خبر هيلاري كلينتون ورهانات الفلسطينيين الخاسرة . محمد السعيد إدريس

الساعة 11:27 ص|07 نوفمبر 2009

هيلاري كلينتون ورهانات الفلسطينيين الخاسرة

محمد السعيد إدريس ـ الخليج 7/11/2009

منذ سنوات طويلة مضت استقر العرب، وبوضوح أكثر النظام الرسمي العربي، على الخيار الاستراتيجي العربي لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني، وعرَّفوا، ثم أكدوا، أن هذا الخيار هو “السلام”. في البداية كان التعويل على أن الأمم المتحدة وقراراتها هي المرجعية الأساسية لهذا السلام، لكن، وبسبب الرفض “الإسرائيلي” للأمم المتحدة كشريك في “عملية السلام” وهو الرفض الذي سببه الرغبة “الإسرائيلية” في استبعاد كل قرارات الأمم المتحدة كمرجعية للسلام، قَبِل العرب أن تكون الولايات المتحدة شريكاً ضامناً، بديلاً للأمم المتحدة ابتداء من عملية مؤتمر مدريد للسلام عام ،1991 وأخذت تعرف في الخطاب السياسي والإعلامي العربي ب “الوسيط النزيه”.

وعلى مدار تلك السنوات، ابتداء من توقيع مصر لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني عام ،1979 ثم قبول النظام العربي بمقررات القمة العربية في فاس عام 1982 وبالذات مبادرة السلام التي كررتها قمة بيروت 2002 التي اعتبرت أن خيار السلام هو الخيار الاستراتيجي، أقدم النظام العربي على تقديم العشرات من التنازلات الصعبة ثقة في خيارهم الاستراتيجي وتعويلاً على نزاهة شريكهم الأمريكي في عملية السلام.

وعلى الرغم من رفض كل الحكومات “الإسرائيلية” القبول بهذه المبادرة التي تقوم على مبدأ مبادلة الأرض بالسلام أو حتى التفاوض حولها وإصرارهم على اعطاء الأولوية لتطبيع العلاقات مع العرب، ومع عواصم عربية بعينها، قبل أي انخراط جاد في تفاوض حول الوضع النهائي الخاص بالقضية الفلسطينية، إلا أن العرب ظلوا متمسكين بهذه المبادرة، وانخرطت السلطة الفلسطينية في عملية تنسيق أمني مع سلطات الاحتلال ودخلت في صراعات دموية مع حركة “حماس” بسبب الخلاف حول رفض “حماس” نبذ العنف (المقاومة) ورفض الاعتراف بالكيان، والقبول بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة مع الكيان وخاصة التنسيق الأمني، وأخذت السلطة تتصرف على أنها دولة، وأنها مطالبة أن تحترم حدود وأمن الدولة “الإسرائيلية” المجاورة التي لم تعد تعامل بصفتها دولة احتلال، وأن الأرض التي تقوم عليها هذه الدولة هي أرض فلسطينية محتلة. ووصل حرص السلطة على حماية أمن “إسرائيل” إلى المطالبة بنزع سلاح المقاومة كشرط للمصالحة الوطنية.

وإذا كانت السلطة الفلسطينية قد وصلت إلى طريق مسدود مع حكومة ايهود أولمرت السابقة حول عملية المفاوضات ووضعت شروطاً ثلاثة لاستئنافها مجدداً مع حكومة بنيامين نتنياهو هي: وقف الاستيطان، ووضع مرجعية للمفاوضات، وضرورة استئنافها من النقطة التي انتهى عندها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فإن هذه العملية وصلت الآن إلى طريق مسدود بعد النتائج الصادمة التي أسفرت عنها زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية للكيان الصهيوني يوم الأحد الماضي، ولقاؤها مع رئيس الحكومة “الإسرائيلية”، وهي الزيارة التي جاءت بعد يوم واحد من لقائها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

فقد أنهت هذه الزيارة التزام واشنطن المؤيد للموقف الفلسطيني والعربي الخاص بوقف “إسرائيل” سياسة الاستيطان كشرط لاستئناف عملية التفاوض، حيث تبنت الوزيرة الأمريكية الموقف “الإسرائيلي” الرافض لوقف سياسة الاستيطان، وطالبت باستئناف عملية التفاوض من دون التزام بهذا الشرط، وأعلنت موقفاً أمريكياً جديداً يؤكد “أهمية المستوطنات لحماية أمن “إسرائيل”.

الوزيرة الأمريكية لم تكتف بذلك بل إنها بررت تراجع الموقف الأمريكي ب “الضغوط الداخلية من اللوبي اليهودي” الذي يمنع الإدارة الأمريكية من اتخاذ أي خطوة إلى الأمام، وعندما دعاها الرئيس الفلسطيني إلى الزام “إسرائيل” بما تم التوافق عليه في عهد رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت كان ردها أن ما تم الاتفاق عليه سابقاً “لا يعني شيئاً للإدارة الأمريكية الحالية”، رغم أن هذه الإدارة هي نفسها التي جددت ما سبق أن وعدت به إدارة أمريكية سابقة هي إدارة الرئيس ريتشارد نيكون عام 1969 بعدم ممارسة أي ضغوط على “إسرائيل” كي تقبل بالانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وأن تفتح منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما تعهد بذلك في مايو/ أيار الماضي لبنيامين نتنياهو في الوقت الذي ذهب فيه (أوباما) إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ليطالب بنزع الأسلحة النووية وجعل العالم خالياً من هذه الأسلحة.

عملية السلام في اختيار صعب، والوسيط “النزيه” هو الآخر في اختيار صعب، لكن الاختيار الأصعب يخص النظام العربي، لأن مشروع السلام هو خياره، والوسيط النزيه هو “حليفه”، خصوصاً بعدما أعادت السلطة الفلسطينية المسؤولية إلى هذا النظام حسب تعليق صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات الذي رد على الأمريكيين بعد موقف وزيرة خارجيتهم الجديدة بقوله: “قلنا لهم إن هذا الكلام غير معقول، فإذا أنتم كإدارة لا تستطيعون إقناع نتنياهو بوقف الاستيطان لفترة زمنية محددة، فهل تستطيعون إقناع العالمين العربي والعالمي بأنكم قادرون على إقناع نتنياهو بالانسحاب إلى حدود 1967 ومناقشة قضايا اللاجئين والقدس”.

عريقات قال ذلك متحدياً الوزيرة كلينتون قبيل ساعات من وصولها إلى الكيان وإعلان إنحيازها للموقف “الإسرائيلي” واعتباره “تنازلاً غير مسبوق”. فكيف سيكون تحديه لهذه الوزيرة بعد أن كشفت عن حقيقتها؟ وكيف ستكون استجابة النظام العربي؟ هل سيكون عند حسن ظن عريقات به أم سيكون، كما كان دائماً، عند حسن ظن حليفه النزيه؟

الخشية أن يكون رهان عريقات خاسراً، كما كانت كل رهانات السلطة الفلسطينية.