خبر دمشق: نص كلمة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في ذكرى الانطلاقة الجهادية واستشهاد « الشقاقي »

الساعة 11:34 ص|07 نوفمبر 2009

كلمة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبدالله شلّح

في مهرجان الذكرى الثانية والعشرين للانطلاقة الجهادية للحركة

 والذكرى السنوية الرابعة عشرة لاستشهاد الدكتور فتحي الشقاقي

 المقام في دمشق بتاريخ 6/11/2009م

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين إمام المجاهدين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين وبعد،

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء..

لكم ولكل من يسمعنا ويشاهدنا، أطيب تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أشكركم جميعاً على حضوركم المبارك هذا، في ذكرى انطلاقة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وذكرى استشهاد مؤسسها الشهيد القائد الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله، وهو حضور نعتز به، ويحمل الكثير من الدلالات والمعاني التي تضاف إلى ما حمله زحف أهلنا وشعبنا في قطاع غزة الصامد والمحاصر إحياءً للذكرى وانحيازاً لدم الشهداء ونهج المقاومة.

ما تحدث به الإخوة الكرام من قبلي حول الذكرى والشهيد فتحي الشقاقي يدلل على مكانته وموقعه ومكانة مشروعه في تاريخ النضال الفلسطيني، وهذا يعفينا من حرج الحديث عن أنفسنا لننتقل مباشرة إلى الحديث عن الوضع الفلسطيني العام وما وصلت إليه قضيتنا في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة بل والخطرة.

وقبل أن أخوض في صلب ما أعددت من حديث اليوم، وقد حرصت على أن أتحدث إليكم من خلال نص مكتوب احتراماً لوقتكم ولما أردتم أن تسمعوه اليوم، وإيجازاً للوقت أيضاً، لكني قبل أن ألج إلى ذلك، أشكر مجدداً إخواني الذين سبقوني بالحديث وأطمئن أخي العزيز والحبيب أبي الوليد وأقول نعم نحن في مركب واحد، نحن وحماس في مركب ترفرف عليه راية الإسلام، في مركب شاء الله أن يطلى بدم فتحي الشقاقي وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ومحمود طوالبة وكل الشهداء الأبرار، هذا المركب الذي مازلنا رغم كل العواصف ورغم كل الرياح الهوج التي أرادت أن تفرقنا وأن تجعل من الشعب الفلسطيني مزقاً يتناثر بين الجزر، كنا ولازلنا نصر على أن هذا المركب فيه شعب فلسطين كل فلسطين، فيه حركة فتح، فيه أبو جهاد خليل الوزير، فيه ياسر عرفات رغم الخلاف، لأننا شعب واحد، وقضية واحدة، ومصير واحد، ودم واحد، ومستقبل واحد، وكما كان يقول المرحوم أبو عمار، شاء من شاء وأبى من أبى.

والآن إلى السياسة، هناك رأي عام اليوم في الأمة والعالم أن ما وصل إليه الوضع الفلسطيني في هذه المرحلة يكاد يبعث على اليأس، وينذر بضياع قضية فلسطين وتصفيتها نهائياً، وقد سمعنا بالأمس ونسمع كل يوم اتهامات متبادلة من هذا الطرف أو ذاك بالعمل ضد المشروع الوطني الفلسطيني أو حتى تدميره؟!

من هنا، فإن السؤال المركزي الذي أود طرحه في حديثي اليوم هو: هل هناك (فعلاً) مشروع وطني فلسطيني (اليوم)؟ وهو سؤال يتفرع عنه الكثير من الأسئلة الجزئية مثل، ما هي الرؤية والمنطلقات التي تحكم هذا المشروع؟ وما هي أهدافه؟ ما هي أدواته؟ ما هي مؤسساته؟ من يحمله؟ ومن هي حاضنته؟ وما هي آفاقه ووعوده؟

