خبر خمسة عشر عاماً على استشهاد القائد هاني عابد .. ولازال تميّزه الإعلامي حاضراً فينا

الساعة 07:55 ص|02 نوفمبر 2009

فلسطين اليوم : غزة

يصادف اليوم الاثنين الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد القائد هاني عابد " أبو معاذ " الذي اغتالته قوات الاحتلال في الثاني من نوفمبر لعام 1994 أمام كلية العلوم و التكنولوجيا بخان يونس التي كان يعمل بها محاضراً.

ففي الساعة الثالثة من عصر يوم الأربعاء الموافق 2/11/1994 خرج هاني عابد القيادي بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الذي كان يدير مكتب أبرار للصحافة وصحيفة الاستقلال الأسبوعية بغزة، من الكلية بعد انتهاء عمله و ركب سيارته الخاصة و عندما أدار محرّكها انفجرت السيارة ليرتقي شهيداً.

واتهمت حكومة الاحتلال الشهيد هاني عقب اغتياله بتدبير عملية عسكرية استهدفت جنديين قرب حاجز بيت حانون (ايرز) في العشرين من أيار/ مايو 1993 وتعليم عناصر الجهاد الإسلامي على طريقة إعداد العبوات والقنابل اليدوية.

فقد وصفت صحيفة "هآرتس" العبرية، الشهيد هاني بعد اغتياله أنه رئيس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

ولاشك أن الفراغ الذي تركه الشهيد هاني كان كبيراً .. فهو الذي بدأ مشواره الجهادي معتمداً على الرجوع لتعاليم الإسلام ماراً بمقتضيات العصر، أراد أن يؤسس أجيالا واعية وحاملة لهمها بالموازاة مع العمل التنظيمي الذي قاده في حركة الجهاد الإسلامي ..

فعابد ، المولود في عام 1960م في غزة لأسرة فلسطينية بسيطة و متدينة ، واحد من جيل فلسطيني خطا خطواته الأولى مع الاحتلال الصهيوني لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967م ، وكان مقدّراً لهاني أن يشهد اعتقال والده عام 1971م على يد الاحتلال بتهمة مقاومة الاحتلال ، و سيتذكر فيما بعد دائماً الزيارات التي كان يقوم بها مع والدته لوالده في السجن.

و في عام 1980م التحق بالجامعة الإسلامية بغزة ، و هناك اقترب من مجموعة طلابية صغيرة في ذاك الوقت ، بخلاف الأطر الطلابية الوطنية و القومية و اليسارية المتعددة ، كان اتجاهها إسلامياً.

وحسب سيرة شبه رسمية ، فإن عابد خلال اقترابه من هذه المجموعة عرف أن فلسطين و الإسلام توأمان لا ينفصلان ، و أن مرحلة جديدة سوف يحمل فيها أبناء الإسلام راية الدفاع عن فلسطين آتية لا محالة .

وفي تلك الأثناء التقى مع الدكتور فتحي الشقاقي ، الذي أسّس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ، تلك الحركة التي كان مقدراً لها أن تلعب دوراً بارزاً بجانب فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية الأخرى .

وبعد تخرجه في الجامعة عام 1984م من كلية العلوم قسم الكيمياء ، أكمل دراسته للماجستير في جامعة النجاح الوطنية عام 1988م ، و كان التيار الإسلامي في الحركة الطلابية في تلك الجامعة يتعاظم دوره .

واعتقل عابد لأول مرة عام 1991م ، و أمضى ستة أشهر في معتقل النقب الصحراوي ، و بعد خروجه تولى مسؤولية الجماعة الإسلامية ، و هي الإطار الطلابي السياسي العلني لحركة الجهاد الإسلامي في الجامعات الفلسطينية ، و فيما بعد أصبح مسؤولاً إعلامياً في حركة الجهاد الإسلامي من خلال تأسيسه لجريدة الاستقلال في قطاع غزة و لمكتب أبرار للصحافة.

