خبر سلاح يوم الدين.. هآرتس

الساعة 01:22 م|05 نوفمبر 2009

بقلم: جدعون ليفي

مرة كل بضع اسابيع ينبغي القاء الرعب في القلوب، مرة كل بضعة اشهر ينبغي نثر التهديدات ومرة كل سنة او سنتين ينبغي الخروج الى حرب صغيرة اخرى. تعاون اعمى وبشع بين جهاز الامن ووسائل الاعلام يضمن جولة اخرى. وهكذا يمكن ان ننفض عن انفسنا بعضا من اتهامات غولدستون، هكذا يمكن مرة اخرى ان نوغل فيما نحبه اكثر من كل شيء اخر: ان نتظاهر بأننا الضحية، ان نشعر بأننا مهددون وان نتحد زعما في ضوء الخطر الخارجي الكبير المزعوم الذي على بواباتنا.

الجيش الاسرائيلي مرة اخرى سيقف فوق كل شيء، ينظف نفسه من سلسلة من الشبهات والاخفاقات؛ يمكن ايضا ان يترجم هذا الى ميزانيات طائلة، تعظيم الاهمية والنفوذ، سواء للجنرالات ام للمحللين العسكريين، وهذا يخلق ايضا تغطية اعلامية مناسبة، يبيع الصحف التي تشعل النوازع ومنظومات السلاح الحديثة. ماذا نريد افضل من هذا؟

الصرخة الاخيرة في هذا المجال: "ناسا" (وكالة الفضاء الامريكية) في فلسطين، "رفائيل" (سلطة تطوير الوسائل القتالية) في غزة. حماس اطلقت صاروخا ايرانيا، بالتأكيد ايراني، لمسافة 60 كيلومتر. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية رفع تقريره، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحدث على الفور عن "منظومات صاروخية" ووسائل الاعلام شرعت على الفور برقصات الحرب المحببة لها. "3 مليون مواطن في مدى الاصابة"؛ "مواجهة في كانون الاول"؛ "هل انتم في المدى؟"؛ "ضواحي تل ابيب في خطر"؛ "سلاح يوم الدين"؛ عناوين رئيسة تزرع الرعب، مرفقة بخرائط مفتعلة بقدر لا يقل. "هذا بعد جديد في المواجهة مع الجيش الاسرائيلي. هذا ليس موضوعا بسيطا، هذا بصراحة قصة اخرى تماما، كما يجدر بنا ان نتذكر، المصابون في الجبهة الداخلية سيكونون كثر"، ضج بوق الدولة، صوت المحلل العسكري في التلفزيون.

وبالفعل، مرة اخرى هذه خردة. اقليم في حصار، يغرق في فقره ودماره، مع منظمة شبه عسكرية بائسة، ترسانتها من السلاح تخجل قاعدة انفار في الجيش الاسرائيلي، سبق ان اثبتت هزالها في الحرب الاخيرة، تعرض عندنا كجيش لقوة عظمى عليا مهددة. هكذا يبنى سيناريو الحرب القادمة، المعروف مسبقا، هكذا يتم التعظيم ليس فقط لقوة العدو بل اولا وقبل كل شيء لقوة الجيش الاسرائيلي الذي يقدر عليه.

يقولون ان الحرب لا بد ستأتي، ربما في الشهر القادم. نبوءات الغضب للمحللين العسكريين الذين يدقون طبول الحرب مرة اخرى ستحقق نفسها. ومثلما في سابقتها البائسة، هذه المرة ايضا نتوقع قريبا سلسلة من "الاحداث" التي "تسخن" الجبهة، قصف لنفق او محددة، بضعة فلاحين عديمي الوسيلة، يتجرأون على الاقتراب من الجدار الفاصل، بمحاريثهم الصدئة، سيقتلون فيما يعرضون كمخربين زارعين للعبوات، والفلسطينيون سيطلقون القسامات الصدئة ردا على ذلك، يزرعون الرعب في النقب ويخلقون ضغطا على الحكومة لعمل "شيء ما".

"في القيادة الامنية لا يسألون اذا كانت ستقع مواجهة عسكرية اخرى مع حماس – بل متى"، مرة اخرى يكتب بذاته كليشيه الحرب القادمة،  والى جانبه بالطبع لا يظهر السؤال القاطع والمطلوب الوحيد: لماذا؟ ليس "هل" وليس "متى"، بل لماذا؟ لماذا تصرخ وتصدع.

لو لم يكن هذا متعب جدا لكان يمكن له ان يكون مضحكا. لا يمكن لاي مسرحية ساخرة بهذا القدر ان تكون مثل هذا الواقع الذي يكرر نفسه المرة تلو الاخرى. شيء لم يجر تعلمه، درس لم يجر استخلاصه. الف لجنة تحقيق لن تشفينا من مسيرة السخافة. غزة محاصرة وهادئة نسبيا. صحيح، هي لن تواظب على سكونها اذا لم يرفع الحصار عنها وسكانها لا يحظون بشروط عيش انسانية. من يريد حربا زائدة ومجرمة اخرى في كانون الاول مدعو لان ينضم الى احتفال الجنون الذي ينصب علينا بادارة اسياد الحرب، الجنرالات والمحللين.

من يريد ان يحاول وقف الدائرة المفرغة الدامية هذه مدعو لان يفكر بالبديل: ازالة الحصار فورا، اعادة بناء اعمار غزة، تحرير جلعاد شليت بالثمن المحدد، جهد لادخال حماس في الدائرة السياسية ومحاولة للتوصل معها الى اتفاق بعيد المدى. هذا ممكن، هذا لم يجرب ابدا، ولكن مع فارق واحد: ما الذي سيفعله الجنرالات والمحللون اذا ما استمر، لا سمح الله، الهدوء في الجنوب؟