خبر الحاجة إلي بدء الحوار العربي ـ الإيراني قبل انتهاء مفاوضات الملف النووي

الساعة 11:21 ص|07 نوفمبر 2009

الحاجة إلي بدء الحوار العربي ـ الإيراني قبل انتهاء مفاوضات الملف النووي

 

‏مكرم محمد أحمد ـ الأهرام 7/11/2009

تشير دلائل عديدة إلي أن الملف النووي الإيراني سوف يجد في النهاية إن آجلا أو عاجلا‏,‏ حله التفاوضي برغم ما يبدو علي سطح من مماحكات إيرانية‏,‏ وتشدد غربي‏,‏ وأن الجانبين سوف يتمكنان من الوصول إلي صيغة جديدة تبدد هواجس إيران التي يقلقها الآن‏,‏ أن يتم تصدير الجزء الأكبر من مخزونها النووي طن ونصف الطن من اليورانيوم منخفض التخصيب إلي روسيا ثم إلي فرنسا لإعادة تخصيبه عند درجة‏20%‏ كي يصلح لصناعة نظائر مشعة طبية لعلاج مرضي السرطان دون أن تكون هناك ضمانات كافية‏,‏ تؤكد لها أنها سوف تستعيد كمية اليورانيوم التي صدرتها إلي الخارج‏,‏ وسوف تحصل بالفعل علي اليورانيوم المخصب عند درجة‏20%‏ الذي يحتاجه مفاعلها الطبي الذي كانت قد حصلت عليه من الولايات المتحدة خلال حكم الشاه‏.‏

وتنبع هواجس الشك لدي الإيرانيين من تجربتين مهمتين مع الغرب‏,‏ دفعت خلالهما طهران الأموال اللازمة لقاء صفقة من اليورانيوم المخصب عند درجة‏20‏ مع كل من فرنسا والأرجنتين‏,‏ لكن اليورانيوم لم يصل إلي طهران التي تشكو من أنها لم تتمكن حتي الآن من استعادة الأموال التي دفعتها‏.‏ وربما تنجح جولة المفاوضات الثالثة المتوقعة بين الجانبين تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة في الوصول إلي اتفاق يربط بين عملية تصدير اليورانيوم الإيراني إلي روسيا ووصول اليورانيوم المخصب عند درجة‏20%‏ إلي طهران‏,‏ لكن الشرط الأساسي لنجاح أي حل وسط‏,‏ أن تؤكد إيران قبولها لتصدير الجزء الأغلب من مخزونها من اليورانيوم دفعة واحدة وليس علي مرات متعددة‏,‏ لأن الهدف الأساسي من الصفقة طمأنة الإسرائيليين والأمريكيين إلي أن مخزون اليورانيوم المتبقي لدي طهران بعد التصدير لا يكفي لصنع قنبلة نووية وأن إيران سوف تحتاج إلي عام كامل علي الأقل كي تتمكن من تعويض كمية اليورانيوم التي تم تصديرها‏,‏ الأمر الذي يتيح للرئيس الأمريكي أوباما وقتا كافيا لتفاوض عميق مع إيران حول كل أوجه مشكلة الملف النووي الإيراني

الذي أصبح مجرد عنوان عريض علي عدد من المشكلات الأساسية التي تعوق تصحيح العلاقات بين البلدين دون أن يتهمه الإسرائيليون وجماعات الضغط الصهيونية وقوي المعارضة من الجمهوريين بأنه مكن الإيرانيين من كسب المزيد من الوقت الذي يساعدهم علي التعجيل بصنع سلاح نووي‏.‏

وما يزيد من فرص نجاح الوصول إلي حل وسط‏,‏ موافقة إيران من حيث المبدأ علي مقترحات فيينا في صورتها الأولية التي يشكل تصدير غالبية اليورانيوم الإيراني جوهرها الأساسي‏,‏ وتأكيدات رئيس الجمهورية أحمدي نجاد بأن الملف النووي الإيراني يسير في الاتجاه الصحيح‏,‏ وأن الفرصة مواتية لمرحلة جديدة من العلاقات بين الغرب وإيران‏,‏ وموافقة الجانبين علي عقد جلسة ثالثة من المفاوضات لمناقشة طبيعة الرد الإيراني علي مقترحات فيينا وهواجس طهران ومخاوفها من احتمال مصادرة كمية اليورانيوم إذا ما تم تصديرها أو نكوص الغرب عن الوفاء بوعوده‏,‏ ولا يقلل من حجم هذه الآمال التحذيرات الأخيرة التي أطلقها مرشد الثورة علي خامنئي التي لا تعدو أن تكون رسالة تحذير إلي المفاوض الإيراني‏,‏ تطلب منه اليقظة والانتباه إلي ضرورة تحصين أي اتفاق مع الغرب من خلال ضمانات تكفل حق إيران في استعادة اليورانيوم الذي تم تصديره مخصبا عند درجة‏20%‏ دون أن تمس حق الإيرانيين في تخصيب اليورانيوم لصنع وقود نووي يمكن إيران من تشغيل مفاعلاتها النووية لأهداف سلمية‏,‏ وبالطبع يستهدف خطاب مرشد الثورة أيضا إشعار الإيرانيين بأنهم يتفاوضون من مركز قوة‏.‏

