خبر صورة قلمية : مهرجان انطلاقة « الجهاد » رسائل في كل الاتجاهات

الساعة 06:09 م|31 أكتوبر 2009

مهرجان انطلاقة "الجهاد" رسائل في كل الاتجاهات

صورة قلمية يرسمها صالح المصري:

كثيرة هي الرسائل، التي وجَّهتها حركة الجهاد الإسلامي خلال مهرجانها، الذي أقامته الجمعة 30-10-2009 على ساحة الكتيبة بمدينة غزة، بمناسبة انطلاقتها الثانية والعشرين، والذكرى الرابعة عشرة لاستشهاد مؤسسها الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي، الذي اغتيل من قبل الموساد الإسرائيلي بعد عملية بيت ليد، والتي تعد أكبر عملية استشهادية تودي بحياة عدد كبير من جنود الاحتلال منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي.

لقد حضرت المهرجان كما الكثير من الإعلاميين في قطاع غزة، وقرأت ما قِيل بعد الانتهاء من المهرجان، الذي وُصف بأنه أكبر تجمع لحركة الجهاد الإسلامي منذ تأسيسها قبل نحو ربع قرن.

وقد بدا واضحا، أن المهرجان أٌعد له بشكل جيد، حيث علمت أن اللجنة المشرفة عملت على مدار نحو شهر، وهي تقوم بالتجهيز واستنفار أبناء الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

المكان الذي أقيم فيه المهرجان، كان من أهم الرسائل التي بدا واضحا من خلالها، أن الحركة تريد توجيهها للفصائل الفلسطينية، وخاصة حركتي فتح وحماس.

فقبل نحو عامين، أقامت كلتا الحركتين مهرجانين، الأول في ذكرى استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والآخر في ذكرى انطلاقة حركة حماس، وحينها طبّل الإعلام وزمر، بأن ربع مليون ويزيد، كانوا في ساحة الكتيبة (الصفراء والخضراء).

ويبدو أن الجهاد الإسلامي، أرادت أن تؤكد أن شعبية الحركة لا تقل عن شعبية حماس وفتح، حين قررت أن تقيم مهرجانها في هذه الساحة، التي تعد الأكبر في قطاع غزة ...

ومع فارق العبارات التي قيلت في وقت سابق، لم تقل حركة الجهاد الإسلامي أنها حشدت ربع مليون، أو أي رقم من عائلة المليون، واكتفت برسالتها: أن الساحة التي امتلأت بجماهير فتح وحماس من قبل، تمتلئ اليوم بجماهير الجهاد الإسلامي.

الرسالة الثانية التي وصلت بشكل واضح خلال المهرجان، هي وحدة حركة الجهاد الإسلامي وتماسكها، حيث بدا واضحا، أن قيادة الحركة السياسية والعسكرية والأمنية، في مقدمة السطور، وهي تستمع للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح ..

ولأول مرة، تتحدث حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عن موعد محدد لانطلاقتها، وهي التي كانت تحتفل دوما بذكرى الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس الحركة، دون الإشارة لانطلاقة الحركة، التي تتزامن مع (معركة الشجاعية) الباسلة في السادس من أكتوبر/ تشرين أول 1987، والتي مثّلت الشرارة الأولى في التمهيد للانتفاضة الأولى المباركة أواخر عام 1987، واستشهاد زهدي قريقع ومحمد الجمل واحمد حلس وسامي الشيخ خليل ومصباح الصوري.

ولقد أحسن صنعا الدكتور رمضان شلح، حين أوضح هذه النقطة لجماهير الحركة، فقال: "نظراً لما للسادس من أكتوبر ومعركة الشجاعية من مكانة في تاريخ مسيرتنا الجهادية ومسيرة شعبنا النضالية عشية الانتفاضة الأولى، رأينا أن هذا اليوم يُجسِّد فعلاً الانطلاقة الجهادية الكبرى والمعلنة لحركة الجهاد الإسلامي.. السادس من أكتوبر لا يلغي ما سبقه من جهاد وكفاح مارسته الحركة، بل يؤكده ويستحضره، لأن السادس من أكتوبر كان ذروة مرحلة النشأة والتكوين.

وبدا واضحا أن الدكتور شلح، أراد أن يربط بين يوم الانطلاقة وذكرى استشهاد الشقاقي، حين قال إن الاسم الحركي لـ(معركة الشجاعية) الباسلة هو فتحي الشقاقي .. وحتى لا تكون ذكرى استشهاد القائد المعلم عزاءً أو مأتماً متجدداً، كان لا بد من الربط، لتكون ذكرى الشقاقي هي ذكرى ولادة مشروع الجهاد والمقاومة المعاصر في فلسطين، تحت راية الإسلام العظيم.

ومن الرسائل التي بدت واضحة، الحفاظ على الإرث الذي خلّفه الدكتور فتحي الشقاقي بعد 14 عاما على استشهاده، فبدا واضحا أن فكر الدكتور ظل راسخاً في وجدان قيادات الحركة وأبنائها ومناصريها ومحبيها، وقد تجلى ذلك في كلمة الشيخ نافذ عزام، الذي أكد على مبادئ الحركة، والحفاظ على ثوابتها، وخط المقاومة التي بدأها مؤسسها الشقاقي.