قبل أن أدخل في تفاصيل الإجابة على السؤال، أود أن أؤكد أن حديثي اليوم، وفي ذكرى دم الشقاقي، ذكرى انطلاقة مشروعه المبارك، مشروع الجهاد، جنباً إلى جنب مع كل القوى والفصائل الفلسطينية، أقول ما جئت اليوم لأسجل إدانة لأحد، أو لأزايد على أي طرف، بل إن حديثي هو من القلب للقلب، حديث الأخوة والنصيحة والمراجعة المسؤولة، في البيت الواحد، وفي المركب الواحد، ولو كان من الممكن لي أن أعود إلى بيت لحم وأن أخطاب إخواني في حركة فتح في مؤتمرهم العام، أو كان من الممكن أن تكون منظمة التحرير على غير ما هي عليه الآن، وأن يجمعنا بإخواننا جميعاً، سقف واحد ومشروع واحد، لما تحدثت بغير ما سأحدثكم به في هذه الدقائق.

سنحاول الإجابة عن سؤال المشروع الوطني هذا، بإيجاز، وبكل صراحة وشفافية وموضوعية، ونحن لا نزعم أننا نمتلك الحقيقة المطلقة، بل نعرض الحقيقة كما نراها ونعتقدها دون أن نصادر حق الآخرين في أن يكون لهم رأي مخالف.

في الإجابة عن السؤال المركزي، أقول وبكل صراحة ووضوح، للأسف ليس هناك مشروع وطني فلسطيني اليوم.. وبالتالي ليس هناك برنامج وطني فلسطيني، وليس هناك إستراتيجية وطنية فلسطينية شاملة.. هناك مشاريع فصائلية وبرامج فصائلية.. وما يسمى اليوم بالمشروع الوطني الفلسطيني ما هو إلا بقايا من تاريخ مضى ورثه الإخوة والأشقاء في حركة فتح التي نكن لها كل الاحترام وكل التقدير لتاريخها ونضالها واجتهادها.. ودعوني أكون أكثر وضوحاً وصراحة.. ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني اليوم، هو مشروع حركة فتح، والبرنامج السياسي المطروح هو برنامج حركة فتح، وحول تمثيل هذا البرنامج وهذا المشروع للكل الفلسطيني، فكلنا ندرك ونعلم أن أكثر استطلاعات الرأي اليوم ـ بغض النظر عن موقفنا جميعاً أو موقف أي طرف من هذه الاستطلاعات وكيف تجري ـ لا تعطي حركة فتح المناضلة في أحسن الأحوال أكثر من 40%. ورأينا نتائج انتخابات التشريعي عام 2006 بما لها من دلالة.. وهذا يؤكد أن ما يوصف بالمشروع الوطني اليوم هو مشروع الإخوة في حركة فتح. وحتى منذ أوسلو لا يمكن وصف هذا المشروع بمشروع منظمة التحرير الفلسطينية، لأن فصائل العمل الوطني المشاركة في منظمة التحرير، لاسيما الجبهتين الشعبية والديمقراطية، حتى وإن قبلوا بمبدأ التسوية، فهم معارضون لنهج ومسار أوسلو.

إذن، ليس هناك مشروع وطني يعبر عن الكل أو المجموع الفلسطيني اليوم، ولا حتى يعبر عن الأغلبية إذا تذكرنا النسب التي ذكرتها الآن. هناك مشروع الإخوة الأعزاء في حركة فتح، وهو بشكل مجانب للصواب يوصف بالمشروع الوطني الفلسطيني. لذا، فعندما يطرح أي تنظيم فلسطيني اجتهاداً مغايراً،  فالخلاف ليس مع المشروع الوطني الفلسطيني، ولا يمثل ذلك خروجاً على المشروع الوطني غير الموجود أصلاً، بل هو خلاف مع مشروع تنظيم فلسطيني في الساحة، وبرنامج الإخوة في حركة فتح، ومثل هذا الخلاف أو الاختلاف حق مشروع، وليس جريمة أو خيانة وطنية كما يصورها البعض.