لكن ما من شك في أن الجانبين قد ابتعدا عن حافة الهاوية‏,‏ وبات واضحا أنهما يؤثران الوصول إلي تسوية سياسية بديلا عن حرب يصعب السيطرة علي مقدراتها أو ضبط نتائجها‏,‏ يمكن أن تفتح أبواب الجحيم علي منطقتي الخليج والشرق الأوسط‏,‏ وتزيد من فرص صراع الحضارات والأديان‏,‏ وتتضرر فيها المصالح الأمريكية في المنطقة‏,‏ وتزيد من صعوبات الدول المعتدلة في ظل إحتدام الصراع بين الغرب وإيران وتعيد العالم إلي دروب أزمة اقتصادية جديدة‏,‏ وهو يعبر مرحلة النقاهة من أزمة صعبة لاتزال تعاني من آثارها دول كبيرة عديدة في مقدمتها الولايات المتحدة‏.‏

وأظن أن كلا من الجانبين يعرف جيدا عدم حماس جبهته الداخلية لحرب محتملة إذا توافرت ظروف تسوية متكافئة تنقذ ماء وجه الجانبين‏,‏ لأن الإيرانيين ضاقوا ذرعا بعزلتهم عن العالم‏,‏ كما ضاقوا ذرعا بالعقوبات المتكررة التي يعاني منها الشعب الإيراني‏,‏ ولم يعد في وسعهم أن يكونوا كعكة واحدة أو موقفا واحدا ولأن الأمريكيين لايريدون ولايرغبون في فتح جبهة ثالثة‏,‏ بينما يتهدد استقرار العراق وأمنه موجة عنف جديدة قد تؤخر خروج القوات الأمريكية‏,‏ ومع اعتقاد إدارة أوباما بأن الحرب الأفغانية هي الأولي بالرعاية والاهتمام‏,‏ لأنها تشكل الجبهة الأساسية للحرب علي الإرهاب‏,‏ لايزال الرئيس أوباما يتردد في إرسال‏40‏ ألف جندي أمريكي يصر قائد قوات التحالف الغربي في أفغانستان علي أهمية وجودهم لمنع طالبان من تحقيق النصر في معارك تكتيكية عديدة وإلحاق المزيد من الخسائر بقوات الناتو والجنود الأمريكيين‏.‏

ويتزايد قلق الرأي العام الأمريكي من حرب تتصاعد خسائرها كل يوم لم تعد تحظي بمساندة قوية من جانب الشعب الأمريكي‏,‏ يخشي الكثيرون من أن تصبح فيتنام جديدة‏.‏

