خبر من هنا التنبل..هآرتس

الساعة 04:59 م|30 أكتوبر 2009

بقلم: دورون روزنبلوم

هناك مفارقة مريرة في أن مكانة اسرائيل في العالم تدهورت الى درك أسفل مذهل بالذات في عهد حكم بنيامين نتنياهو – "سيد الاعلام" الشهير: قارىء سير الحياة النجيب، المقتنع بانه بخطاب مصقع على نمط ونستون تشيرتشل او جون كندي (بدون افعالهما) يمكن تغيير روح العصر وتحويل الميول التاريخية.

والمفارقة مضاعفة في أن نتنياهو لا يمكنه اليوم أن يفيد حتى من المزايا التي يمكن عزوها له بالذات – التردد، التلبث والاصلاح الذاتي؛ وهي مزايا غيابها ورط اسلافه – من شمعون بيرس عبر ايهود باراك وحتى ايهود اولمرت – بتلك الخطوات العسكرية الفظة التي نقطف نحن الان ثمارها المريرة. فضلا عن ذلك: بالذات في ولايات اولئك الوحشيين، الذين تحدثوا الانجليزية المتلعثمة بلهجة فظيعة، استقبلت اسرائيل في العالم باذرع مفتوحة، أما اليوم – مع هدوء امني نسبي، لكنة امريكية وكفاءات خطابية – اصبحت منبوذة تتعرض للهجوم في كل محفل دولي تقريبا.

يمكن بالطبع ان نعلق كل شيء بالتحول الذي وقع في البيت الابيض، والذي ازاح عن اسرائيل مظلة "حرب الابادة ضد الارهاب"، والتي تحت رعايتها تلقت حرية عسكرية واستيطانية، في ظل تطوير ثمار ادعاءات الضحية وقطفها. يمكن القول ان هزء المصير هو ان نتنياهو بالذات – الذي هو تجسيد الاكثر وضوحا لهذه العقلية – عوقب بتحقيق حلمه بالعودة الى رئاسة الوزراء بالضبط عندما فقد هذا النهج صلته بالواقع وشرعيته، على الاقل في نظر العالم وفي روح العصر.

ولكن اذا كان للمفارقة التاريخية ميل غريب ومخيف للضحك بالاساس على حساب اسرائيل – فلعل هذا لاننا لا نأخذها ابدا في الحسبان. نقطة المنطلق الاساس لاسرائيل هي الحفاظ على الوضع الراهن بكل ثمن الا اذا فرض كسره عليها من الخارج او كنتيجة لجولة حربية. ولما كان الامر على هذا النحو، فان كل تغيير عالمي يعتبر عرقلة مؤقتة للمفهوم الثابت: ها هو براك اوباما سيفهم مع من يتعامل؛ ها هو – بمساعدة "الاعلام" السليم – سيصحو العالم، ويعود ليفهم من هنا الضحية، ومن المحق تاريخيا؛ وها هي لتوها ستقع عملية او حدث "يثبت عدالة موقفنا" فقط – وعندها سيكون بوسعنا أن نواصل عادتنا: الضم الزاحف، المبهر بين الحين والاخر بالضربات العسكرية.

أحد العناصر المركزية الذي اعتمد عليها هذا النهج، اوجزه ذات مرة احد ضباطنا وثعالبنا الاكثر فظاظة – والذي دفع لقاء هذا النهج الثمن بحياته – بكلمتي "اسماعيل تنبل". في الغالب صغنا هذا بتعابير أكثر دبلوماسية، وان كانت اقل تعاليا: "الفلسطينيون لم يفوتوا ابدا فرصة لتفويت الفرص". المعنى – بنبرة خيبة امل، اضيف اليها مع السنين نبرة راحة معينة – منحنا لانفسنا اعفاءا من تغيير الفكرة، على افتراض أن شيئا على أي حال لن يتغير لدى العرب: لا في عدائهم، لا في قدراتهم العسكرية ولا في مدى ذكائهم العام (على الاقل بالنسبة للعبقرية اليهودية التي تجد تعبيرها في القنابل الذكية).

ومرة اخرى استعدينا للجولة السابقة حين وضعنا مرة اخرى امام مفاجأة استخبارية: اسماعيل لم يعد تنبل كما عهدناه. فهو لا ينفجر ويطلق النار فقط – بل ايضا يعرف كيف يستخدم الكاميرات وهواتف الجيل الثالث، ويثير الحماسة بالدعاية ويستخدم بشكل ذكي للغاية اذرع القانون الذي تحوط العالم. كما أن "الانتفاضة الالكترونية" – التي تظهر كناجعة اكثر من سابقتيها – أمسكت بنا ببنطال ساحل. فجأة حتى كبار ضباطنا ووزرائنا، المحاصرين في البلاد خشية الدعاوى القضائية، بدأوا يفهمون بان ليس على كل شيء يمكن الرد بالنار.

كانت هناك فكرة مغلوطة: اعتقدنا ان بوسعنا ان نواصل "الاعلام" الشارح لطريقنا في البقاء في المناطق ومواصلة الاستيطان، ولكن تبين مرة اخرى ان وسائل الشرح والاعلام صدأت في المخازن؛ ولم نحرك الى الجبهة المدافع الصحيحة؛ تبين أن جمهوري جابوتنسكي محافظ وذا حيل اعلامية، يشرح حقنا التاريخي في صخور وجودنا مستعينا بالكارثة – ليس فقط لا يشكل ردا ناجعا ومناسبا على الانتفاضة الالكترونية للقرن الـ 21، بل يؤدي الى مزيد من تراجعنا الى الوراء: من خطوط الدفاع حيال تهمة الاحتلال – الى الخطوط الخضراء لمجرد تبرير الوجود.

إذن من هنا التنبل – اسماعيل ام اسرائيل؟ حتى بعد مائة سنة من السابق لاوانه ان نقرر.