفر حدث الاسد عن هذه الوديعة ورابين وجد صعوبة في غفران ذلك له. باراك اودع اقتراحه بصدد الاتفاق مع الفلسطينيين بيد كلينتون واولمرت في لقاءاته المنفردة مع بوش حدثه الى اي مدى هو مستعد للوصول في الاتفاق مع الفلسطينيين.

فهل اودع نتنياهو بيد اوباما تنازلاته؟ الطرفان ينفيان ذلك. مع ذلك من الصعب ان نرى كيف يمكن لنتنياهو ان يكسب ثقة الرئيس من دون الدخول في التفاصيل. نتنياهو يلمح منذ اشهر في كل لقاء مع وزير محتار من حزب العمل وفي كل لقاء مع ضيف اوروبي بأنه عازم على التوجه نحو الحواسم الصعبة والتاريخية. كل واحد يعرف ما الذي يختبىء من وراء هذه العبارة الشائعة والمتكررة. لنفترض فقط من اجل الافتراض ان اوباما الذي يعرف المنطقة الان بتفاصيل التفاصيل قد سأله، ما الذي  تقصده عندما تقول الحواسم الصعبة. فهل يعقل ان يكون قد رفض الرد على هذا السؤال.

كنت حذرا، يقول نتنياهو. تحدثت بصورة واضحة وصريحة هذه كانت محادثة حول الاستراتيجيا وليس حول التكتيك والمناورات.

على نتنياهو ان يشكل ائتلافا حكوميا اخر حتى يتوصل الى اغلبية الحواسم الصعبة التي يتحدث عنها. مشكلته الاولى تكمن في طاقم الوزراء السبعة. اربعة منهم – يعلون، بيغن، يشاي وليبرمان – لا يؤمنون بالاتفاق. اما التجاوب مع ابو مازن فيؤمن به اثنان فقط باراك ومريدور. نتنياهو هو الذي حدد هذه التشكيلة الوزارية. اما تشكيلة كتلته في الكنيست فلم يكن هو الذي قررها ولكن هناك ايضا تتربص به المشاكل التي ستزداد حدة مع الوقت. مناحيم بيغن مرر اتفاق السلام مع مصر في الكنيست بواسطة المعارضة في حزب العمل وبثمن منخفض في حزبه وائتلافه. هناك شك ان يمتلك نتنياهو ما كان بيغن قد حصل عليه.

وعندئذ سيضطر لمواجهة الشارع والمستوطنين والاطراف الواسعة لليمين.

مع ذلك لا ينتمي المستقبل دائما لذوي الايمان الضعيف. عندما بدأ شارون مثلا باطلاق تمليحاته حول خطوته البعيدة المدى وجد الكثيرون وانا من بينهم صعوبة في تصديق ذلك. عندها جاءنا فك الارتباط.

الصمود

العنصر الاول في كل تسوية، قال نتنياهو لاوباما هو الامن. انا لست معنيا بتسوية جميلة على الورق ولكنها جهنمية على الارض. المراسيم في البيت الابيض ستكون مثيرة والخطابات ستكون مدوية والعالم سيصفق ولكن السؤال يبقى كيف سنضمن صمود هذا الاتفاق وبقائه مع مرور الوقت.

نتنياهو شكر اوباما عن المساعدة التي تقدمها الادارة الامريكية لاسرائيل والمناوارات العسكرية المشتركة والعتاد العسكري الذي تمت الموافقة عليه ووقوف امريكا ضد تقرير غولدستون. ووعد اوباما بخطوات اخرى لبناء الثقة، حيث ستكون على الاغلب اطلاق سراح سجناء من فتح.

هو اوضح لاوباما بان حكومته قد جمدت البناء في المستوطنات فعليا. هو يرتكز في هذه القضية على الامور التي قالتها هيلاري كلينتون في القدس (في عواصم اخرى قالت امورا اخرى). انا لست واثقا بان ما قاله قد ارضى اوباما. لو كان بمقدور الاثنين لانتهى اللقاء ببيان حول التجميد التام للبناء في المستوطنات ليحدثا دراما حقيقية. كان على ابو مان ان يعود الى طاولة المفاوضات في مثل هذه الحالة. موجة الاحتجاج من اليمين كانت ستحسن مكانة حكومة نتنياهو الدولية وحزب العمل كان سيطمئن. اما على مستوى امتحان القيادة فان ذلك سيكون فرصة جيدة جدا للفوز بثمن معقول.

ولكن الاثنين اكتفيا بأقل من ذلك. كسرنا الجليد. قال نتنياهو. احد المسؤولين الذين رفضوا ذكر اسمهم قال لمراسل الصحيفة "وول ستريت جورنال" بان اللقاء كان مخيبا للامال. الاسرائيليون غضبوا وطالبوا بتوضيحات. في البيت الابيض لم يشككوا بمصداقية الصحيفة. هم وعدوا الاسرائيليين بالبحث عن هذا المسؤول وما زالوا يبحثون عنه حتى كتابة هذه السطور.

من دون حدود

في احد الايام سينهض احد ما ويخرج للنور موسوعة مشاريع السلام الشرق اوسطية من سايكس بيكو حتى موفاز. هذه ستكون سلسلة مجلدات ضخمة كثيرة الصفحات. ولكن ليس من المؤكد انها ستكون كثيرة البيع.

