خبر لماذا لا يقاوم منتقدو السلطة؟ سؤال المناكفة التقليدي ..ياسر الزعاترة

الساعة 09:14 ص|04 نوفمبر 2009

لماذا لا يقاوم منتقدو السلطة؟ سؤال المناكفة التقليدي ..ياسر الزعاترة

  

ـ الدستور الأردنية 4/11/2009

في سياق اتساع دائرة الروح الحزبية والفصائلية ، وربما الثأرية أيضا على خلفية الانتخابات التي فازت فيها حماس ، ومن ثم الحسم العسكري ، وبعد ذلك ميل السلطة إلى خيار المفاوضات معطوفا على رفض المقاومة والتعاون الأمني. في هذا السياق يحدث أن يقذف البعض بشكل يومي سؤال أين مقاومة الآخرين في وجه معارضي السلطة كلما أمعنوا في هجاء المسار السياسي للقيادة التي ورثت ياسر عرفات بعد قتله ، وبالطبع بعد عجزها عن وراثته حيا.

يعتقد أولئك أنهم بسؤالهم ذاك يلجمون الطرف الآخر ويفحمونه تماما ، إذ أين مقاومة حماس في قطاع غزة ، ولماذا توقفت الصواريخ ، بينما يضيف بعضهم سؤالا عن مقاومتها المتوقفة في الضفة الغربية ، ومعها الجهاد ، ومن تبقى من رافعي شعار المقاومة؟، في الرد على هذا السؤال ينبغي القول إن مسار المقاومة لا ينطلق وينمو إلا بتوفر حاضنة شعبية ، ومعها بعض المدد الخارجي. والحاضنة الشعبية لا تتوفر إلا حين يتوفر قدر من الإجماع حول مسار المقاومة ، بصرف النظر عن هوية المقاومين.

سيطرح البعض هنا نموذجي العراق ولبنان ، حيث انحصرت المقاومة في فئة معينة (العرب السنة في العراق ، حزب الله الشيعي في لبنان) ، والتفسير أن المقاومة في الحالتين كانت تنطلق من مناطق نفس الفئة الحاضنة ، ولنلاحظ أن حالة الاستهداف التي تعرضت لها المقاومة في العراق من قبل فريق أكبر وأقوى ، ومن ثم فقدانها الحاضنة إثر أخطاء القاعدة وتجربة الصحوات التي نتجت عن جعل المعركة مع إيران هي الأولوية ، كل ذلك أتعبها ودفعها نحو التراجع. أما مقاومة لبنان فقد نجحت حين لم يعترض عليها الآخرون ، وإن لم يشاركوا فيها: إضافة إلى توفر مدد خارجي قوي من سوريا وإيران (كان المدد السوري من الداخل منذ إطلاق المقاومة حتى تحرير الجنوب) ، وفي الحالتين حضر البعد الإسلامي الذي يمنح الدافعية للمجاهدين.

في الحالة الفلسطينية توفر الإجماع حول المقاومة خلال انتفاضة الأقصى ، فكان أن هددت وجود العدو لولا ارتباك القرار السياسي لقيادة السلطة وتركيزها على الاعتراف الخارجي ، كما توفر ذات الإجماع بقدر أقل قبل نشوء السلطة ، أما هذه الأيام فالموقف بالغ السوء ، إذ لا يكتفي طرف فلسطيني بمعارضتها ، بل هو يستهدفها في وضح النهار عبر تعاون أمني مفضوح ، والفريق المذكور ليس هامشيا ، بل يمثل ما يقرب من نصف الجمهور ، فضلا عن كونه الطرف المعترف به عربيا ودوليا كممثل للفلسطينيين ، ما يرتب وصف الطرف المقاوم بالإرهاب.

في قطاع غزة ليست ثمة فرصة للمقاومة خارج إطار الصواريخ بسبب السياج الأمني المحكم وخروج جيش الاحتلال من داخل القطاع ، مع العلم أن معادلة الانقسام تفعل فعلها أيضا ، فضلا عن معادلة الحصار وتداعيات الحرب الأخيرة ، وقبل ذلك ورطة المشاركة في سلطة أوسلو من قبل حماس ، وهي سلطة صممت في الأصل من أجل منع المقاومة ومنح العدو فرصة التخلص من أعباء الاحتلال الأمنية والاقتصادية والسياسية ، ما يعني أنه لا بد للمقاومة من الانقلاب على تلك السلطة حتى يمكنها الانطلاق والتطور ، وقد كان محللون إسرائيليون يصفون حل السلطة بأنه "السيناريو الكابوس".

المقاومة الحقيقية التي توجع الاحتلال في ظل الوضع الراهن لا تكون إلا في الضفة ، بينما يشاكس القطاع بما تيسر من عمليات نوعية عبر اختراقات ليس من السهل توفيرها كما هو حال عملية الوهم المتبدد ، فضلا عن إطلاق الصواريخ ، مع العلم أن المقاومة في الضفة ينبغي أن لا تأخذ في الاعتبار خيار المحافظة على السلطة إذا أرادت الإنجاز الحقيقي ، إذ أن الأفضل هو عودة الاحتلال الكامل بما في ذلك من مزايا الاستهداف الأسهل لجنود الاحتلال وموظفي إدارته المدنية.

في الضفة استهدفت المقاومة بشكل رهيب من طرف الاحتلال وسلطة دايتون ، بينما غيّب الانقسام ، وقبله مسار القيادة الجديدة حاضنتها الشعبية ، وهو ما جعل استمرارها على نحو موجع مستحيلا في واقع الحال.

أيا يكن الأمر ، فإن فارقا كبيرا بين من يعلن التزامه بخيار المقاومة (يحدث في كل تجارب التاريخ أن تصعد وتهبط بسبب ظروف موضوعية كثيرة) ورفضه المسار الآخر المجرب ، والذي لن يفضي إلا إلى حل نهائي بالغ السوء ، أو تكريس للدولة المؤقتة (كلاهما تصفية للقضية) ، وبين من يرى المقاومة شكلا من أشكال العبث بدعوى عجزها عن دحر الاحتلال (لهؤلاء قال الشيخ أحمد ياسين رحمه الله: من لا يستطيع الزواج لا يباح له الزنا).