خبر تركيا و« إسرائيل » ودبلوماسية المناورات .. محمد السعيد إدريس

الساعة 08:31 ص|01 نوفمبر 2009

تركيا و"إسرائيل" ودبلوماسية المناورات

 

محمد السعيد إدريس ـ الخليج 31/10/2009

كان من الممكن التعامل مع الرفض التركي المفاجئ لمشاركة “إسرائيل” في المناورة الجوية التي تحمل اسم “نسر الأناضول” والتي تجرى سنوياً بمشاركة الولايات المتحدة وعدد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى جانب تركيا و”إسرائيل” على أنه مجرد “خلاف سياسي” طارئ بين البلدين يمكن معالجته بالعديد من الوسائل، سواء كان السبب المباشر هو استياء تركيا من السياسات “الإسرائيلية” العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، أو تلكؤ الكيان الصهيوني في تسليم تركيا صفقة من الطائرات من دون طيار من طراز “هارون” المتطورة كانت قد تعاقدت عليها مع شركة الصناعات الجوية “الإسرائيلية”، ولكن إعلان تركيا عن إجراء مناورات عسكرية مع سوريا بعد يومين فقط من قرارها إلغاء مشاركة “إسرائيل” في مناورة “نسر الأناضول” ثم الاعتراض الأمريكي العنيف ضد القرار التركي، ورفض المشاركة مع باقي دول حلف الناتو التي كان مقرراً أن تشارك في تلك المناورات يؤكد أن المسألة باتت مسألة خيارات سياسية واستراتيجية تركية من ناحية، و”إسرائيلية” أمريكية من ناحية أخرى سوف تؤثر بدرجة كبيرة في أنماط التحالفات والعلاقات في المنطقة، في ظل تطورات ثلاثة أساسية هي: أولاً، دخول الولايات المتحدة مع “إسرائيل” في مناورة عسكرية تهدف إلى إقامة درع صاروخية أمريكية  “إسرائيلية” مشتركة لحماية “إسرائيل” من أي هجمات صاروخية سواء من إيران أو من سوريا أو من حزب الله.

هذه المناورة، التي تحمل اسم “جونيبر كويرا”، هي الأضخم والأكثر تعقيداً في تاريخ التعاون العسكري بين البلدين بمشاركة ألف جندي أمريكي تابعين للقيادة الوسطى في الجيش الأمريكي، وعدد مماثل من الجنود “الإسرائيليين”، من المقرر أن تستمر على مدى الفترة من 21 أكتوبر/تشرين الأول، حتى الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني ،2009 وستؤسس لدور أمريكي مباشر في مسؤولية حماية الأجواء “الإسرائيلية” من خلال إقامة بطاريات صواريخ دفاع جوي أمريكية من طراز “ثاند” و”باتريوت  3”، وربطها ببطاريات “حيتس” و”باتريوت” “الإسرائيلية” ما يعني تمكين الكيان من القدرة على الدفاع وصد أي هجوم صاروخي، في الوقت الذي لم تتوان فيه الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية خاصة ألمانيا من تقديم كل الأسلحة الهجومية المتطورة للكيان، وبالذات القنابل الذكية الضخمة القادرة على اختراق الدفاعات الحصينة والغواصات القادرة على حمل رؤوس نووية، وغيرها من الأسلحة اللازمة لتمكين “إسرائيل” من شن أي هجوم تريده دون تردد أو تخوف من أية ردود فعل سواء كانت من إيران أو غيرها، ما يعني أن “إسرائيل” في حالة نجاح تلك المناورة والتثبت من كفاءة قدراتها الدفاعية المدعومة أمريكياً سوف تراجع خياراتها بخصوص إيران وستكون أكثر استعداداً لشن الهجوم الذي تريد، والذي كانت تتردد بشأنه تخوفاً من شن إيران هجوماً صاروخياً مضاداً يدمر ما يخشاه الكيان من قدراته العسكرية وغير العسكرية.

أما التطور الثاني فيتعلق بالتعهد الأمريكي الجديد، وعلى لسان الرئيس باراك أوباما الالتزام بنص التفاهم الذي كان قد جرى عام 1969 بين الرئيس الأمريكي الاسبق ريتشارد نيكسون ورئيسة وزراء الكيان السابقة جولدا مائير الذي يقضي بألا تضغط الولايات المتحدة على “إسرائيل” للإعلان عن امكانياتها النووية، أو التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، وما يفرضه ذلك من فتح المنشآت النووية “الإسرائيلية” أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تجديد أوباما لهذا التعهد تم حسب ما كشفته مجلة “واشنطن تايمز” الأمريكية، وما أفصح عنه بنيامين نتنياهو أمام لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية بالكنيست “الإسرائيلي”، وجاء خلال لقاء أوباما نتنياهو في واشنطن (مايو/ أيار 2009)، وبطلب من نتنياهو ليطمئن من أن دعوة أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عالم خال من الأسلحة النووية لا تشمل “إسرائيل” وقد علق أبرز الخبراء “الإسرائيليين” صاحب كتاب “إسرائيل والقنبلة”” افنير كوهين على طلب نتنياهو للائحة التعهدات الأمريكية السابقة بأنه يؤكد أن الولايات المتحدة شريكة في سياسات التكتم النووي “الإسرائيلي”.

خطورة هذا التطور تتضاعف في ظل تزامن كشفه مع صدور قرارين عن مجلس محافظي الوكالة الدولية يقضيان بانضمام “إسرائيل” إلى معاهدة حظر الانتشار النووي وفتح منشآتها أمام المفتشين الدوليين (مشروع القرار العربي) وتطبيق نظام الضمانات في الشرق الأوسط (مشروع القرار المصري)، كما تتضاعف أيضاً بسبب تزامنه مع توقيع الولايات المتحدة اتفاقاً مع “إسرائيل” يقضي بزيادة التعاون والتنسيق في مجال “الأمن النووي”، من خلال تطوير وتوسيع الاتفاقيات السابقة التي وقعت بينهما في العقدين الماضيين بهذا الخصوص، ومنح الفرصة للوكالة النووية “الإسرائيلية” بالاطلاع على معظم المعلومات والترتيبات التكنولوجية الأكثر تطوراً في الولايات المتحدة في مجال الحفاظ على الأسلحة النووية.

أما التطور الثالث، فيخص النقلة النوعية في علاقات تركيا الإقليمية وبالذات مع سوريا والعراق وربما إيران. فتوقيع تركيا اتفاقية تأسيس مجلس للتعاون الاستراتيجي مع سوريا وقبله تأسيس مجلس مماثل مع العراق، ودخول التعاون التركي  السوري، والتركي  العراقي مجالات وآفاقاً مهمة، ثم الدعم التركي للموقف النووي الإيراني، وإدانة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي لازدواجية معايير الغرب في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني قبيل ساعات من زيارته لطهران يوم الثلاثاء الماضي، يعني أن علاقات تركيا الإقليمية تتجه نحو ما أسماه وزير خارجيتها نحو “العمق الاستراتيجي” الذي يعطي للجغرافيا أهميتها ويعطي للتاريخ احترامه.

تطورات ثلاثة مهمة سوف تزيد من هوة التباعد بين تركيا و”إسرائيل” بقدر ما ستربط تركيا بجوارها الحضاري العربي والإيراني.