وخلاصة القول إن الفرصة مواتية وكبيرة لإقرار مقترحات فيينا مع بعض التعديلات الهامشية لطمأنة الإيرانيين علي استعادة مخزونهم من اليورانيوم بعد إعادة تخصيبه‏,‏ إذا قبلت طهران التفتيش المفاجيء علي أي من مواقعها النووية دون أي إخطار مسبق وهو ما حدث بالفعل أيام حكم الرئيس خاتمي الذي أعلن قبوله التوقيع علي البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي يرفع عن كل الأمكنة أي حصانة ويعطي للمفتشين الدوليين حق الدخول المفاجيء لأي مكان‏,‏ وسوف يفتح ذلك أبواب التفاوض بين طهران وواشنطن علي مصراعيها لمناقشة قائمة كبيرة من المشكلات العالقة بين الجانبين‏,‏ تتعلق بأمن إيران والخليج‏,‏ وطبيعة الدور الإقليمي لطهران وحدوده ومداه في منطقة الشرق الأوسط وتوابع العلاقات الإيرانية في لبنان وسوريا وغزة‏,‏ وموقف إيران من التسوية السياسية للصراع العربي ـ الإسرائيلي‏,‏ وحدود التوافق والتعارض بين ما يمكن أن يدخل في نطاق الأمن الفارسي ويدخل في نطاق الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي‏,‏ الأمر الذي يفرض علي العرب ضرورة أن يسألوا أنفسهم إن كانت الظروف الراهنة تصلح لبدء حوار عربي إيراني الآن‏, ‏ بدلا من انتظار نتائج التفاوض بين إيران والغرب التي سوف تتم بعيدا عن عالمنا العربي‏,‏ ويخشي كثيرون من أن تأتي نتائجها علي حساب مصلحة العرب وأمنهم القومي‏.‏ ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن يجادل في أهمية وضرورة وجود حوار عربي ـ إيراني‏,‏ لأن السؤال كان دائما يتعلق بجدوي الحوار وتوقيته وليس ضرورته التي تمليها طبيعة إيران كدولة مسلمة جارة يتداخل تاريخها في كثير من مراحله مع تاريخ العرب‏,‏ ويتداخل أمنها الوطني مع الأمن العربي القومي في الشرق الأوسط والخليج‏,‏ وتشارك العرب السيطرة علي مداخل وممرات استراتيجية برية وبحرية تحكم حركة التجارة الدولية وتسيطر علي طرق إمداد النفط‏,‏ وتربطها صلات ثقافية ودينية مع مجموعات واسعة من السكان العرب تعتنق المذهب الشيعي تتداخل مع عناصر سكانية تنتمي إلي السنة في جوار يفرض تقنين علاقات حسن الجوار والعيش المشترك علي قاعدة الالتزام بحقوق المواطنة وواجباتها‏,‏ كما يتطلب وضوحا شديدا في حدود الدور الإيراني وأبعاده خاصة ما يتعلق منه بتصدير مفاهيم الثورة الإيرانية خارج إيران‏,‏ كما يعيش في جوارها وكنفها مجموعات سكانية واسعة تنتمي إلي السنة تعاني بعض صور التمييز وتتطلع إلي مرجعية دينية سنية خارج إيران‏,‏ وفضلا عن ذلك تلعب إيران دورا متزايدا في العراق ينتقص من هويته العربية‏.‏ لكن ما من شك في أن القواسم المشتركة بين إيران والعالم العربي سواء ما يتعلق بالأمن أو المصالح الاقتصادية أو مشكلات التداخل السكاني تظل أكبر كثيرا من أوجه الخلاف‏.‏ ويدخل ضمن القواسم المشتركة بين العرب والإيرانيين مصلحة الطرفين في استقرار سعر النفط وعدالته‏,‏ وإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية‏,‏ والحرص علي الاستفادة من التكنولوجيا النووية في مشروعات التنمية والتعاون المشترك في ضمان أمن المنطقة واستقرارها لأن كلا منهما يملك نقاط ضعف ونقاط قوة تجاه الآخر تلزمهما الحرص علي الأمن المتبادل‏,‏ وضمان التعايش بين السنة والشيعة في البلد الواحد وحسن الجوار بينهما حفاظا علي وحدة الصف الإسلامي ودرءا لمخاطر الفتن الطائفية التي تشعل الحرائق هنا وهناك‏.‏ والحق أن حوارا عربيا ـ إيرانيا ناجحا يتطلب قدرا من التوافق حول شروط هذا الحوار وضروراته بين ثلاث عواصم عربية بدون تعاونها يصعب إنجاح الحوار‏,‏ مصر التي تعتقد في فائدة هذا الحوار إذا خلصت النيات‏,‏ وتكاد تنحصر مشاكلها مع إيران في الملف الأمني الذي لايزال يتعثر في مفاوضات الجانبين‏,‏ والسعودية التي يتداخل أمنها الوطني مع إيران بسبب تداخل عناصرها السكانية في المنطقة الشرقية مع الجوار الإيراني لكن حجم التوافق المشترك بين البلدين يظل كبيرا لأهميتهما في ضبط سوق البترول العالمية‏,‏ ودمشق التي تشكل قطب التحالف العربي الوحيد مع إيران‏,‏ خروجا علي الاجماع العربي لكنها يمكن أن تكون جسر حوار بين الجانبين‏.‏ ومع الأسف فإن العلاقات الراهنة بين الدول الثلاث لاتضمن توافقا في المواقف يضمن نجاح الحوار الإيراني ـ العربي‏.‏