وبعد قيام السلطة الفلسطينية أصبح هاني عابد أول معتقل سياسي لدى السلطة ، بعد قيام مجموعة عسكرية تابعة للجهاد الإسلامي بتنفيذ عملية عسكرية شمال قطاع غزة أسفرت عن مقتل ثلاثة من جنود الاحتلال ، و اتهام حكومة الاحتلال لهاني عابد بالتخطيط للعملية .

وكان هذا الاعتقال مرحلة هامة في حياته و في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكانت بداية لخلافات من نوع جديد بين فرقاء الحركة الوطنية و الإسلامية الفلسطينية ، فالسلطة الفلسطينية كانت محكومة باتفاقيات و رؤى ، و تحاول فرض تصوّرها للعلاقة مع إسرائيل على الآخرين ، في حين كانت فصائل أخرى و من بينها الجهاد الإسلامي التي ينتمي إليها عابد ، ترى أن من حقّها الاستمرار في النضال و القيام بعمليات ضد الاحتلال ، الذي أعاد تموضع قواته في الأراضي الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو الذي أفرز السلطة الفلسطينية ، و لم ينسحب منها .

ورأت مصادر في الجهاد الإسلامي في حينه أن اعتقال هاني عابد  بمثابة رهينة سياسية حتى نوقف عملياتنا الجهادية، كما قال الأمين العام للحركة الدكتور فتحي الشقاقي في تصريح نشرته صحيفة الحياة اللندنية (5/6/1994م) .

وأشار الشقاقي في تصريحه ذاك إلى أنه أجرى اتصالات غير مباشرة مع الرئيس عرفات و قيادة منظمة التحرير لإطلاق سراح هاني عابد، و أنه أبلغ تلك القيادة و عرفات بشكل غير مباشر أيضاً أن أي اعتقال لإخواننا سيصعّد من العمل العسكري ضد الاحتلال كي نبرهن لهم بأنه لا يمكن ابتزازنا عن طريق اعتقال أحد إخواننا في الحركة ، و أنه طالما بقي عابد معتقلاً فسنصعّد العمل العسكري و لن يكون استمرار إيقاف عابد سبباً لإيقاف العمل العسكري .

وبهذه المناسبة اعتبر الشقاقي أن العمليات التي نفّذها الجناح العسكري للجهاد "قسم" ، كشفت أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة لم يكن حقيقياً ، و السيادة الإسرائيلية لا زالت موجودة و أن مرجعية الإدارة الفلسطينية هي "إسرائيل" .

وخرج هاني عابد ، أول معتقل سياسي فلسطيني لدى السلطة الفلسطينية من السجن ، و في حين كانت سلطات الاحتلال فشلت باعتقاله قبل إعادة تموضع قوات الاحتلال في قطاع غزة بنحو أسبوع ، بعد أن حاصرت منزله في حي الغفري بمدينة غزة ، و لكنه كان قرّر عدم تسليم نفسه لهم ، فإنها نجحت باغتياله بعد أن أنهى عمله في كلية العلوم و التكنولوجيا ، و ركب سيارته متوجّهاً لعمله الإعلامي ، و ما إن أدار المحرك حتى انفجرت به السيارة و خرّ شهيداً ، ليكون أول شهيد يتم اغتياله في المرحلة التي أطلق عليها مرحلة "السلام" ، مثلما كان أول معتقل سياسي فيها .

ورغم أن حكومة الاحتلال التزمت الصمت حول حادث الاغتيال ، لكن هناك لدى متّهمي الاحتلال بتدبير الاغتيال مبرّرات لاتهامهم خصوصاً و أن الاغتيال جاء بعد تهديدات أطلقها إسحاق رابين ، رئيس وزراء الكيان وقتذاك ، باتخاذ إجراءات ضد نشطاء حماس و الجهاد الإسلامي بعد عملية "تل أبيب" الاستشهادية في حينه ، على نحو ذكر بما فعله بن غوريون في الخمسينات و غولدا مائير في السبعينات .

