خبر المصالحة الكذابة والانتخابات المخادعة ..منير شفيق

الساعة 12:10 م|03 نوفمبر 2009

المصالحة الكذابة والانتخابات المخادعة ..منير شفيق 

المقصود بالمصالحة ما هو مطروح من مصالحة بين فتح وحماس وبين كل الفصائل الفلسطينية. والمقصود بالانتخابات ما يعدّ لانتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية وإلى حد ما مجلس وطني لمنظمة التحرير الفلسطينية أو لجزء منه.

 

عندما تجري المصالحة في ظل استمرار حصار قطاع غزة بما في ذلك إغلاق معبر رفح، وفي ظل الاعتقالات الواسعة التي تقوم بها السلطة المسيطرة في الضفة الغربية والتي يقودها محمود عباس وسلام فياض وكيث دايتون وقد اتجهّت لتغييب حماس مقاومة ووجوداً مدنياً واجتماعياً وسياسياً (إلغاء المؤسسات والجمعيات الخيرية)، وفي ظل هيمنة مباشرة لقوات الاحتلال وما أجرته وتجريه من اعتقالات لنواب حماس وكوادرها وشخصياتها السياسية. وهذا مطبّق أيضاً على حركة الجهاد وكل اتجاه أو فرد فلسطيني مقاوم (تصفية كتائب شهداء الأقصى كذلك).

ثم عندما تصل عملية المصالحة في شهريها الأخيرين إلى مرحلة وضع وثيقة اتفاق نهائية غير قابلة للمراجعة، ويُفرَض على الجميع توقيعها ولا سيما على حماس حيث يغلب على الوثيقة المذكورة الانحياز ضدها خصوصاً بعدما أُحدِث فيها من حذف وإضافة. فهذا يعني أن المصالحة تتم تحت الضغوط والإكراه ابتداءً من الحصار والاعتقالات وانتهاءً بفرض نص نهائي.

 

الأمر الذي يعني أننا أمام مصالحة كذابة يُراد منها غير المصالحة الفعلية والحقيقية، وعلى التحديد هنا يراد منها الوصول إلى مرحلة الانتخابات. ثم أضف محاولة التحكم في الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وجعْل محمود عباس المقرّر المطلق الصلاحية في كل المؤسسات أو اللجان النابعة من اتفاق المصالحة بما فيها لجنة الإشراف على الانتخابات.

 

ومن هنا استحقت -إن تمت على هذه الصورة- أن تسمّى مصالحة كذابة. أما إذا لم تتم فعدمها، والحالة هذه، أفضل منها.

 

أما الانتخابات فيُراد منها أن تنهي الشرعية التي تمتعت بها حماس حين حازت على أغلبية كبيرة في المجلس التشريعي. وذلك لوضع "الشرعيات" كلها في يد محمود عباس. وعلى التحديد وضعها باتجاه الخط السياسي الذي يمثله، وكما ترجم نفسه، على الخصوص، منذ يونيو/حزيران 2007 بعد الأحداث التي أدّت إلى الانقسام بين سلطتين أو شرعيتين إحداهما في قطاع غزة والثانية في الضفة الغربية.

 

فالخط السياسي الذي مثله محمود عباس من خلال رئاسته للجنة التنفيذية أو لبقاياها في حينه، وللسلطة الفلسطينية، ترجم نفسه بداية بتشكيل حكومة سلام فياض التي أنهت حتى قيادة فتح للسلطة وليس قيادة حماس لحكومة الوحدة الوطنية فقط.

 

وهذه الحكومة عمدت فوراً إلى تسليم الجنرال كيث دايتون إعادة تشكيل القوات الأمنية الفلسطينية بعد إحالة سبعة آلاف ضابط من فتح إلى التقاعد دفعة واحدة وبقرار من محمود عباس بوصفه رئيساً للسلطة. وهو الذي كان قد سعى إلى نزع صلاحيات الرئيس الشهيد ياسر عرفات في سلطته على الأجهزة الأمنية وتسليمها لرئيس الوزراء في حينه محمود عباس.

 

الخطوة السياسية الثانية كانت الذهاب الهزيل إلى مؤتمر أنابوليس وإطلاق مفاوضات ثنائية بلغت جولاتها، على حد إحصاء، صائب عريقات "كبير" المفاوضين حوالي 268 جلسة. وقد أعلن عباس خلالها مبادئ ستة كقواعد لها من جانبه. وكان من بينها القبول بمبدأ تبادل الأراضي وبمبدأ أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية و"القدس الغربية" عاصمة للدولة الإسرائيلية. وهذان تنازلان خطيران جديدان دخلا علناً إلى الخط الذي يتبناه مع ملاحظة التنازل المجاني عن القدس الغربية.

 

وهذا الخط يعمل الآن ضمن مشروع أوباما/ميتشل للتسوية. وهو مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ومن ثم يكون المطلوب من الانتخابات أن تكرّس "شرعية" المضيّ في هذه التسوية أو حتى السير ضمن عمليتها إن لم تصل إلى نهاياتها، وأن تكون شرعية مطلقة بيد عباس كما حدث مع شرعية فتح عبر انتخابات المؤتمر السادس المزوّرة، وعبر إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (استكمال النصاب) من خلال جلسة ملفقة للمجلس الوطني المرحوم.

 

هذه النتيجة المطلوبة لا تمسّ حماس وحدها وإنما تمسّ كل فصائل المقاومة، بل وتمسّ فتح أيضاً، فضلاً عن مساسها الأساسي الخطير بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

 

ولكن لكي تأتي الانتخابات وفقاً للقياس المطلوب أعلنت إدارة أوباما، بالفم الملآن، أن أي حكومة وحدة وطنية فلسطينية تشارك فيها حماس سوف تمنع عنها الأموال وتقاطع وتحاصر. وقد أعلن السيد محمود عباس مراراً أنه لن يسمح بعودة فرض الحصار المالي على السلطة. وقد أضيف إلى ميزانيتها أو أُتبِعت -في الأدّق- ميزانية م.ت.ف إلى المخصصات التي تقدّم للفصائل بما فيها الشعبية والديمقراطية.

 

هذا يعني باختصار عدم السماح بأن تكون الانتخابات نزيهة وتحتكم إلى إرادة الناخب الفلسطيني. وذلك بعد أن تعلّم محمود عباس درس عمره حين أصرّ على أن تكون انتخابات 2006 نزيهة، كما تعلمت أميركا والاحتلال الصهيوني الدرس نفسه من الانتخابات إياها. طبعاً الخطأ الشنيع الذي ارتكبوه في جعل انتخابات 2006 نزيهة جاء بسبب سوء تقدير الموقف من جهة مزاج الناخب في الضفة والقطاع. وقد عززت مراكز استطلاع الرأي ذلك الخطأ في تقدير الموقف عبر تقديم بيانات استطلاعية مفبركة بالرغم من مظهرها الأكاديمي الرصين.

 

ولهذا يمكن القطع بأن الإصرار على الاحتكام إلى صناديق الاقتراع يقوم على التأكد من تزويرها، وعدم المغامرة وارتكاب الخطأ بالنزاهة مرّة أخرى.