خبر أفضل الحلول.. بقاء ما هو قائم!!

الساعة 10:22 ص|31 أكتوبر 2009

فلسطين اليوم-وكالات

تلكأت حركة “حماس” في توقيع الورقة المصرية للمصالحة، فقابل الرئيس محمود عباس ذلك بإصدار مرسوم هو في ظاهره دستوري ومنسجم مع القانون الأساسي ويقضي بتحديد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل، غير أنه لا يمكن إغفال أن هذا المرسوم يحمل بعداً سياسياً هدفه المناورة للضغط على الحركة الإسلامية، لكن ما هو مؤكد أن الانتخابات لا يمكن أن تشكل مخرجاً للأزمة الداخلية من دون توافق وطني.

حركة “حماس” سارعت إلى رفض المرسوم الرئاسي، وهذا الموقف يعني أن الحركة التي تسيطر على قطاع غزة منذ الرابع عشر من يونيو/ حزيران 2007 لن تسمح بإجراء هذه الانتخابات في القطاع من دون توافق، الأمر الذي يضع الرئيس عباس أمام خيارين، إما الذهاب إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير التي تعتبر المرجعية العليا للسلطة الوطنية وإعادة إنتاج تجربة العام 1999 عندما مدد المجلس للرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي مدد مراراً للمجلس التشريعي السابق فامتدت ولايته لعشر سنوات، لكن المرجح أن الرئيس عباس سيستفيد من التمديد له من دون تمديد ولاية المجلس التشريعي الحالي الذي تتمتع فيه حركة “حماس” بالأغلبية البرلمانية.

والخيار الثاني أمام الرئيس عباس أن يمضي في إجراء الانتخابات حيثما أمكن، أي في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية إذا وافق الكيان على ذلك، واعتبار قطاع غزة إقليماً متمرداً إذا منعت حركة “حماس” إجراء الانتخابات.

إن من شأن هذين الخيارين كما عرضتها صحيفة الخليج "الإماراتية"  أن يعززا الانقسام ويرسخا الأزمة القائمة، فحركة “حماس” لا يمكن لها التزام الصمت إزاء أي من هذين الخيارين، وهي التي هددت بخطوات للرد على مرسوم عباس في حال أقدم على تنفيذه، ولربما يكون من بين هذه الخطوات أن تعمد الحركة بعد الخامس والعشرين من يناير المقبل وفراغ منصب رئاسة السلطة إلى إعلان النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمد بحر رئيساً للسلطة وليس رئيس المجلس عبد العزيز دويك لصعوبة توليه المنصب نظراً لإقامته في الضفة الغربية، وقد يكون من بين هذه الخطوات إعلان تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية بشكل منفرد في غزة، الأمر الذي يؤسس لقطيعة قد تطول لسنوات وسنوات.

واستناداً إلى هذه السيناريوهات المؤلمة لا بد لطرفي الصراع الداخلي أن يدركا أن لا سبيل للخروج من الأزمة الداخلية من دون مصالحة ولا يمكن إجراء الانتخابات من دون توافق وطني، ذلك لأن الانتخابات إذا جرت من دون توافق ستكون مدخلاً لمزيد من التشرذم والفرقة والانقسام ولن تكون بحال بوابة لاستعادة الوحدة الوطنية، ويمكن الجزم بأن بقاء الوضع القائم حالياً أهون بكثير من انتخابات ترسخ الانقسام وتعمق الخلافات.

الاتفاق على أن الانتخابات من دون توافق وطني تشكل تكريساً للانقسام ليس موقفاً فردياً، وإنما موقف يلتقي حوله كثير من المحللين وقادة الرأي والفصائل.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري أن إجراء الانتخابات من دون توافق تشكل مدخلاً لتكريس الانقسام وشرعنته وتحوله الى قطيعة كاملة، ومثل هكذا انتخابات لن تعطي الشرعية لأحد. طبعاً، إن عدم إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري يمثل خرقاً للدستور ومن شأنه تكريس الانقسام، ولكنه رغم مساوئه يبقي باب الحوار مفتوحاً ويجعل هناك بصيص أمل بإنجاز المصالحة الوطنية، فالضرورات تبيح المحظورات شرط استمرار الحوار والجهود الرامية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. فالوحدة ضرورة وشرط لا غنى عنه للانتصار في معركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.

وقال المصري إن التمسك بإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري أمر قانوني مهم جداً، ولكنه عند البعض يرفعونه تارة الى مستوى القداسة، وتارة أخرى لا يعيرونه أية أهمية. فالقانون الأساسي انتهك من كل الأطراف طوال السنوات الماضية. فالمسألة، إذاً ليست احتراماً للقانون الأساسي.