وبتاريخ 23/10/1994 أكدت صحيفة (الأوبزيرفر) البريطانية أن رابين أعطى أوامره بملاحقة قادة فلسطينيين . و في مقال افتتاحي بعد اغتيال عابد كتبت صحيفة "هآرتس" بعنوان "الثواب و العقاب" مذكّرة بسلسلة الاغتيالات التي نفّذتها حكومات الاحتلال بعد عملية ميونخ .

و ربطت معظم الصحف العبرية التي خصصت مساحات واسعة لتغطية حادث اغتيال عابد ، بين تهديدات رابين و حادث الاغتيال . و هو ما يؤكّد مسؤولية الاحتلال عن اغتيال عابد بعملية إعدام غير قضائي كما تسمّي ذلك منظمات حقوق الإنسان . و أن إسرائيل مستمرة به حتى أثناء العملية "السلمية" و هو ما أكّده الواقع بعد ذلك .

و بعد حادث الاغتيال ، قال الدكتور الشقاقي :"إن "الموساد" وضع هاني عابد على رأس قائمة الاغتيالات بناءً على قرار رابين، و تنفيذاً لتهديداته ضد حماس و الجهاد الإسلامي".

وأضاف الشقاقي في حديث لصحيفة العرب (10/11/1994م) أن قادة الكيان يدّعون أن هاني عابد مسؤول عسكري في الجهاد الإسلامي ، و كان مسؤولاً عن مقتل عددٍ من الجنود الصهاينة ، و نحن نؤكّد أن هاني كان من نشطاء الجهاد الإسلامي بالفعل ، و لكنه كان سياسياً ، إضافة لكونه أستاذاً جامعياً و صحافياً ، و عندما فشلوا في معرفة القادة العسكريين قاموا بتصفية هدف سياسي سهل .

هذا وتقول زوجته أم معاذ : "أجمل سنين عمري بحلوها ومرها قضيتها معه ... تعلمت فيها الكثير الكثير ... وفعلت ما لم أتخيل بأية لحظة بأنني من الممكن أن أفعله أو أتقبله ..".

وأضافت:"لا أدري كيف أصفه لا أجد عبارات تستطيع إيفاءه قدره", متحدثةً عن مدى حنانه وعطفه وإيمانه بقضيته ومقاومة الاحتلال.

وعن عمله المتواصل على مدار الـ24 ساعة ، حيث كان يقضي جل وقته في تأدية واجبه سواء على الصعيد العلمي بعد إتمامه لرسالة الماجستير والتحاقه في التدريس في كلية العلوم والتكنولوجيا في خان يونس, أو عمله السري النضالي والمقاوم بحيث لم يشعر أحد من بيته بعمله".

وترجع أم معاذ للوراء معبرة عما اختلجها من مشاعر تجاه هذا القائد العظيم الذي كان يجمع بين حبه لعمله كما بيته وزوجته وأبنائه, فقد حرص على إعطائهم حقهم ، محاولاً لعدة مرات أن يخصص بعض الساعات لهم ، ولكن ازدياد المشاغل وشدة الانخراط فيها حال دون ذلك , مسترقا بعض الأوقات للخروج بهم إلى نزهة قصيرة.

وتقول أم معاذ :"في أحد الأيام اصطحبني مع أولادي إلى أحد محال بيع المرطبات كالبراد والبوظة ونزل من السيارة لشراء البوظة لنا فانتظرناه في السيارة وإذ به يعود بعد أكثر من ساعة وبيده ما وعدنا به, واتضح فيما بعد أنه أجرى اتصالاً هاتفياً سرياً مع الدكتور فتحي الشقاقي من خلال مكتب اتصالات ".

واستطردت مبديةً دهشتها من عقليته الفذة وسرعة بديهته وتفسيره المتعمق للأمور وقدرته على حل أكثر المشاكل استعصاء: "بالرغم من صغر سنه إلا أنه كان كثيراً ما يجتمع مع ممن يسبقوه في العمر من قادة الجهاد الإسلامي الذين كانوا يستشيروه في العديد من الأمور التنظيمية".

