خبر يُنفسون..هآرتس

الساعة 05:01 م|30 أكتوبر 2009

بقلم: آفي يسسخروف وعاموس هرئيل

جولة الصدامات الاخيرة حاليا في الحرم، يوم الاحد من هذا الاسبوع، انتهت مثل سابقتها بصوت استجابة هزيل. العنف حول النطاق المقدس يصبح موضوعا اعتياديا، شبه ثمرة "التعاون" اليهودي – الاسلامي.

الصيغة تكرر نفسها: منظمة يهودية، هامشية الى هذا الحد او ذاك، تدعو الجمهور للمجيء للصلاة في الحرم، بسبب يوم الغفران، العرش، او مثلما حصل هذا الاسبوع، بمناسبة "يوم الرمبام" (يوم زيارة الحبر الاعظم الى البلاد المقدسة ووصوله الى الحرم). وتحظى البيانات بصدى هائل بالذات في وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية. رجال دين مسلمون، سياسيون فلسطينيون واعضاء الجناح الشمالي من الحركة الاسلامية في اسرائيل يدعون من جانبهم المسلمين للتواجد في المسجد الاقصى للدفاع عنه ضد "محاولات السيطرة"  من اليهود.

يوم "الحملة"، يأتي فجرا الى المسجد كل هؤلاء الاشخاص برفقة ممثلي وسائل الاعلام العربية. العرب ينتظرون هناك حتى الساعة 7:30، حين تفتح شرطة اسرائيل باب المغاربة لدخول الزوار غير المسلمين. الجماعات اليهودية لا تتكبد حتى عناء الدخول للصلاة في الحرم، ولكن الشرطة الذين يدخلون للسماح بالزيارة النظرية، يتلقون وابل مكثف من رشق الحجارة. وفي المسجد يكون في تلك الساعة رجال فتح، الذين يأتون للتضامن مع الاقصى والبرهان بانهم لا يقودهم الى الكفاح عرب اسرائيل بل هم الذين يقودون الكفاح. احد البارزين بينهم هو المسؤول عن ملف القدس في فتح، حاتم عبدالقادر الذي اعتقل هناك هذا الاسبوع بالاشتباه بالتحريض.

مشكوك أن يكون عبدالقادر وأمثاله من نشطاء فتح الاخرين معنيون حقا بان يؤدي تصعيد في الحرم الى انفجار واسع في كل المناطق. يبدو أن هدفهم الاساس هو التظاهر بالتواجد، السماح بالتنفيس وبعدها اعادة الامور في الحرم الى مسارها. ولكن المحيط السياسي، وبالاساس الاعلام الذي يعملون فيه يدفعهم الى اطلاق التصريحات الهجومية جدا على اسرائيل، في ظل اتهامها بمحاولة المس بالمسجد الاقصى رغم أن شيئا حقا لم يتغير في الحرم في الاسابيع الاخيرة.

يوم الاحد مساء نشر مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) بيانا يندد باسرائيل على "نشاطاتها المتطرفة في الاقصى". وفي البيان الاستثنائي في حدته تتهم السلطة اسرائيل بارسال جنود وضباط يهود للمس بالمسجد واتخاذ خطوات استفزازية ضد عرب القدس. "القدس هي خط احمر محظور اجتيازه"، كما جاء في البيان. لاول مرة استخدم مكتب عباس تعبير المقاومة: "سيواصل شعبنا تمسكه بارض مدينته المقدسة وسينتصر في مقاومته لتهويدها، والسيطرة عليها وطرد مواطنيها". نبيل ابو ردينة، الناطق بلسان الرئيس دعا الشعب الفلسطيني الى التغلب على الخلافات "وتوحيد الصفوف في المعركة للدفاع عن القدس والاماكن المقدسة".

استخدام تعابير مثل "معركة" و "مقاومة"، يخرج عن المعتاد، حين يدور الحديث عن ابو مازن. ومع ذلك، فعباس يكاد يكون الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي عارض طوال الطريق "انتفاضة الاقصى" لاستخدام العنف، وبالاساس نار الصواريخ من غزة. المشكلة هي ان روح الامور التي تأتي من الاسفل، من وسائل الاعلام، من الخصوم من حماس بل ومن اوساط قيادة فتح، تتسلق الى الاعلى، بما في ذلك الى مكتب عباس.

 

ندوة في رام الله

المثال الابرز على اللغة الجديدة التي يتبعها كبار مسؤولي فتح والتي تذكر جدا بخطاب سلف عباس، ياسر عرفات، جاء قبل اسبوعين. بعض من اعضاء المجلس الثوري لفتح اجتمعوا في "قصر الثقافة" في رام الله. وعلى المنصة جلس خلف طاولة واحدة أربعة اعضاء من اللجنة المركزية، وان كان حتى ذاك الحدث، ثلاثة منهم على الاقل اعتبروا خصوما الداء: محمد دحلان، جبريل الرجوب، توفيق الطيراوي وممثل فتح في لبنان، سلطان ابو العينين. لو كان قيل قبل سنة لاعضاء فتح بانهم سيرون الاوائل الثلاثة يجلسون الواحد الى جانب الاخر دون ان تنشب مشادة، لادعى بالتأكيد ان هذا خيال مغرق.

يبدو أن ابو العينين لم يدعُ بالضبط الى استئناف العمليات الانتحارية كما ادعت صحيفة "القدس العربي" اللندنية، وان كان أثنى جدا على "المقاومة". كما أن الطيراوي في حديثه قال: "سنقاوم، سنقاوم، سنقاوم"، ووعد بان تستمر المقاومة خمسين سنة (في حديث مع "هآرتس" ادعى بانه بالاجمال قال انه اذا ادعت اسرائيل بانها ستواصل المفاوضات 20 سنة، فان الفلسطينيين سيواصلون المقاومة 50 سنة).

