خبر معنى أن يستقيل أبو مازن.. عصام نعمان

الساعة 11:23 ص|07 نوفمبر 2009

معنى أن يستقيل أبو مازن

عصام نعمان ـ الخليج 7/11/2009

كانت وسائل الإعلام الصهيونية أكدت أن محمود عباس هدد بالاستقالة من منصبه، وأن باراك أوباما تدخل شخصياً لثنيه عنها. أجهزة إعلام السلطة الفلسطينية نفت صحة هذه المعلومة وكأنها تهمة!

يستفاد من رواية المراسل السياسي للقناة العاشرة في التلفزيون "الإسرائيلي" تشيكو مناشيه ومن "محضر" صحيفة "يديعوت أحرونوت" لمكالمتين هاتفيتين أجراهما أبو مازن مع البيت الأبيض، قبل اجتماعه مع هيلاري كلينتون في نهاية الأسبوع الماضي، أن الرئيس الفلسطيني شكا من أوباما إليه وعمّا هو فيه من ضيق ويأس. قال له: "أنا لا أدري ماذا تريدون مني! أنتم لا تريدون أن أؤلف حكومة وحدة وطنية، وتضغطون عليّ كي لا أوقِّع اتفاق المصالحة مع "حماس"، وفي الوقت نفسه تتيحون لنتنياهو مواصلة سياسة الاستيطان. ماذا تريدون مني أن أبحث في المفاوضات؟ عن كون القدس العاصمة الأبدية لليهود؟ سيدي الرئيس، لا أستطيع أن أتحمّل أكثر. أنت و"إسرائيل" و"حماس" حشرتموني في الزاوية، ولم تتركوا أمامي أي مساحة للتحرك. أنا يائس من الوضع".

لا حاجة لنفي صحة هذا الكلام من طرف وسائل إعلام السلطة. ذلك أن أبا مازن ومساعديه يقولون في مجالسهم الخاصة والعامة مثل هذا الكلام وأكثر منه صراحةً منذ أشهر. هم يرددون أن العملية السياسية تراوح مكانها، ويعتبون على الأمريكيين لأنهم تخلّوا عنهم وخضعوا لإملاءات نتنياهو، ويعترفون بأن قبولهم ضغط واشنطن لسحب دعمهم لتقرير غولدستون ألحق بعباس أذى بالغاً. ولكن، هل لوّح أبو مازن فعلاً بالاستقالة؟ أوساط نتنياهو لا تؤكد تهديد عباس بالاستقالة ولا تنفيه. ديوان رئيس الحكومة أصدر بياناً غداة تناقل وسائل الإعلام "الإسرائيلية" رواية الاستقالة جاء فيه أنه "من المؤسف أن خطواتهم (أي الفلسطينيين) السياسية المكشوفة تُثقل على العملية السياسية".

الفلسطينيون المعارضون لعباس وحكومته لا يصدقون أن عباس هدد بالاستقالة أو أنه يعنيها فعلاً. هم يعتقدون أن أبا مازن أحرق جسوره معهم وما عاد في وسعه أن يتراجع عمّا انتهى إليه من مواقف وأفعال. يتساءلون بتهكم: إلى أين تريدونه أن يلجأ إذا استقال... إلى غزة؟

الأمريكيون انزعجوا من رواية الاستقالة وربما استبعدوا أن يُقدم عليها أبو مازن فعلاً. ومع ذلك فقد حرص أوباما على الاتصال به شخصياً وتهدئته مع تكرار الوعود له لطمأنته وثنيه عن "الاستقالة". فوق ذلك، طلب إلى وزيرة خارجيته أن تطمئن وزراء الخارجية العرب عندما تجتمع بهم في المغرب بأن إدارته ما زالت على موقفها الرافض للاستيطان، وإنها تريد فقط ألاّ يكون وقف الاستيطان شرطاً لاستئناف المفاوضات، كما طلب منها نقل رسالة إليهم بضرورة تشديد الدعم للرئيس الفلسطيني، على المستويين الاقتصادي والسياسي، في وجه "حماس".

