خبر هل ستشارك أميركا في حروب إسرائيل القادمة؟.. محمد خواجة

الساعة 08:30 ص|01 نوفمبر 2009

هل ستشارك أميركا في حروب إسرائيل القادمة؟

 

محمد خواجة ـ السفير 31/10/2009

تحول الساحل الفلسطيني المحتل إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، أثناء إجراء مناورة «جونيفركوبرا». فقد توزّع آلاف الضبّاط والجنود الأميركيين والإسرائيليين التابعين لأسلحة الدفاع الجوي، على متن السفن والبوارج الحربية، إضافة إلى الشريط الممتّد من «نهاريا» حتى عسقلان؛ لاختبار أحدث نظم الاعتراض الصاروخي في العالم، وفحص عمليات ربط المنظومات هذه لدى الجيشين الإسرائيلي والأميركي، وتدريبهما على أساليب العمل الميداني المشترك. واستغرقت عملية الإعداد للتدريبات أسابيع عدّة: ففي مطلع شهر تشرين الأول هبطت طائرات «غالاكسي» الأميركية العملاقة في قواعد سلاح الجو الإسرائيلي، لتفرّغ حمولتها من العتاد والمعدّات. وقبل أسبوعين من وصول «الغالاكسي»، دخلت المياه الإقليمية «الإسرائيلية»، للغاية ذاتها، 17 سفينة وبارجة تابعة للأسطول السادس الأميركي، الذي تتواجد سفنه وحاملات طائراته في بحار أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. ونظراً لأهمية هذه المناورة كُلف قائده الأميرال مارك فيتزجيرالد بالإشراف عليها.

هذه المناورة ليست الأولى من نوعها، وإن كانت الأضخم في تاريخ التعاون بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي، من حيث اتسّاع المسرح العملاني للتدريبات، وعديد الجنود المشاركة، ونوعية الأسلحة المستخدمة. وقد أعتاد الطرفان على تنظيم تدريب سنوي منذ العام 2001، ويجري كل سنتين فحص جهوزية المنظومات المضادّة للصواريخ. هذا العام لم تقتصر التدريبات على سماء فلسطين المحتلة ومياهها الإقليمية، فوكالة الدفاع الأميركية التابعة للبنتاغون، شغلت منظوماتها المضّادة للصواريخ في أوروبا أيضاً. كما شاركت للمرّة الأولى أسراب من طائرات التجسّس الأميركية المرابطة في تركيا واليونان.

هدفت المناورة المشتركة إلى محاكاة حرب حقيقة مثلثّة الأضلاع وربمّا مرّبعة، تخوضها إسرائيل في آن واحد. تتصدّى فيها منظومات الاعتراض الصاروخي من طراز «إيجيس» و«ثاد» و«باتريوت Pac-3» الأميركية، و«حيتس2» و«باتريوت» و«هوك» الإسرائيلية، لهجمات صاروخية متعدّدة الآماد والأبعاد، مصدرها إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزّة. وسيتعين على قوات الدفاع الصاروخي الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة، التعامل مع هذه الهجمات المفترضة، وإيجاد أقصى درجة ممكنة من حماية العمق الإسرائيلي على مستويات وارتفاعات متعدّدة. وكانت حرب صيف 2006، قد أبانت نقاط ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي تحوّلت إلى هدف استراتيجي للأعداء. وتقوم إحدى فرضيات المناورة على أن الولايات المتحّدة ستنقل بسرعة جزءاً من منظومتها الدفاعية المضّادة للصواريخ، لمؤازرة مثيلاتها الإسرائيلية في حال نشوب الحرب. تبقى الغاية الأساسية من هذه المناورة، تحضير الدولة العبرية لحرب محتملة مع إيران؛ وليس سراً أن الصواريخ البالستية البعيدة المدى، هي إحدى وسائل الردّ لديها، في حال مهاجمة منشآتها «النووية». وتدرك إسرائيل أنه من الصعوبة تحمّل تبعات هكذا مغامرة، من دون الاتكاء على المساعدة الأميركية.