المشكلة هي ان نشطاء الذراع العسكري لفتح، الذين انسحبوا من الكفاح المسلح ضد اسرائيل منذ الانقلاب العنيف لحماس في غزة في حزيران 2007، من شأنهم في نهاية المطاف ان يفهموا اقوال "المقاومة" ببساطتها بالعربية الفلسطينية: العودة الى العمليات. بذات القدر، فان محاولات فتح الانضمام الى تنظيم الاضطرابات في الحرم كفيلة بان تكلف ثمنا باهظا بانفجار عنيف وحاد. اذا شعر شرطي اسرائيلي في الجولة القادمة من الصدامات بانه يوجد في خطر على الحياة، فرد بالنار وقتل متظاهرين فلسطينيين، مثلما حصل غير مرة في الماضي، فان الامر من شأنه ان يؤدي الى اشتعال، وبالاساس على خلفية المأزق في المفاوضات السياسية.

جبريل الرجوب هو ايضا من الجالسين في الندوة في رام الله، اعترف في حديث مع "هآرتس" بان الاحباط والاستياء يؤثران بالفعل على النبرة في تصريحات زعماء فتح. ولكن ينبغي ان يضاف الى ذلك عنصر آخر. بعد أقل من ثلاثة اشهر يفترض أن تجرى انتخابات في المناطق. ومشكوك ان تعقد بالفعل في موعدها دون مصالحة بين فتح وحماس. ولكن اذا ما نجحت مصر في حمل المنظمة الاسلامية على التوقيع على الاتفاق، فستجرى الانتخابات بعد تسعة اشهر (حزيران 2010). وفي سنة الانتخابات، حين تواصل في اسرائيل مهامها حكومة نتنياهو من الافضل دوما العودة الى الشعارات القديمة والمعروفة لياسر عرفات.

شهادات مقنعة

تصاعد التوتر بين السلطة واسرائيل يرتبط بقدر كبير بحملة "رصاص مصبوب" في غزة واثارها أيضا. السلطة، التي حث مسؤولوها اسرائيل على تشديد اجراءاتها ضد حماس في كانون الثاني الماضي، ادت دورا مركزيا في الحملة المناهضة لاسرائيل التي ولدت الحملة وتقرير غولدستون في اعقابها. اما محاولات عباس القيام بالتفافة حدوة حصان في ذروة الاضطرابات والتراجع عن الاهتمام بغولدستون، اثار عليه انتقادا داخليا شديدا، يشجع على ما يبدو الخط الكفاحي لدى كبار مسؤولي فتح.

في مكتب نتنياهو، في قيادة جهاز الامن وفي وزارة العدل، لا يزالون يبحثون عن حل وسط يخرج اسرائيل من الوحل: سيقلص الضغط الدولي حول التقرير، يقلص الخطر من اجراءات قضائية ضد مسؤولي الجيش الاسرائيلي في دول اوروبية ولن يدفع رئيس الاركان، الفريق غابي اشكنازي الى الاستقالة. رئيس الوزراء أطلق في نهاية الاسبوع الماضي ببالون اختبار من خلال تلميحه للصحافية لالي فايموت من "نيوزويك" ولكنه تراجع في ضوء الرد الغاضب من وزير الدفاع ايهود باراك. وفي محيط نتنياهو يقدرون بان في نهاية المطاف لا مفر من اجراء فحص ما، حتى لو جرى الامر انطلاقا من الامتناع عن تجاوز الخط الاحمر – استدعاء ضباط وجنود للشهادة.

مسؤول في المكتب شرح هذا الاسبوع في اللقاء مع ضيوف من الخارج لماذا من المهم جدا لاسرائيل منع لجنة تحقيق في "رصاص مصبوب". حتى اليوم، قال (ملمحا لقضية فك الارتباط) كان دارجا التفكير بانه اذا كان السياسيون مخطئين وتعقد الوضع الامني إثر ذلك، سيكون ممكنا دوما الاعتماد على الجيش بالعمل لاصلاح الوضع. ولكننا اذا كنا نسمح للضباط بالتورط بسبب الاعمال الواجب القيام بها، سيكون من الصعب ان نتوقع منهم استجابة مشابهة في المرة القادمة.

الوف بن كتب أول أمس في "هآرتس" بقدر كبير من الحق ان تشكيل لجنة تحقيق ضروري لاسرائيل لاستيضاح مسائل جوهرية وليس لرد الاتهامات المضخمة بجرائم الحرب. بن يريد أن يعرف مثلا ماذا كان الوزراء يعرفون عن الخطر على حياة المدنيين الفلسطينيين في عملية حربية كبيرة للجيش الاسرائيلي في القطاع. في هذا الشأن، على الاقل، لا تنقص شهادات مقنعة.  اشكنازي لم يوفر جهودا كي يوضح للقيادة السياسية بان الدخول الى غزة سيترافق وقتال شديد، مفعم باصابات المدنيين. امور مشابهة قيلت منذ نحو سنة قبل الحرب، حين عرض قائد المنطقة الجنوبية يوآف جلانت خطط الحملة على المجلس الوزاري. كما ان الصحافيين سمعوا تقديرات متشائمة في الاحاديث مع الجنرالات في الاسابيع التي سبقت "رصاص مصبوب"، بعضها اعلى من اعداد المصابين عمليا.