بعد اجتماع كلينتون بنتنياهو وتراجعها عن مطلب وقف الاستيطان بدعوى عدم جواز وضع شروط لاستئناف المفاوضات، ماذا تراها تعني استقالة محمود عباس لو أنه فكّر في تقديمها فعلاً؟

لا مغالاة في القول إن استقالة الرئيس الفلسطيني هي أشد أسلحة الفلسطينيين فعاليةً لو كان جاداً في استعمالها. فهي تحمل معانيَ ودلالات كثيرة شديدة الأهمية من شأنها دفع إدارة أوباما إلى اتخاذ تدابير فاعلة من أجل تداركها والحؤول دون أن تأخذ مداها.

أول المعاني والدلالات أن أمريكا ستخسر أحد أبرز أصدقائها الموثوقين في الساحة الفلسطينية ما يشكّل ضربة قاسية للرئيس أوباما ورصيده السياسي، المحلي والإقليمي.

ثانيها، أن استقالة عباس من شأنها القضاء على ما يسمى العملية السياسية ومعها المفاوضات التي تسعى إدارة أوباما إلى تفعيلها.

ثالثها، أن الاستقالة تجوّف السلطة الفلسطينية وتُضعف حركة "فتح" وتزيد منظمة التحرير هزالاً.

رابعها، أن خروج عباس من المشهد السياسي يشكّل انتصاراً لحركة "حماس" ولفصائل الخط المقاوم، كما يسهم في إنضاج ظروف الانتفاضة الثالثة بصرف النظر عن حظوظها في النجاح.

خامسها، أن إضعاف عباس و"فتح" يشكّلان لطمة لدول "الاعتدال" العربية التي طالما راهنت على العملية السياسية وعلى دور أوباما المستجد في رعايتها.

كل هذه المعاني والدلالات من شأنها دفع واشنطن والقاهرة والرياض إلى اتخاذ تدابير سريعة وفاعلة لحمل "إسرائيل" على تقديم تنازلات تكفل إنقاذ العملية السياسية لو كانت هذه العواصم متأكدة من أن عباس جاد وجدّي في استخدام الاستقالة كورقة سياسية رافعة. ولكن أين عباس من هذا الخيار؟

ثمة من يعتقد في هذه العواصم الثلاث كما في رام الله أن مسألة استقالة عباس لم تطوَ بعد، وأنها تنطوي على خطوات أخرى ستظهر تباعاً. من هذه الخطوات أن يهدد أبو مازن بعدم الترشح للرئاسة وأن ينفذ تهديده إذا ما وجد أن الولايات المتحدة لن تفعل شيئاً في الشهرين المقبلين لحمل "إسرائيل" على تقديم تنازلات، أبرزها وقف الاستيطان، من أجل إنقاذ العملية السياسية والمفاوضات. يقولون إن من شأن هذه الخطوة لملمة الصفوف الفلسطينية المتشرذمة من دون أن يؤدي ذلك إلى إخراج الوضع من يد "فتح".

إلى ذلك، ثمة من يعتقد أن عباس قد يقوم بقلب الطاولة على الأمريكيين بتوقيع مصالحة ترضي "حماس" والجهاد الإسلامي وتؤدي إلى إقامة حكومة وحدة وطنية قوية تتولى الإشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية وعلى قيادة العمل الوطني الفلسطيني في قابل الأيام.

على أن أكثر الخطوات المتوقعة دراماتيكية هي أن يختار محمود عباس الوقت المناسب ليفاجئ الجميع باستقالة مدوّية يضع فيها النقاط على الحروف ويحتكم إلى التاريخ.

أتمنى أن يمتلك أبو مازن الشجاعة والحكمة الكافيتين لاتخاذ أيٍّ من الخطوات الثلاث المشار إليها، لكني أشعر بأن الرجل أوغل كثيراً في الاتجاه المعاكس، وأنه بات من الصعب جداً أن يستدير ليسير في الاتجاه الصحيح.