رغم الفشل الذي لحق بإسرائيل في حربها على لبنان صيف 2006، وتزايد التحدّيات التي تواجهها، تبقى دولة قوية تملك قدرات عسكرية تقليدية وغير تقليدية هائلة. وهي ليست ضعيفة لتحتاج إلى حماية خارجية مباشرة، فقد سبق وتحفظّت عن دخول حلف الناتو بعد تلك الحرب، كي لا تقيّد نفسها بأنظمته الداخلية، وتبقى طليقة اليدين في شن الحروب ساعة تشاء. هذا من دون إغفال رغبتها الدائمة بتولّي الآخرين تحقيق أهدافها، من خلال خوض الحروب بالنيابة عنها. وإذا تعذّر هذا الأمر، فعلى الأقل قيامهم بتحمّل أعباء حروبها وتبعاتها. نعتقد أن المناورة المشتركة تحمل أكثر من بعد: رسالة علنية إلى إيران بكل ما تحمله من فجاجة، بمواكبة مفاوضات جنيف «النووية»، بما يعني استخدام المناورة كسوط في وجه الإيرانيين لحملهم على تليين مواقفهم. أما البعد الآخر، فهو التأكيد على أن إسرائيل ما زالت الدرّة الاستراتيجية للغرب والأميركيين، في هذا الجزء من الشرق الأوسط. وإن أمنها جزء من منظومة الأمن الأميركي، والذين يراهنون على تبدل جوهري في سياسة الولايات المتحدّة تجاه الدولة العبرية بعهد الرئيس أوباما سيصابون بالخيبة. فالدلائل كلها تشير إلى أنه لم يشذّ عن الاستراتيجية التي انتهجها سلفه بهذا الخصوص. بل على العكس، إن ما يحدث اليوم تحت عنوان المناورات، لم يسبق أن أقدمت عليه إدارة أميركية سابقة. وكان أوباما قد أعلن أثناء شرحه لبنود الخطّة البديلة عن مشروع الدرع الصاروخية (17-9-2009)، إبقاء ثلاث سفن حربية تحمل عشرات الصواريخ المضّادة للصواريخ، بشكل دائم، في مياه البحر المتوسط، لتوفير الحماية من الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى. ولا يحتاج المرء إلى الفطانة ليدرك من المقصود بالحماية. وفي السياق ذاته، أكّد مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن جزءاً من المنظومات التي شاركت في مناورة «جونيفر كوبرا»، ستُجيّر لإسرائيل لتعزيز منظومتها الدفاعية، ومن غير المستبعد إبقاء جزءاً من القوات الأميركية لتشغيلها. كما حصل من قبل، حين أهدت إدارة بوش الجيش الإسرائيلي في نهاية العام 2008، «رادار إكس باند» المتطور كهدية، مع طاقمه الأميركي المؤلّف من 30 ضابطاً وفنّياً، لتعزيز منظومة الإعتراض الصاروخي لديه، وقد تم تجريبه أثناء المناورة الأخيرة. يقول الخبير العسكري الإسرائيلي (بن كسبيت)، «بأن هذا الرادار قادر على كشف جسم طائر بحجم كرة البيسبول على بعد 4700 كلم، وبأنه من الناحية العملانية، سيحسن أداء منظومة الرادار الإسرائيلية بمقدار ستّة أضعافها، «ويتيح لمنظومة صواريخ «حيتس» إمكان إسقاط صواريخ «شهاب» الإيرانية بعد إطلاقها بوقت قصير». وفي سياق متّصل، نشرت صحيفة «ستارز سترايبنز» الناطقة بلسان وزارة الدفاع الأميركية نبأً يفيد بأن «هذه الوزارة خصّصت أكثر من 100 مليون دولار لإنشاء قواعد في بلغاريا ورومانيا، تجهز في العام 2012. وسيتم نقل أكثر من 4000 جندي من ألمانيا إلى هاتين الدولتين القريبتين من منطقة الشرق الأوسط المضطربة». يبدو أن واشنطن باتت الضامن لحروب إسرائيل ونتائجها.

ويلّح علينا سؤال أخير، هل انتقلت الولايات المتحّدة من مرحلة الرعاية والدعم الكامل إلى مرحلة المشاركة الميدانية في الدفاع عن الكيان الصهيوني؟.