إن البعض الحريص جداً على الدستور الآن، سبق ودعا الى إجراء استفتاء وطني بعيد الانتخابات التشريعية الأخيرة، لأن الانتخابات الأخيرة لم تعجبه. ثم دعا لإجراء انتخابات مبكرة قبل مضي عام على إجراء الانتخابات، وكان بعض أصحاب هذا الاتجاه، قد رفضوا السماح بمشاركة “حماس” في الانتخابات قبل أن تقر باتفاق أوسلو وبرنامج منظمة التحرير والاتفاقيات والالتزامات التي عقدتها المنظمة مع الكيان، أي ما يلغي الخلافات بالقوة، ويضرب الديمقراطية في الصميم.

إن جزءاً من هذا الفريق لا يزال يطالب حتى الآن بوضع شروط على المرشحين للانتخابات تلزمهم الموافقة على أوسلو والالتزامات المترتبة عليه. وبعض البعض من هذا الفريق دعا أخيراً، وقبل عدم الوصول الى لحظة عرض الورقة المصرية للتوقيع وتلكؤ “حماس” في التوقيع عليها، الى إجراء الانتخابات من دون مصالحة وطنية لأن الشرعية، وفقاً لوجهة نظرهم أهم من المصالحة الوطنية، ودعا الى منع “حماس” من المشاركة في الانتخابات، لأنها تنظيم انقلابي وتعمل على إيجاد بديل عن المنظمة، ولا تلتزم ببرنامجها والاتفاقيات التي عقدتها.

ووفقاً للمصري فإن الشرط الرئيس لإجراء الانتخابات في بلد حر ومستقل أن تكون حرة ونزيهة، بحيث تضمن حرية الترشيح والانتخاب، وحرية المرشحين بالدعاية الانتخابية، بما في ذلك حرية التنقل، وحرية أن يطرح كل مرشح برنامجه ورأيه من دون قيود أو اشتراطات داخلية وخارجية، ما عدا ضرورة الاتفاق على ركائز المصلحة الوطنية العليا، واحترام قواعد العمل السياسي والديمقراطي، التي يجب أن يلتزم بها الجميع.

إن كون فلسطين واقعة تحت الاحتلال، وما يقوم به الاحتلال من تدخل واسع في الانتخابات من خلال اعتقال مرشحين ومنع حريتهم بالتنقل والدعاية الانتخابية، واعتقال النواب كما حصل بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، حين قامت قوات الاحتلال باعتقال عشرات النواب غالبيتهم الساحقة من أعضاء كتلة “حماس” البرلمانية، الأمر الذي حرم هذه الكتلة من حقها في ممارسة التأثير في المجلس التشريعي عبر الأغلبية التي حصلت عليها، وهو ما كان السبب الرئيس في تعطيل المجلس التشريعي. كل ذلك يجعل التوافق الوطني شرطاً لإجراء الانتخابات ومن دونه لا يمكن أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة.

إذا أضفنا الى ذلك، ان مبدأ احترام نتائج الانتخابات، مهما تكن، ركن جوهري لضمان حرية الانتخابات، وان هذا المبدأ انتهك بشكل سافر من خلال الحرب والحصار والتجويع الذي مارسه الاحتلال “الإسرائيلي” منذ الانتخابات الأخيرة وحتى الآن، وانتهك جراء المقاطعة الدولية التي مورست على حكومة “حماس” ثم على حكومة الوحدة الوطنية، بحجة عدم التزامها بشروط اللجنة الرباعية الدولية في انتهاك صارخ للقانون الدولي والمواثيق الدولية التي تقوم على احترام إرادة الشعوب التي تعبر عنها بالانتخابات، وحقها في تقرير نفسها بنفسها.

تأسيسا على ما سبق، لا يمكن إهمال المصالحة الوطنية، وتقزيمها الى أبعد حد، وتضخيم بند الانتخابات وتصويرها كأنها عصا سحرية ستحل مشاكل الشعب الفلسطيني بضربة واحدة.

ويعتقد المصري أن الوفاق الوطني على أساس برنامج وطني يحدد الأهداف الأساسية وأشكال النضال الأساسية وقواعد العمل السياسي والديمقراطي وحده هو الذي يكفل جعل التدخلات “الإسرائيلية” والإقليمية والدولية في الانتخابات الفلسطينية في أدنى مستوى ممكن.