وليس غريبا، أن يكون جانب من اسم "مهرجان نصرة القدس ودعم الوحدة"، باعتبار أن الشقاقي وحركة الجهاد الإسلامي، لطالما دعوا للوحدة ورص الصفوف، وتصويب البندقية في وجه المحتل وحده.

إن أهم ما قِيل في المهرجان، هو توضيح الأمين العام للحركة للعلاقة بين حركته وحركتي فتح وحماس، خاصة بعد حالة اللغط التي أثارها الإعلام الفلسطيني. وبدا الدكتور "شلح" وكأنه يريد أن يُصحح الفهم الخاطئ لدى الجماهير الفلسطينية وجماهير حركته، أن الجهاد الإسلامي ليس في جيب أحد حين قال: "في مسألة الانحياز أقول بأننا أولاً وأخيراً منحازون لفلسطين، كل فلسطين أرضاً وشعباً. لذا، فإن كان البعض ولا بد يريد أن يُصنّفنا كمنحازين لهذا الطرف أو ذاك، فنحن منحازون لفتح وحماس بقدر انحياز كل طرف لفلسطين، وأيضاً المقاومة، لإيماننا بأنها الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وإذا كانت فلسطين هي المعيار، فإننا نقول لا يجوز لأحد أياً كان أن يُفصّل فلسطين على مقاسه أو على مقاس برنامجه السياسي ويصادر آراء ومواقف وبرامج الآخرين".

ولقد كان الدكتور شلح واضحا حين شخّص حالة الانقسام الفلسطينية ولا أحسب أنني سمعت تشخيصا موفقا لحالة الانقسام أفضل مما قال: "إننا في الجهاد الإسلامي نمد أيدينا لإخواننا في حماس ولإخواننا في فتح ولكل القوى والفصائل والفعاليات، أن نعمل سوياً للخروج من هذه الأزمة .. ومن هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبنا. نحن ندرك أنه ليس هناك حركة تحرر في العالم إلا وقع فيها تدافع واستقطاب وانقسام، لكن في فلسطين يجب أن لا يطيب لنا المقام على هذا الحال. فالأرض تُسرق من تحت أقدامنا، والقدس تُهوّد، والحق يَضيع، ونحن منشغلون بأنفسنا وهمومنا وصراعاتنا الداخلية.. إذا كنا نحن نعجز اليوم عن تحقيق الوحدة أو الإجماع على حقوقنا وقضيتنا، فماذا ننتظر من العالم؟ ومن بقية أبناء الأمة؟! نحن الأمناء على هذه القضية المقدسة. نحن شعب فلسطين، ضمير الأمة التاريخي تجاه بيت المقدس وفلسطين.. نحن الأمناء على خط مواجهة الغزاة وأن توجه البنادق كل البنادق باتجاه العدو الصهيوني".

لقد صحح الدكتور شلح الفهم الخاطئ لدى البعض عن موقف الجهاد الإسلامي الرسمي من قضايا الصراع، وأنا أعتقد أن هذا الخطاب ربما يعيد الحركة لتكمل دورها الوحدوي كونها حركة فاعلة في الساحة الفلسطينية، وتحاول أن تكون طرفا هاما إلى جانب الإدارة المصرية للملمة المواقف الفلسطينية حول موقف موحد من المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام النكد.

وأحسب أن حركة الجهاد الإسلامي وأمينها العام قادرةٌ على أن تقود مبادرة فاعلة لتقريب وجهات النظر لنتخطى بعض العقبات التي تحول دون إتمام المصالحة الفلسطينية.

لقد عكس المهرجان صورة المرأة المناضلة والمقاومة من خلال كلمة الأسيرة فاطمة الزق التي نقلت معاناة الأسرى الفلسطينيين، وكما بدا لافتا الحضور المميز لجمهور النساء الفلسطينيات من أمهات الشهداء وزوجاتهم وأبنائهم وكوالدة الشهيد خالد الدحدوح والشهيد محمد الشيخ خليل ووالدة الأسير الفلسطيني أم إبراهيم بارود .

لقد نجحت الجهاد الإسلامي في أن تُثبت أنها رقم صعب لا يَقبل التجزئة أو الكسور بعد نجاح مهرجان الانطلاقة، الذي أذهل المتابعين لشؤون الحركة من حيث الترتيب والقدرة على ضبط الأمن وترتيب المكان والمحافظة على علاقة طيبة مع وسائل الإعلام الفلسطينية  التي جاءت لتغطية المهرجان، لكن المؤسف أن يتقوقع البعض ويختبئ وراء حزبيته ويحاول أن يغطي الشمس بغربال.

فلقد بدا واضحا، أن بعض وسائل الأعلام لم تعطِ قدرا وأهمية للمهرجان، من حيث التغطية الإعلامية أو التعقيب على الحدث، الذي لا يعتبر حدثا عاديا في الساحة الفلسطينية. فالمهرجان وحجم الجماهير التي حضرت أهم بكثير من بعض القضايا التي يطبل ويزمر لها الإعلاميون الذين قتلتهم الحزبية، وهم يعملون من خلف مكاتبهم دون أية مهنية، ونحسب أن هذه المواقع والوكالات والفضائيات لم يدفعها إلى ذلك إلا غشاوة على القلب .. لكن هذا لا يمنع أن رسائل المهرجان وصلت لكل الاتجاهات.