وعند هذه النتيجة، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو، هل يمكن بناء مشروع وطني فلسطيني؟ يعبر عن الكل الفلسطيني ويحظى بإجماع فلسطيني؟ بمعنى آخر هل يمكن صياغة برنامج وطني فلسطيني موحد واستراتيجية فلسطينية موحدة وشاملة؟

الإجابة صعبة، لأننا لا نريد تبسيط الأمر أو تسطيح المسائل، لكننا نقول بكل ثقة وموضوعية، هذه المهمة ليست مستحيلة، لكنها شاقة وشاقة جداً. لماذا؟ لأنها محصلة صراع إرادات.. إرادة قوى خارجية معروفة على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريد بناء مشروع وطني فلسطيني حقيقي يحرر الأرض ويستعيد الحقوق، وبين إرادة الشعب الفلسطيني التي برهنت حتى اللحظة أنها عصية على الكسر أو الهزيمة.

نعم، هي مهمة شاقة وشاقة جداً لأن الهوة والمسافة بين أطراف ومكونات هذا المشروع المرجو شاسعة بل شاسعة جداً أحياناً وللأسف.. وهنا نحتاج لملامسة بعض الأسئلة الفرعية التي تتفرع عن السؤال المركزي.. سؤال المشروع الوطني..

لو أردنا بناء المشروع الوطني من جديد فما هي منطلقات هذا المشروع؟ نحن لا نريد أن نفرض على الآخرين المنطلقات والمرتكزات الأيديولوجية والتاريخية والسياسية التي تؤمن بها حركة الجهاد الإسلامي، أو حركة حماس.. دعنا نحتكم في المنطلقات إلى الميثاق الوطني الفلسطيني.. أليس الميثاق هو المرجعية الفكرية والسياسية للمشروع الوطني؟ أين هو الميثاق، واسمحوا لي أن أقول أين هو الميثاق طيب الله ثراه؟! من يذكره؟! من يحتكم إليه؟! أقول لمن خانته الذاكرة ولم يحضره ما حل بالميثاق، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في غزة عام 1998، على شرف الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون، كلنا نذكر كلينتون، تذكرونه جيداً، زوج السيدة التي قبلت استقالة أبو مازن وقالت له مع السلامة. في ذلك اليوم، تم شطب 12 مادة من الميثاق، وتعديل 16 مادة من ذلك الميثاق، وبقي 5 مواد إدارية وتنظيمية من مجموع 33 مادة يتكون منها الميثاق الوطني الفلسطيني. إذن، لم يعد هناك ميثاق وطني فلسطيني، وبالتالي لم يعد هناك مشروع وطني فلسطيني يرتكز إلى الثوابت التي نص عليها الميثاق.

هذا عن المنطلقات.. فماذا عن الأهداف؟ كلنا يعلم أن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني من عام 1920 كانت فلسطين كل فلسطين..

وأيضاً كلنا يعلم أنه ومنذ البرنامج المرحلي عام 1974، وبرنامج الجزائر عام 1988، والهدف لدى منظمة التحرير والأخوة الأعزاء في فتح هو دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران الذي عرف فيما بعد بحل الدولتين..

أين ستقام الدولة الفلسطينية؟ ومتى ستقوم؟ حسب اتفاق أوسلو الدولة قامت في 4 أيار/ مايو 1999(!) أليس هذا هو الجدول الزمني الذي نص عليه اتفاق أوسلو لإقامة الدولة بعد انتهاء ما يسمى مفاوضات الحل النهائي.. فماذا كانت النتيجة؟! النتيجة هي ما تسمعون وترون مما يجري داخل فلسطين، وما سمعناه من أبو مازن بالأمس!

البعض يقول هل إصراركم على تحرير كامل الأرض، واستعادة كل الحقوق، يمنع الاتفاق مع من يطالب بأقل من ذلك؟ من جانبنا، هذا لا يمنع أن نمشي مع إخواننا مسافة العشرين الخطوة التي جعلوها سقفاً لمشروعهم وهدفهم، ثم نكمل معاً أو فرادى، عندما يأذن الله عز وجل وتتغير موازين القوى، بقية المسيرة.

لكن المشكلة في أن الطرف الآخر يصر على أن هذا الجزء من الأرض والحق لا يمكن استعادته إلا على طاولة المفاوضات، وهذا ينقلنا للحديث في النقطة التالية المتعلقة بالوسائل والخيارات.