إن إجراء الانتخابات من دون وفاق وطني، وفي ظل استمرار وتعمق الانقسام وطغيان الاتهامات المتبادلة والتحريض الذي تجاوز كل الحدود، واستمرار الاعتقالات والحد من الحريات الفردية والعامة، يفتح طريق جهنم لكل أنواع التدخلات، وخصوصاً التدخلات “الإسرائيلية”، ويحول دون إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

ويرى المصري أن الإصرار على إجراء الانتخابات واعتبار ذلك هو الهدف يخفي نوايا بأن هذه الانتخابات مصممة لتحقيق هدف واحد هو إخراج “حماس” من الشرعية الفلسطينية من البوابة التي دخلت منها، وهي صناديق الاقتراع. وهذا يجعل “حماس” تخشى من الانتخابات، كما يجعلها تخشى من أنها إذا فازت لن تتمكن من الحكم مرة أخرى.

ما سبق كله يعني أن الديمقراطية ليست لها علاقة بالدعوة لإجراء الانتخابات، وإنما وراء الأكمة ما وراءها. فالدعوة لإجراء الانتخابات من دون وفاق وطني تحمل في طياتها، بقصد أو من دونه، مراهنة على توظيف الاحتلال والتجويع والحصار والحرب والمقاطعة الدولية لصالح طرف في الانتخابات، وهذا يمس بشرعية الانتخابات وبحريتها ونزاهتها.

إن إجراء الانتخابات من دون وفاق وطني يعني أن قطاع غزة بأسره لن يشارك فيها لأن سلطة “حماس” القائمة هناك ستمنعه من ذلك، ويعني أن حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، وربما الجبهة الشعبية وقطاعات سياسية وشعبية أخرى ستقاطعها.

ويتساءل المصري: كيف يمكن أن تعطي الانتخابات، في ظل هذه المقاطعة الواسعة والمترافقة مع مقاطعة من قطاعات شعبية لا تشارك أصلا في الانتخابات ومن قطاعات أخرى أصبحت محبطة ويائسة من القيادات والقوى الفلسطينية، الشرعية لمن سيفوز فيها؟ فلا شرعية لانتخابات لا تشارك فيها “حماس” تحديدا لأنها الفصيل الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات الأخيرة، وخصوصا أنها حرمت من الحكم ولم تتبلور أغلبية شعبية كبيرة ثابتة لأي طرف، كما تشير المعطيات.

ما سبق لا يعطي الحق ل”حماس” بأن تستخدم الفيتو لمنع إجراء الانتخابات الى الأبد، ولكنه يفرض على من يريد الانتخابات أن يتخلى عن شروط الرباعية كأساس لبرنامج حكومة الوفاق الوطني، ويلتزم باحترام نتائج الانتخابات مهما تكن، من خلال توفير شبكة أمان فلسطينية لحماية الفائز وعدم حرمانه من الأغلبية التي يحصل عليها، والعمل من اجل توفير ضمانات عربية ودولية لاحترام إرادة الشعب الفلسطيني.

إن الوفاق الوطني على مرجعية واحدة هدفها الناظم مواجهة الاحتلال أهم من الانتخابات وشرط لتحقيقها، لأن الهاجس يجب أن يكون دائماً عند الجميع كيف يمكن أن ندحر الاحتلال ونوقف تهويد القدس وأسرلتها، وأن نزيل المستوطنات ونهدم الجدار وننهي الحصار والعدوان والاغتيال والاعتقال.

وإذا كانت الانتخابات ممكنة وضرورية لتحقيق ذلك فأهلاً وسهلاً بها، وإذا لم تكن فلا داعي. فالانتخابات ليست ممراً إجبارياً ما دمنا تحت الاحتلال وإنما هي ضرورية بقدر ما تساعد على إنهاء الاحتلال، وضارة إذا جاءت لتكريس الاحتلال والتعايش معه ومنحه الشرعية.

ويذهب الكاتب والمحلل السياسي محمد ياغي إلى حد عدم الإيمان بإمكان المصالحة من الأساس بين حركتي “فتح” و”حماس” استناداً إلى أن الحركتين تتبنيان منهجين متناقضين لا يمكن أن يلتقيا، وإذا تم الضغط عليهما من الخارج، فإن المحصلة لن تكون أكثر من مجرد اتفاق يعمق الأزمة بدلاً من أن يحلها، وقد تكون له تداعيات كتلك التي أعقبت اتفاق مكة. لذلك قد يكون الوضع الحالي، بالرغم من سوداوية الصورة أفضل من أي اتفاق لا يوجد ما يبشر بإمكانية تنفيذه واحترام بنوده.