التزامه بدينه أبرز ما كان يميزه. فاعتاد على الاقتداء بالسنة النبوية وإتباع تعاليم الإسلام وكان له أثر كبير على من حوله.. وتردف أم معاذ: "له دور كبير في التزامي ، وأتذكر عندما كنت أنخرط في أعمال المنزل وأنسى الصلاة كان يتابعني ويسألني عنها ويغضب بطرق مختلفة لذلك", ومن شدة ذكائه أقدمت عائلته على تعيينه مختارا لها وهو في ال31 من عمره، وألحت عليه ولكنه رفض بسبب انشغاله بالعمل التنظيمي والتدريس .

كثرة الانشغال عن المنزل والأولاد وقضاء معظم الأوقات خارجه لم تخلق مشاكل بين الزوجين فتفهم زوجته لطبيعة عمله ومساندتها له حالت دون حدوث ما من شأنه أن يشوه العلاقة بينهما, مضيفة إلى ذلك حنانه وعطفه وتبسمه طوال الوقت فكان يجمع بين جدية العمل التنظيمي والتدريس في كلية العلوم والتكنولوجيا إلى جانب ثقافته الواسعة المدعمة بمكتبته الخاصة المزودة بعدد هائل من الكتب", ولم تنس أم معاذ إلحاحه على تخصيص يوم الجمعة لمناقشة الكتاب الذي قام بتوزيعه على أهله من أجل الاطلاع عليه "وتم ذلك يوم الجمعة الذي سبق استشهاده".

وفي موقف يخصها شعرت بحبه لها وحرصه الشديد عليها بعد إصابتها بوعكة صحية سبقت استشهاده بثلاثة أيام ، حيث اصطحبها إلى عيادة احد الأطباء وأثناء عودتهما قال لها"ما الذي حل بك لا أريدك أن تكوني هزيلة.. فما الذي ستفعلينه إثر سماعك خبر استشهادي؟", لتنهمر في البكاء ألما وحسرة على فقدان الأب والزوج والأخ رفيق أجمل الأيام وأعذبها.

وفي صباح يوم الأربعاء في الثاني من نوفمبر للعام 1994 تناول الشهيد هاني فطوره على غير المعتاد. فلأول مرة يجلس براحته على المائدة ويتبادل الحديث مع زوجته وطفلته لفترة طويلة قياساً بالوقت الذي اعتاد فيه على تناول الإفطار واقفا وكأنه يدري أنها آخر وجبة له, ولكنه سرعان ما التفت إلى عقارب الساعة التي كانت تشير إلى السابعة والنصف مما يعني تأخره لمدة ربع ساعة عن موعد خروجه من المنزل, فأخذ بنفسه مهرولاً إلى عربته, وللمرة الأولى تنسى زوجته توديعه من نافذة المنزل كالمعتاد .

وعن يوم استشهاده تقول أم معاذ :"عندما خرج مسرعاً يوم الحادث انقبض قلبي وضممت ابنتي إلى حضني وأجهشت في البكاء بالرغم أنني لم أكن أدر بما حدث فكنت حزينة وأشعر بمرارة ", ولأول مرة تمطر السماء يومها وتشتد الزوابع والعواصف وكأن السماء تبكيه , لافتةً إلى أن شعورها بذلك دفعها للخروج برفقة أحد المقربين من زوجها للبحث عنه بعد تأخر عودته , فما أن وصلت مقر الصحيفة علمت بأنه أصيب في ساقه من أحد العاملين الذي حاول إخفاء الخبر عليها.

وعادت إلى المنزل والشعور ذاته لا زال يسيطر عليها ومع آذان العشاء نعى أحد المساجد الشهيد عبر مكبرات الصوت ، فعلم جميع من في المنزل بذلك الخبر ، وفي هذه اللحظة صرخت إحدى شقيقاته ، وإذ بأم معاذ تضربها على فمها وتقول :"ما تبكوا .. جيبوا الشموع وأنيروها", حيث تقول:" لا أدري من أين أتاني الصبر وكيف حدث ذلك".