هناك من يقول إن هناك صراع خيارات في الساحة الفلسطينية، أو بالأحرى هناك خياران رئيسان: خيار المقاومة، وخيار التسوية أو المفاوضات.. من جانبنا، نحن نقول وبكل صراحة، وتسمعنا جماهير شعبنا وجماهير أمتنا من العرب والمسلمين ويسمعنا كل شرفاء وأحرار العالم، نحن لا نعتبر المقاومة أو الجهاد ضد الاحتلال والغزو الأجنبي خياراً يمكن أن نمارسه أو نتخلى عنه. المقاومة ضد الاحتلال واجب شرعي، ووطني، وقومي، وإنساني، وأخلاقي، وهي فوق هذا كله ضرورة تمليها التجربة في التعامل مع المشروع الصهيوني الذي لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة. الجهاد في ديننا فريضة شرعية والمقاومة واجب وطني، برغم ذلك، نحن من أجل الوحدة التي هي أيضاً فريضة نتجاوز أحياناً الحديث عن الجهاد والمقاومة بلغة الفرائض والواجبات، ولتكن خياراً نطالب بأن يعطى فرصة، بعد أن أثبت جدواه في لبنان وفلسطين، ولقن العدو دروساً قاسية وأوقع به الهزائم. برغم ذلك، فإنهم يرفضون المقاومة حتى كخيار بل تلاحق ويزج بها في السجن ويصرون على أن الخيار الوحيد المسموح به والذي يتم رفعه إلى مستوى الواجب والقداسة والفريضة هو المفاوضات. هل هذا موقف نابع من عقل فلسطيني أو قلب أو ضمير فلسطيني بالطبع لا. هذا ما أملته موازين القوى وإرادة الأعداء، ومازال الفلسطيني يكابر ويقول إن ذلك خياراً يمكن أن نتبناه.

كيف سنحل هذه المعضلة، إذا ما أردنا صياغة مشروع أو برنامج وطني فلسطيني؟ أترك للشعب الفلسطيني الإجابة عن هذا السؤال متسلحاً بدينه وضميره ووعيه وحقه وكرامته التي لا يمكن أن يفرط بها مهما كان الثمن.

إذن، في المنطلقات والأهداف والوسائل والخيارات، البون شاسع والمعضلة كبيرة.. لكن لا نفقد الأمل وهنا حتى لا أطيل، ولعلي أطلت، يبقى ثلاث نقاط أحاول الإيجاز فيها ما أمكن وهي: المؤسسة أو الإطار الحامل للمشروع الوطني، ثم الحاضنة، ثم المخرج وأولويات النضال.

من حيث المؤسسة، فالمعروف أن منظمة التحرير كانت هي الإطار التنظيمي الحامل للمشروع الوطني الفلسطيني.. لكننا اليوم نسأل أين هي المنظمة اليوم؟ لقد تم تفريغها في سلطة أوسلو بعد أن تم استخدامها لولادة مشروع أوسلو بالتوقيع على ما سمي برسائل الاعتراف المتبادل.. ليس بين دولة ودولة، بل اعتراف منظمة التحرير بحق دولة الاحتلال في الوجود، ونبذ المقاومة تحت مسمى الإرهاب، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل للفلسطينيين.. لقد تم استخدام المنظمة لتمرير مشاريع واتفاقات لا تمت بصلة للأهداف التي قامت من أجلها منظمة التحرير الفلسطينية. شطبت الأهداف، وشطبت المنظمة عملياً، وتم تكريس السلطة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.. وليس هذا من قبيل المبالغة بل هذا هو الواقع.. أليست السلطة هي التي تعين السفراء باسم فلسطين اليوم وليست الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ أليست السلطة هي التي تختار وتنتدب الممثلين في المؤتمرات والمحافل الدولية وليست منظمة التحرير؟ أليس الصندوق القومي الفلسطيني يتبع وزارة المالية التابعة للسلطة التي تعيش على فتات ما تجود به ما تسمى بالدول المانحة اليوم؟ كل ذلك حقائق تؤكد على أن منظمة التحرير بعد أن استخدامها للتوقيع جرى تفريغها في مؤسسة تسمى سلطة أوسلو كما تعلمون؟

