خبر رئيس والكثير من الريح.. هآرتس

الساعة 11:09 ص|01 نوفمبر 2009

بقلم: تسفي بارئيل

عندما يتحدث محمود عباس (ابو مازن)، يخيل دوما أن عصائر معدته تعتمل. وجهه يكفهر قليلا، خلف شفتيه المشدودتين تنبعث حميته مكبوحة الجماح، وتيار حديثه يتصاعد كاللهيب. هكذا كان ايضا في خطابه في المجلس الوطني الفلسطيني يوم السبت، حين أعلن عن نيته استخدام سلاح يوم الدين ضد حماس، واجراء انتخابات عامة في 24 كانون الثاني 2010. لا كفاح مسلح ولا صدامات شوارع – بل انتخابات عامة، تؤكد شرعية حكمه كرئيس للسلطة الفلسطينية، الذي تدعي حماس انه ليس شرعيا منذ نحو سنة.

ولكن في حماس وفي فتح على حد سواء يفهمون بان هذا مجرد تهديد عابث آخر من ابو مازن. اذا ما جرت الانتخابات في الموعد الذي حدده عباس فستنتهي المساعي للمصالحة الفلسطينية الداخلية، والانشقاق بين فتح وحماس سيصبح قطيعة دائمة. في اعلانه وان كان عباس يحاول عرض بديل على حماس بحيث تسارع على التوقيع على اتفاق المصالحة الذي تحقق بوساطة مصرية، الا ان حماس لم تستجب، واذا وصلت الحركتان الى موعد الانتخابات دون اتفاق بينهما، فلن تكون انتخابات في قطاع غزة، وعباس سيواصل حكم 11 من اصل 16 محافظة في السلطة الفلسطينية. مثل هذه الخطوة على أي حال ستؤكد شرعية حكم حماس في غزة.

حماس نددت بقرار عباس، ولكنها تعرض وجها هادئا. الناطقون بلسانها سربوا هذا الاسبوع بانهم يفكرون بتعيين رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك رئيسا بدلا من عباس. حسب القانون، عندما تنتهي ولاية الرئيس ولا تكون امكانية لتعيين رئيسا بدلا منه، يحل رئيس البرلمان محله.

وتعترف مصر، الاردن والسعودية ايضا بانعدام الجدوى من اعلان ابو مازن. وهي تقدر بان خطوة من جانب واحد كهذه ليس فقط لا تحل شيئا بل من شأنها أن تلقي عليها مواصلة المسؤولية عن غزة، اجبار مصر على فتح المعابر كي لا تتهم (مرة اخرى) بانها تخنق الفلسطينيين، وتخليد الوضع الذي يكون فيه للفلسطينيين دولتان مع نظامي حكم، ينبغي ادارة علاقات مع كل منهما على انفراد.

كما أن هذا هو السبب في أنه رغم رفض حماس حتى الان التوقيع على الاتفاق، اعلنت مصر هذا الاسبوع بانها لا تسحب يدها من مساعي المصالحة وان وفد من حماس سيصل في الايام القريبة القادمة الى القاهرة لمزيد من المداولات. واوضح المصريون علنا بانه بعد اشهر طويلة ومضنية من المفاوضات، لا يعتزمون تغيير مضمون الوثيقة التي اجتازت صياغاتها معالجة دقيقة، ولكن يبدو أن رغم ذلك، ستنجح حماس في تحقيق بضعة تنازلات اخرى.

حق المقاومة

هل عندما يقرر عباس موعدا قريبا بهذا القدر للانتخابات فانه عمليا يعلن عن أنه لم يعد يؤمن بالمصالحة؟ "ينبغي أن نتذكر بان عباس معروف في أنه يقرر أولا وبعد ذلك يندم"، يقول رجل السلطة الفلسطينية المقرب من الرئيس. "انظر ما حصل في تقرير غولدستون والقرار البائس في عدم الطلب بنقله للبحث في مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة. في الماضي كان يوشك على أن يعلن استقالته وتراجع، كما أنه قبل استقالة رئيس الوزراء سلام فياض وتراجع. في موضوع الانتخابات ما كنت سأتوقف عن التنافس. لا مفر امامنا. نحن بحاجة الى المصالحة، والا فاننا حقا يمكننا ان نذهب الى بيوتنا". تهديد عباس يأتي مرفقا ببطاقة تبديل. وهكذا ايضا تهديداته هذا الاسبوع بانه لن يتنافس في الانتخابات التي أعلن هو نفسه عنها.

اذا لم تكن الانتخابات والاستقالة تهديدا ناجحا، من المهم ان نراجع اتفاق المصالحة الذي تقترحه مصر. حسب الاتفاق ستعقد الانتخابات العامة في نهاية حزيران 2010، وفي الاشهر الثمانية حتى ذلك الحين،  سيكون لفتح وحماس الكثير من العمل: سيتعين عليهما أن تعدا البنية التحتية للعمل المشترك في المستقبل، ان تقيما اجهزة امن موحدة، ان تديرا حملة اعلامية لتوحيد الصف الفلسطيني، ان تتوقفا عن التحريض المتبادل، ان تقيما لجنة تقدر الضرر الذي لحق المواطنين بسبب الانشقاق والصراع العنيف، وان تدفعا التعويضات للمصابين وتعيدا الى وظائفهم في غزة الاف الموظفين ورجال قوات الامن الذين طردوا في انقلاب حزيران 2007.

