خبر حول خلفيات قرار عباس عدم خوض الانتخابات المقبلة .. إدريس الشامخ

الساعة 12:03 م|09 نوفمبر 2009

بقلم: إدريس الشامخ

منذ مطلع هذا الشهر،بدأت الأخبار حول إمكانية عدم خوض عباس للانتخابات الرئاسية المقبلة تتسرب، وكان لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة القناة العاشرة في التلفاز الإسرائيلي، السبق الإعلامي بهذا الخصوص، وهو ما دفع ببعض المقربين من محمود عباس إلى التشكيك في صحة هذه الأخبار، بل ونفيها تماما، وإطلاق الأحكام الجاهزة على مروجيها، ويمكن التذكير هنا بتصريح لافت لأمين عام الرئاسة الفلسطينية، الطيب عبد الرحيم، جاء فيه: "هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، ومحاولة لإحداث بلبلة وارتباك في الساحة الفلسطينية، وهي من باب الحملة الإسرائيلية التي تشن ضد الرئيس محمود عباس للتهرب من الالتزامات .. وللتشكيك بوجود شريك فلسطيني".

لكن ظهور محمود عباس بنفسه على وسائل الإعلام، وإعلانه رغبته في عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، قطع الشك باليقين، وجعل وجوه أمثال الطيب عبد الرحيم وغيره ممن ساروا على نهجه في نفي هذا الأمر تسودَ، وتفقد ما تبقى من ماء وجهها، هذا طبعا إن لم يكن قرار عباس تكتيكيا، يطمح من خلاله فقط إلى تحقيق أهداف مرحلية بعينها، وبعدها يتم العدول عنه، ومن هنا كان التساؤل حول خلفيات هذا القرار مشروعا، بالنظر كذلك إلى انعكاساته المحتملة على الساحة الفلسطينية الداخلية وعلى المحيط الإقليمي والدولي.

أما بخصوص الخلفيات، فيمكن رصد ثلاثة احتمالات ممكنة، لكل واحدة منها ما يسندها من دلائل ووقائع:

الاحتمال الأول: أن يكون هذا القرار بمثابة بالون اختبار، رمى به عباس داخل الساحة الفلسطينية لقياس شعبيته، والتأثير في توجهات الناخب الفلسطيني، قبل اتخاذ قرار جدي بالمشاركة، وخاصة بعدما أبانت الكثير من استطلاعات الرأي المستقلة عن تدن غير مسبوق في شعبية أبي مازن، بسبب تورطه في فضيحة تأجيل التصويت على قرار غولدستون، وقد رأينا كيف خرجت مظاهرتين، في لمح البصر، لأنصار فتح في كل من مدينة جنين ورام الله، مباشرة بعد إنهاء عباس لخطابه، لمطالبته بالعدول عن قراره عدم الترشح، وكأن كل شيء كان معدا له مسبقا، وسننتظر دون شك، خروج مظاهرات أخرى شبيهة في باقي مدن الضفة الغربية، وحراك لمؤسسات فلسطينية محسوبة على السلطة، وحركة فتح للدفع باتجاه إلغاء قرار الرئيس، وإلا فإن تمرير هذا القرار دون إحداث مثل هذه الضجة، سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش عباس وحركته العتيدة فتح، بل نكاد نجزم أن عباس يحاول السير في اتجاه محاكاة تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حينما عدل عن استقالته بعد نكسة العام 67، بفعل الضغط الشعبي الجماهيري الرافض للاستقالة، وحول بذلك هزيمته إلى انتصار.

الاحتمال الثاني: أن عباس يريد من خلال هذا القرار، الضغط على الإدارة الأمريكية، التي أخلت "بوعودها" له، بحمل إسرائيل على وقف أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية، وبخاصة في القدس الشريف، حيث تفهمت واشنطن الموقف الإسرائيلي، الذي ربط أي تجميد مؤقت للاستيطان بتطبيع عربي وإسلامي كامل مع كيان الاحتلال والاعتراف بيهوديته، وهو ما أثار كذلك حفيظة القادة العرب ومخاوفهم من أن يحشروا في زاوية الضغوط الأمريكية، فسارعوا مع واشنطن إلى ممارسة الضغوط على محمود عباس للدخول في مفاوضات جديدة مع الإسرائيليين، دون شرط وقف أو تجميد الاستيطان، هذا الاصطفاف العربي الرسمي إلى جانب الموقف الأمريكي والإسرائيلي، هو الذي أغضب عباس كثيرا، وجعله يشعر بالعزلة والإهانة وخيانة الأصدقاء والأشقاء على حد سواء، فرمى بكرة عدم الترشح للانتخابات المقبلة، لابتزاز الإدارة الأمريكية، والرسالة هي: على أمريكا وإسرائيل أن تستعدا للأسوأ، لأنها لن تجد شريكا في مستوى خدماته، فهو عراب اتفاقية أوسلو، التي ضربت في العمق القضية الفلسطينية، وهو من يقف في حلق كل حركات المقاومة، والمستعد لتقديم المزيد من التنازلات.

الاحتمال الثالث، أن يكون عباس قد وصل فعلا مع الإسرائيليين إلى باب مسدود، أو إلى سقف لا يمكنه النزول تحته، وأصبح أمام ثلاثة خيارات: إما أن يستمر في مفاوضات عبثية لا تسمن ولا تغني، وقد تأتي على البقية الباقية من القضية الفلسطينية، وهنا يكون كمن يحفر قبره بيده. وإما أن يعلن فشل المسار التفاوضي، ويعود إلى أحضان الشعب ومقاومته الباسلة، كما فعل الراحل ياسر عرفات بعد رفضه التنازل عن الحقوق الفلسطينية الثابتة في لقاء كامب ديفيد سنة 2000، لكن هذا الخيار يبقى مستبعدا جدا، لأن الرجل ليس من طينة الراحل ياسر عرفات، ويختلف عنه بالكلية، وليس له أي استعداد للتضحية في سبيل القضية، كما فعل سلفه، لذا، فسيختار الممر السهل، وهو الانسحاب من اللعبة بهدوء تام، ودون تجرع سم إسرائيلي من هذا الخائن أو ذاك.