ليست خطط السلام هي المفقودة في الشرق الاوسط وانما الشجاعة في التوقيع عليها، والقوة السياسية المطلوبة بتمريرها والقدرة على الالتزام بشروطها في صبيحة اليوم التالي. موفاز اقترح على الفلسطينيين دولة ضمن حدود مؤقتة تبلغ ستين في المائة من مساحة الضفة. ايهود ابارك اقترح على الفلسطينيين والامريكيين اقتراحا شبيها. الفلسطينيون رفضوا الاقتراح فورا وادعوا ان الامور المؤقتة عند اسرائيل تصبح دائمة. بعدهم رفض الامريكيون الاقتراح. موفاز متفائل بانه سيتمكن من اقناع الامريكيين الذين سيقنعون الفلسطينيين بدورهم. ان لم تقتنع فتح فسنتوجه لحماس. في الوقت الحالي وفي خضم الصمت السياسي المطبق هو ينجح في احتلال عناوين الصحف.

المشروع الوحيد الذي يتوجب ان يقلق حكومة نتنياهو الان هو خطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض. فياض يقترح عملية: الدولة الفلسطينية ستتشكل من دون حدود نهائية. هي ستركز خلال عامين على بناء المؤسسات وفي المقابل ستجري المفاوضات مع اسرائيل. ان لم تتمخض المفاوضات عن الاتفاق فان المسألة ستنتقل لمؤسسات الامم المتحدة. مجلس الامن سيتوصل الى قرار حول مضمون التسوية، بما في ذلك الحدود. الولايات المتحدة لن تفرض الفيتو والنتيجة ستكون حلا احادي الجانب برعاية الامم المتحدة.

مجلس الامن لن يرسل جنود الامم المتحدة لاجبار اسرائيل على قبول التسوية. يكفي ان نقرر ذلك وان لم تتعاون اسرائيل فستبدأ عملية العقوبات خلال فترة قصيرة ستصبح اسرائيل دولة مارقة فتخضع لانها لا تمتلك خيارا اخر.

ليس لفياض تأثير حقيقى على الشارع الفلسطيني. ابو مازن يبتعد عنه. فتح تعتبره عدو. ناهيك عن حماس. ولكن الامريكيين يؤمنون به وهم يسمعون من فمه ما يتمنونه.

في ادارة اوباما فضلوا تبني الجانب الايجابي من مشروع فياض. بناء المؤسسات الوطنية مسألة جيدة. وهذه مسألة توافق عليها اسرائيل والاتحاد الاوروبي. فياض موثوق وجدي ومهني ومن الواجب مساعدته.

في المفاوضات فقط، قال نتنياهو لاوباما في هذا الاسبوع. التجربة الاسرائيلية بصدد خطوة احادية الجانب كما حدث في غزة انتهت بالفشل وهكذا ستنتهي ايضا المحاولة الفلسطينية. اسرائيل سترد ازاء كل خطوة احادية الجانب بخطوة احادية من جانبها. حماس هي التي ستكسب من ذلك وايران بصورة غير مباشرة.

من المحظور التنازل

توم فريدمان صاحب الزاوية واسعة التأثير في نيويورك تايمز مل وسئم. سئم من الفلسطينيين ومن السعوديين ومن الاسرائيليين ومن رفضهم وانانيتهم والطريقة التي تفتقد الى الخجل والتي يستغلون بها امريكا. عاقبهم، دعا اوباما عبر مقالته التي نشرت في يوم الاحد من هذا الاسبوع. اسحب امريكا من العملية.

الاسرائيليون واصدقائهم في امريكا شعروا بالاهانة. اهينوا ايضا من الفلسطينيين واصدقائهم وكذلك من السعوديين. الحقيقة هي انه عندما كتب فريدمان مقالته لم يفكر بأي احد منهم. "هذه كانت مقالة مزاجية" قال. "فكرت بالولايات المتحدة. نحن في حالة انحلال وقد آن الاوان لان تركز امريكا على بناء مؤسساتها قبل ان تبني مؤسسات الشعوب الاخرى".

الانفصالية هي احدى المزايا المثيرة في التاريخ الامريكي. مرارا وتكرارا تعود امريكا في اوقات الازمات الى نفسها وتدير ظهرها لمشاكل العالم ومرارا وتكرارا تعود وتنقذه من الضياع. وفقا لاغلبية الحالات الانفصالية كانت احد عوامل اليمين الامريكي. ملل فريدمان ولد في اليسار ومن خلال صعوبة ادارة اوباما في الخلاص من افغانستان وباكستان والعراق بكرامة ومن صعوبة اخضاع ايران والمراوحة اللانهائية في الشرق الاوسط ومشاهد الضياع الداخلي في المجتمع الامريكي. فريدمان تحدث معي في ذروة جولة في منطقة الامازون. هو قلق من اختفاء الغابات المطرية في جنوب امريكا. هو ليس انفصاليا باي شكل من الاشكال فهو من اصحاب العولمة المحبطين.

هو حدثني عن انه تلقى مئات الرسائل الالكترونية ردا على مقالته وهذا اكثر بكثير مما يصله عادة الا ان قلة من هؤلاء تحدثوا عن الشرق الاوسط.

ولكن الشرق الاوسط واصدقائه غارقون في شؤونهم. جيمي كارتر الرئيس الامريكي السابق سارع للرد في رسالة وجهت لهيئة تحرير الصحيفة وكان غاضبا من المقارنة بين اسرائيل والفلسطينيين. "هم يعانون معاناة فظيعة في غزة وقمع وسلب للحقوق المدنية في الضفة والقدس" كتب. في ختام ذلك اقترح بأن تنشر امريكا مشروعها الخاص للتسوية وان تفرضه على اسرائيل.

نتنياهو ايضا لم يكن راضيا عن مقالة فريدمان. "ليس هناك تماثل" قال. "حكومتي لا تصعب من اشتراطاتها بل بالعكس: هي قيدت البناء وازالت الحواجز ووافقت على خطة الدولتين. مقالات كهذه انما تشجع الفلسطينيين فقط في رفضهم. من المحظور التنازل عن العملية. ربما كان هذا جيدا لي من الناحية السياسية ولكنه سيء للدولة".