ولكن الموضوع الاهم هو التغيير المخطط له في بنية م.ت.ف، التي لا تزال المنظمة العليا للحركة الفلسطينية، بشكل يضمن لحماس التمثيل المناسب في مؤسساتها حسب حجم قوتها بين الجمهور. م.ت.ف الجديدة لن تكون بعد ذلك المنظمة التي وقعت الاتفاق مع اسرائيل، بل منظمة يمكنها أن تتخذ قرارات جديدة وتلغي القديمة. مراجعة دقيقة لصيغة الاتفاق الذي تقترحه مصر تبين انه في كل الاحوال لم يرد في الوثيقة بان على حماس او م.ت. ف الجديدة ان تتبنى القرارات السياسية التي اتخذت في الماضي. المنظمة الجديدة غير ملزمة بالاعتراف باسرائيل او التوقف عن الكفاح العنيف ضدها. في احد البنود ورد أن "اجهزة الامن ستحترم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الامة وعن المواطن". ما هو نوع هذه المقاومة؟ هل العنف ضد اسرائيل مقبول ايضا؟ وما معنى "تحترم"؟ هل عملية مستقلة تنفذ لن تحظى برد سلطوي فلسطيني؟

محللون فلسطينيون يشرحون بان البند يرمي الى ارضاء حماس التي تدعي بان الاتفاق يلغي حق المقاومة ويرتب خضوع اجهزة الامن للمجلس التشريعي واجهزة المخابرات العامة لرئيس السلطة. وهم يلفتون الانتباه الى بند هام آخر لم ينل العلانية، والذي يقول ان "كل من يعيش على ارض السلطة من مواطنين واجانب هم ايضا اصحاب حق بالعيش بامان دون فارق في العرق، اللون والدين". هذا بند مثير للاهتمام على نحو خاص لان معناه ان الكفاح المسلح ضد المستوطنين محظور ايضا وان بوسعهم ان يتمتعوا بحماية فلسطينية اذا قرروا مواصلة السكن في اراضي فلسطين. تحليل بعيد الاثر لهذا البند يقول انه يفيد ان السلطة الفلسطينية لن تعارض ذلك. عباس، كما يجدر القول سبق ان وقع على الاتفاق، أي ان هذه المبادىء مقبولة من ناحيته.

حكيم مثل اوسلو

لا غرابة في أن حماس لا تقر هذا البند وتطالب بمواصلة البحث فيه. ولكن الانتقاد للوثيقة ليس فقط بالنسبة للكفاح المسلح والمقاومة لاسرائيل (التي بالمناسبة، لا تذكر في الوثيقة حتى ولا بكلمة واحدة، ولا كعدو ايضا. يشار في الاتفاق مثلا بان من يسلم معلومات للعدو يتهم بالخيانة العظمى،  ولكن لم يرد من هو العدو المذكور). ولكن الخلاف يتعلق بالمضمون. مع ان الوثيقة مفصلة جدا بالنسبة لبناء الاجهزة المشتركة، الشرطة والجيش ("جيش وطني هدفه الدفاع ضد هجوم من الخارج")، ولكن ليس فيها أي موقف من سياسة الحكومة التي ستنشأ في اعقاب الانتخابات: لا تعهد بان تتمسك الحكومة الفلسطينية بحق العودة او تقرر القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.

يمكن فقط التقدير بان مصير المساعي التي بذلتها مصر كي تصل الى مثل هذه الصيغة، التي تتخذ تكتيكا مشابها لذاك الذي وجه خطى الموقعين على اتفاقات اوسلو: المشاكل الصعبة تبقى الى النهاية. مصر تعلمت دروس الانتفاضات السابقة التي وقعت بين الفصائل وتحطمت بعد وقت قصير، ذاك الذي في القاهرة في العام 2005 وذاك الذي في مؤتمر مكة في العام 2007. وكان الاستنتاج ان الوثائق الشمولية هي حاجز لا يمكن اجتيازه. إذ لا يوجد معنى لصياغة اتفاق على سياسة الحكومة الفلسطينية او سياسة م.ت.ف، قبل ان يكون اجماع على اقامة حكومة وحدة أو بناء منظمة عموم فلسطينية جديدة.

في كل منظومة الاتفاقات هذه يغيب عنصر هام واحد: اسرائيل. فهل ستكون مستعدة للتعاون مع حكومة موحدة؟ هل ستوافق على اقامة جيش مشترك لحماس، فتح وباقي المنظمات؟ وبالاساس، هل سيكون بوسعها منع اعتراف عربي ودولي بحكومة كهذه، اذا ما قامت؟ في 2006 كان بوسع اسرائيل أن تعتمد على تحالف دولي ضد حماس. اما اليوم، بمكانتها الواهنة، يبدو أنه ستكون هناك العديد من الدول التي سيسرها فتح ممثلية لدى الحكومة الفلسطينية الجديدة.