لم تعد السلطة هي بديل منظمة التحرير الفلسطينية فقط، بل وللأسف يجري طرحها اليوم وكأنها بديل لفلسطين، وبديل للقضية. القانون الأساسي للسلطة أصبح يشار إليه من حيث ندري أو لا ندري بالدستور الفلسطيني، وكأن لدينا دولة وكل ما ينقصنا أن نتباهى ونتفاخر به في العالم الدستور الفلسطيني، رغم أن عدونا للآن لم ينجز دستوراً لهذا الكيان الذي أقامه على أنقاض وطننا. هذا الذي يشار إليه اليوم بالدستور الفلسطيني يختزل فلسطين بمناطق السلطة، بالضفة وقطاع غزة، ويختزل الشعب الفلسطيني في أهلنا وشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون النظر إلى ملايين اللاجئين وحق العودة. تحت سقف السلطة تم اختزال قضية فلسطين باللغة التي يريدها ويفهمها الغرب والأمريكان والأوروبيون، بأنها قضية إنسانية، قضية وقود وحصار وغذاء ودواء، قضية لقمة العيش للإنسان الفلسطيني، وليست قضية الأرض والحرية والسيادة.

إذا كانت القضية قضية لقمة عيش، فالسلطة صممت خصيصاً لهذا الغرض، أما إذا كانت القضية قضية وطنية وقضية تحرر وطني، فيجب أن يكون الإطار المؤسسي الجامع لكل القوى هو منظمة التحرير الفلسطينية، بعيداً عن الصنمية وأكرر بعيداً عن الصنمية والقداسة المفتعلة التي يتم الحديث بها أحياناً عن منظمة التحرير. المنظمة أو أي مؤسسة تستمد شرعيتها من الأهداف التي قامت من أجلها، فالذين أسقطوا الأهداف التي قامت من أجلها منظمة التحرير الفلسطينية هم الذين يسقطون شرعية منظمة التحرير، وليست حركات المقاومة الفلسطينية، وأزيدكم بيتاً من الشعر، وليس خطاب الأخ العزيز أبو الوليد خالد مشعل (سابقاً) في الموقف من منظمة التحرير الفلسطينية. منظمة التحرير قامت من أجل تحرير فلسطين ومن هذا الهدف مازالت تحتفظ باسمها إلى اليوم، القداسة هي لهذه الهدف، لهذا العنوان لهذه المهمة المقدسة، فعندما يتم إسقاط هدف التحرير فإن الذي يسقط المنظمة وشرعية المنظمة أو على الأقل يضعف شرعية المنظمة، هو من يسقط هدف التحرير وليس فصائل المقاومة التي تقدم الدم والروح من أجل هذا الهدف المقدس هدف التحرير.

تبقى مسألة الحاضنة.. عندما نسأل شركاء المسيرة والدم والمصير، وهكذا هي علاقتنا بكل إخواننا في القوى والفصائل الفلسطينية، لماذا حدث كل هذا؟ يقولون بكل بساطة لقد انكشف ظهرنا وليس هناك حاضنة عربية أو إسلامية لقضية فلسطين. نعم، غابت الحاضنة، بالمعنى الذي اعتادت عليه القضية الفلسطينية، عندما انزلق صاحب الحق وقدم التنازلات التي وجد فيها البعض وليس الكل مبرراً للتحلل من كل التزام تجاه فلسطين.. لكن الشيء العجيب في موضوع الحاضنة أن من يحاول أن يشكل حاضنة للمقاومة في الأمة، مهما كانت متواضعة ومراعية للجميع  بأي قدر من الإمكان، أن يشكل حاضنة للمقاومة الفلسطينية وللحق الفلسطيني، نجده اليوم في موقع الاتهام، وهذا ما تتعرض له سوريا حاضنة المقاومة اليوم، وهذا ما تتعرض له اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران ما هي تهمة سورية؟ ما هي تهمة إيران اليوم؟ ما هي تهمة حزب الله؟  الذين وفروا لهؤلاء اللاجئين ولهؤلاء الذين يصرون على أن فلسطين هي أرضنا وليست أرض ذاك العدو الغازي، وأن القدس هي قدسنا وليست قدسهم، وأن الأقصى هو أقصانا وليس أقصاهم، هذا يصبح في موقع وموضع اتهام في الأمة! إن هذا والله لمن العيب والعار، ومن المخجل أن يصدر صوت فلسطيني يدين الإسناد والدعم العربي لفلسطين ويريد أن يقطع الصلة بين الأمة وهذه القضية المقدسة، بينما يسمح لكل شياطين الأرض وعلى رأسهم الشيطان الأكبر أمريكا بإدارتها وربيبتها هذا الكيان الغاصب أن يكونوا شركاء لنا في تحديد مصير فلسطين ومستقبل فلسطين. هذا لا عيب فيه، أما العيب أن تؤوي سورية خالد مشعل ورمضان عبدالله وأبو موسى وقادة الفصائل وغيرهم من قيادات شعبنا الفلسطيني، أو أن تمد إيران الإسلام يد العون لشعب محاصر ومجوع ومضطهد ويتعرض للعدوان كل يوم.