ويشخص ياغي الخلاف بين الحركتين ويعود به إلى جذره السياسي. إذ إن سلطة رام الله التي تقودها “فتح” تؤمن بأن الطريق الوحيد الممكن لإقامة دولة فلسطينية على الضفة وغزة والقدس الشرقية لا يتحقق إلا عبر المفاوضات السياسية. القناعة لديها متجذرة إلى حد لا يمكنها معه التفكير في الذهاب الى بدائل أخرى.

وتعتقد السلطة أن أي بديل غير المفاوضات له تكلفة عالية لا يمكن احتمالها، لذلك نسمع دائماً أن أي اتفاق مصالحة مع “حماس” سيكون سبباً في تعميم الحصار بدلاً من إنهائه لا يمكن قبوله، وإنه مرفوض جملة وتفصيلاً. ولهذا أيضاً، جرى تمرير بنود في الورقة المصرية تسمح للسلطة بالادعاء أن التزاماتها الدولية ستبقى قائمة وأن الاتفاق لا يتعارض مع هذه الالتزامات، وهذا كان واضحاً في النصوص المتعلقة بالأمن والمرجعية السياسية.

على الجانب الآخر من الخلاف تقف “حماس” وحكومتها في غزة وقيادتها في الخارج على النقيض التام لكل ما سبق. “حماس” ترى أن المفاوضات لا يمكنها إعادة الأرض وبناء الدولة حتى على الحدود التي تطالب بها منظمة التحرير، وأن الحل الوحيد هو معركة مفتوحة مع الاحتلال، يمكن ضبط خطواتها بحسب الظروف والإمكانات المتاحة والفرص التي قد تأتي في سياق تغيرات قد تحدث في المنطقة.

 “حماس” لا تؤمن بضغط الزمن وتشعر بأنه قد يكون عاملاً في صالح مشروعها. هي تنظر الى الصراع من زوايا ومنطلقات مغايرة، أهمها: أن هذا الصراع إسلامي-عربي وأن وظيفة الفلسطينيين حالياً هي الصمود واستمرار المقاومة حتى لو كانت على موجات متقطعة غير مستمرة، وذلك لإدامة الصراع ولإبقائه عاملاً ضاغطاً على المحيطين القريب والبعيد يسمح بتفاعلات وبتغيرات قد تحدث في الإقليم وتكون لصالح استمرار المقاومة أو دخول أطراف أخرى على خطوط إسنادها.

المهم بالنسبة ل”حماس” أن استمرار الرفض والمقاومة وعدم المساومة سيأتي بالانتصار. منطق “حماس” إسلامي محض مطعم بالقليل من السياسة التي تسمح لها بهامش من المناورة للاستمرار كرقم فاعل لا يمكن تجاوزه.

“حماس” تريد مصالحة تحفظ لها ثوابتها، وهي تقول إنها لو كانت على استعداد للتنازل عن ثوابتها لفعلت ذلك منذ بدأ الحصار، ولحصلت على القبول الدولي ولما كانت أصلاً بحاجة لجولات حوار، لأن سلطتها كانت ستحصل على دعم كالذي حصلت عليه السلطات التي سبقتها.

نهجان لا يمكن لهما أن يلتقيا لا بالترغيب ولا بالوعيد لأن منطلقاتهما مختلفة، وفهمها للصراع والعالم مختلف كلياً. الاتفاق بينهما بفعل الضغط لا يمكن أن يكتب له النجاح، والحل الأفضل للأزمة هو الاعتراف بها، وباستحالة حل الخلاف القائم، والتعامل معه على ذلك الى أن يغير طرف رؤيته ومنطقه السياسي بعض الشيء ليكون بالإمكان طرح برنامج لحد أدنى سياسي يمكن أن يجتمع عليه الطرفان. في الوقت الحالي، هذا الحد الادنى غير متوفر ولذلك لا يوجد ما يمكن للطرفين أن يجتمعا عليه، أو أن يحفزهما للاتفاق.

ويعتقد ياغي أن المصالحة مستحيلة، والحل ليس في تحقيق المستحيل بل بالاعتراف بالعجز عن تحقيقه، وأفضل الحلول ضمن المستحيل في حالتنا، هو بقاء ما هو قائم. يقول البعض ومنذ مدة طويلة، دعونا نعُد لصندوق الاقتراع، لكن ينسى البعض أن الانتخابات في غياب المصالحة الحقيقية، ومن تجارب الآخرين، هي مقدمة لإشعال حريق كبير لا قدرة لأحد على إخماده.