هذا من جانبنا كفلسطينيين، في المقابل نحن أيضاً نقول أن من المعيب على الوضع العربي أن يصر على أن الخيار الاستراتيجي للعرب اليوم هو السلام فقط، وأن الخيار البديل للسلام هو السلام، مع من تريد السلام؟ مع أهل السلام، ومن هم أهل السلام؟ إسرائيل السلام!! هذه المعزوفة يجب أن تنتهي. من المعيب أن نصر على أن لا بديل لدينا بعد إثبات فشل هذا الخيار المسمى زوراً خيار السلام إلا خيار السلام، ونحن نواجه عدواً متغطرساً قلت عنه في مخاطبة أهلي وشعبي قبل أيام في قطاع غزة، إنه كيان اخترع وغرس في قلب الأمة لينتج الحروب؛ وظيفته إنتاج الحروب في المنطقة وليس صنع السلام للمحافظة على معادلة سايكس بيكو، وبسط الهيمنة الصهيونية والغربية في هذه الأمة. أليس ما يتعرض له الشعب الفلسطيني كل يوم من مصادرة الأراضي للاستيطان، وتهويد القدس، وتهجير أهلها وهدم منازلهم، أليست هذه حرباً مستمرة ضد الشعب الفلسطيني؟ ثم نقول لا خيار لدينا في مواجهة هذه الحرب إلا السلام ثم السلام. هذا ليس هو السلام، إن كان الأمر كذلك فهو الاستسلام بعينه، أمام هذا الكيان المتغطرس واللعين. وأقول لكل من يراهن على أن تصفية قضية فلسطين هي الحل، أن فلسطين ستبقى شوكة في حلق الجميع طالما بقيت شوكة الاحتلال وخنجر إسرائيل مغروساً في قلب الأمة فلسطين..

يبقى السؤال الأخير ما المخرج وما السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة من حالة الإحباط التي تدفع إلى اليأس من فلسطين وقضيتها؟ هل المخرج هو الانتخابات الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير القادم كما تقول المراسيم؟ أم هل المخرج هو إتمام المصالحة بالورقة المصرية التي تعثرت ووقفت تراوح مكانها؟ أم هل المخرج هو ما أعلنه رئيس السلطة بالأمس من أنه لن يرشح نفسه للانتخابات؟

الانتخابات في كانون الثاني/ يناير ليست حلاً وليست مخرجاً يمكن أن يخرج الحالة الفلسطينية من أزمتها ومأزقها الراهن.. هذه الانتخابات ستكرس الانقسام، بل ستنقلنا من الانقسام إلى الاقتسام، نعم الاقتسام، أي أن تقتسم فتح وحماس إدارة الضفة وغزة في ظل الاحتلال والهيمنة الصهيونية.. وتكرس القطيعة والانقسام بين غزة والضفة إلى أمد لا يعلمه إلا الله.

كما أن المصالحة بالصيغة المطروحة ليست حلاً للمأزق الفلسطيني، المأزق بنيوي وتاريخي وتراكمي، ويجب أن لا نحمّل المصالحة المطروحة أكثر مما تحتمل لأنها مجرد معالجة لجزئيات ومكونات مشروع السلطة الحالي من انتخابات، وأجهزة أمن، ووزارات، ولا تلامس المشروع الوطني بتعقيداته التي أشرنا إليها، لكنها يمكن أن تكون مفتاحاً للخروج من الأزمة. لقد تعطلت مسيرتها في اللحظة الراهنة، لكن الاتصال مع الإخوة في القاهرة لم ينقطع ومازال هناك أمل ومتسع لمزيد من الجهد في هذا المجال.

الإخوة والأخوات..

أما إعلان أبو مازن بالأمس عن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة بالنسبة لنا وفي رأينا لا يشكل مخرجاً أيضاً، وإن كان ما قاله له دلالات كثيرة أهمها كما قيل إنه اعتراف صريح بأن طريق التسوية وصل إلى طريق مسدود، وهو لن يوصل بأي حال من الأحوال إلى دولة فلسطينية، وإن كان أبو مازن قد أحجم عن قول ذلك ولم يقل الحقيقة كاملة لأسباب نعرفها.

ونحن لا نريد أن نحلل النوايا أو نشكك فيها، لكنني أقول وبكل صراحة ومن موقع النصيحة والمسؤولية، إن كان أبو مازن جاداً فيما أعلنه، فأنا أقول إن هذا موقف صحيح، وينبغي له أن يتمسك ويثبت على هذا الموقف. ليلقي أبو مازن وإخواننا في حركة فتح بمشروع التسوية في وجه أمريكا وإسرائيل وكل من يراهن على تصفية قضية فلسطين من خلال هذا المشروع اللعين.. ليس المهم، أقول لإخواني في حركة فتح، وأقول لأبو مازن شخصياً أن مشكلتنا وخلافنا معه ليس شخصياً بالمطلق، ليس المهم أن ينجو المرء بنفسه لكن المهم أن يوفر لشعبه وقضيته سبيل النجاة، ونجاة شعبنا وقضيتنا هي في الاعتراف الصريح والواضح بفشل خيار التسوية، ووصوله إلى طريق مسدود، ثم بعد هذا الإعلان، الدعوة إلى مراجعة شاملة لكل مسيرة العمل الوطني الفلسطيني من أجل استخلاص النتائج والعبر، والعمل على صياغة مشروع وطني فلسطيني حقيقي يعبر عن الكل الفلسطيني والمجموع الفلسطيني.

هذه هي الخطوة الوطنية المطلوبة الآن لترتيب سلم الأولويات، أولوياتنا النضالية والكفاحية والسياسية، على أساس أننا شعب واحد ولنا عدو واحد هو العدو الغاصب لوطننا، إسرائيل.

أما التصلب والتشدد على الموقف الخاطئ والنهج الخاطئ والبرنامج الخاطئ.. وهو برنامج فصيل بعينه، واجتهاد فصيل بعينه، نكن له كل الاحترام والاعتزاز بتاريخه ونضاله، ثم الإصرار على أنه البرنامج الوطني الفلسطيني وأنه البرنامج الحق والصواب وكل ما عداه هو الخطأ، وأنه المشروع الوطني الفلسطيني برمته، فهذا يعني أن الفصيل في نظر البعض أكبر من الوطن وأكبر من فلسطين، وهذا ليس خطأً وليست خطيئة أو كبيرة سياسية، بل هذه أم الخطايا وأم الكبائر لأن فلسطين أكبر من الجميع، فلسطين بالشهداء، بالتاريخ، بالمبادئ، بالقيم، بالحق، بالمستقبل، بالمصير الذي رسمته دماء الشهداء أكبر من الجميع، أكبر من الجميع..

عشتم وعاشت فلسطين.. المجد للشهداء الأبرار..

والحرية للأسرى البواسل..

ولكم التحية كل التحية لجماهير شعبنا في فلسطين وكل مكان لجماهير أمتنا في كل مكان..

ومعاً على درب الجهاد والاستشهاد معاً حتى النصر والتحرير بإذن الله..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..